يطوى عام 2016 أوراقه ويستعد للرحيل، وهو يحمل لقب "عام القرارات الاقتصادية الجريئة" بامتياز، ويأتى على رأس تلك القرارات الإصلاحية التى انتظرها مجتمع الأعمال على مدار سنوات طويلة، قرار تحرير سعر صرف الجنيه "تعويم الجنيه"، وترك تسعير العملة المحلية أمام سلة العملات العالمية لقوى العرض والطلب، فى إطار إجراءات للإصلاح الهيكلى للاقتصاد المصرى، ويعد صاحب القرار الاقتصادى الأهم خلال السنوات الأخيرة، وفقًا لآراء الخبراء والمصرفيين وتحليلهم لواقع القرار وآثاره المستقبلية، المصرفى طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، الذى يمكننا اعتباره "شخصية العام الاقتصادية" بحكم ما أحدثه من حراك فى "بِركة" الاقتصاد المصرى الراكدة.
يعرف طارق عامر بأنه صاحب القرارات الجرئية التى تستهدف الإصلاح الجذرى والهيكلى، وهو الذى قضى أكثر من 13 عامًا فى بنوك القطاع العام والبنك المركزى، بينها 4 سنوات فى رئاسة البنك الأهلى المصرى، أكبر البنوك المحلية المملوكة للدولة والمكونة لنسيج القطاع المصرفى المصرى، ساهم خلالها فى إحداث نقلة مهمة فى نتائج أعمال هذا البنك الحكومى الضخم وواسع الانتشار، إلى أن جاء على رأس أهم المؤسسات الاقتصادية فى مصر، محتلاً المنصب الاقتصادى والمصرفى الأرفع فى البلاد، وهو منصب محافظ البنك المركزى، ليقود عمليات الإصلاح الاقتصادى والمصرفى ووضع مؤشرات مصر الاقتصادية فى المنطقة الخضراء التى تتميز بمعدلات النمو الاقتصادية الإيجابية والمستدامة.
البنك المركزى يوفر حزمة تمويلية ضخمة للمشروعات الصغيرة بتوجيهات الرئيس
خلال العام 2016، أطلق طارق عامر، مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، وذلك من خلال تخصيص 200 مليار جنيه لهذا القطاع الذى يعد عصب العملية التنموية خلال الفترة المقبلة، على مدار 4 سنوات وبشروط وفوائد ميسّرة، تحت مظلة مؤسسة الرئاسة التى تولى المشروعات الصغيرة والمتوسطة اهتمامًا كبيرًا، إلى جانب مبادرات أخرى لدعم قطاع السياحة، وحل مشكلات الشركات التجارية والصناعية، إلى جانب ضبط سوق الصرف، وهو القرار الأهم والأكثر تأثيرًا على المدى القريب، بينما يتوقع متخصصون أن يعيد بناء هيكل الاقتصاد المصرى وفق أسس ثابتة فى المديين المتوسط والبعيد، إذ جاء تحرير سعر صرف الجنيه "التعويم الحر"، كخطوة أولى وأساسية وفاعلة على طريق القضاء على تعاملات السوق السوداء، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وإصلاح خلل السوق المصرفية، وزيادة تدفقات العملة الصعبة إلى الجهاز المصرفى المصرى، الذى يعد أهم أعمدة الاقتصاد المصرى حاليًا.
مفاوضات قرض صندوق النقد.. شهادة طارق عامر لاقتصاد مصر
تعد قيادة طارق عامر لمفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولى، للحصول على قرض الـ12 مليار دولار، واحدة من أبرز أحداث الاقتصاد المصرى خلال العام الجارى 2016، الذى تسقط آخر أوراقه خلال ساعات، إذ خاضت مصر جولة تفاوضية طويلة وشاقة على مدار عدة أشهر، للاتفاق على تلك الحزمة التمويلية المهمة، بما تحمله من آثار إيجابية للاقتصاد المصرى ودعمًا للسياسة النقدية للدولة، إذ توفر زيادة كبيرة فى أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر، وتمنح الاقتصاد شهادة ثقة قوية أمام المجتمع الاستثمارى الدولى، تؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على النهوض بمعدلات نمو تصل إلى 6% خلال سنوات قليلة.
تحير سعر الصرف يقفز بالبورصة لأعلى مستوى فى تاريخها
وساهم قرار تعويم الجنيه فى تنشيط تعاملات البورصة المصرية وتجاوز مؤشرها الرئيسى لمستوى الـ12 ألف نقطة، للمرة الأولى فى تاريخ البورصة المصرية، إلى جانب جذب محافظ استثمار جديدة فى الأوراق المالية الأجنبية، لدعم تدفقات رؤوس الأموال لمصر خلال الفترة المقبلة، ما يزيد من حجم سوق الأوراق المالية، وما تحمله من زيادات متوقعة فى الاستثمار المباشر بالسوق الصناعية المصرية.
ويعد هدف السيطرة على التضخم، الأهدف ذا الأولوية القصوى فى الوقت الحالى، إذ يعد البنك المركزى المصرى، بالتنسيق مع الحكومة والأجهزة الاقتصادية المعنية، خطة متكاملة للإصلاح الاقتصادى والنقدى، عبر تنفيذ عدة إجراءات للسيطرة على مستويات الأسعار المرتفعة، خاصة أن معدل التضخم تجاوز مستوى الـ20% خلال الفترة الماضية، ووفق التحليلات والتصورات الفنية عن الفترة المقبلة سيشهد هذا المعدل انخفاضًا ملحوظًا، مع طرح أوعية ادخارية جديدة وزيادة نسبة الفائدة على الودائع، بما يساهم فى امتصاص السيولة المتاحة فى السوق، فيقلل التضخم ويزيد المحفظة الائتمانية للبنوك المختلفة بما يوفر فرصًا تمويلية للشركات ورجال الأعمال والمستثمرين.
الشهادات البلاتينية تجتذب 220 مليار جنيه بعد قرار تحرير سعر الصرف
يُذكر أن شهادات الادخار "البلاتينية" ذات العائد الثابت 16 و20%، قد ساهمت فى جذب سيولة تقدر بنحو 220 مليار جنيه، وهى حصيلة كبيرة وكافية لتقليص حجم الطلب على السلع والخدمات، ولكن يتطلب الأمر مزيدًا من الرقابة على الأسواق خلال الفترة المقبلة، إلى جانب تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا، بينما يأمل كثيرون من المصريين فى أن يحمل العام الجديد 2017 انفراجة اقتصادية عقب قرارات الإصلاح الجريئة التى اتخذها البنك المركزى والحكومة، والتى تسهدف فى الأساس لوضع الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح، ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى خلال السنوات المقبلة.
وكان البنك المركزى المصرى قد قرر يوم الخميس 3 نوفمبر 2016، تحرير سعر صرف الجنيه المصرى، وترك التسعير لقوى السوق ومستويات العرض والطلب، وإطلاق الحرية للبنوك العاملة النقد الأجنبى من خلال آلية "الإنتربنك" الدولارى، وذلك فى إطار "تعويم حر" لسعر العملة الوطنية، وإنهاء فترة طويلة من التسعير الرسمى وربط سعر الجنيه عند مستويات محددة، ما يمثل خطوة أولى على طريق الإصلاح الهيكلى لبنية الاقتصاد المصرى، وتوفير بيئة اقتصادية واستثمارية مطمئنة ومشجعة لرؤوس الأموال الخارجية والمحلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة