كشفت التجاوزات القطرية تجاه مصر وردود الفعل المصرية "الرسمية" عن معادلة مهمة أوضحت الفارق بين سلوك زعماء العصابات، وبين من يؤمنون بقيم وتاريخ عريق من الحضارة والرقى.. رجال العصابات يعملون بالأجر لدى الأقوياء الذين يغدقون عليهم الحماية، ومقابل هذه الحماية يقومون بكل الأدوار القذرة والمشبوهة، وزعماء الدول يدركون أنهم واجهة لشعوبهم ويمثلون عراقة هى التى تمايزهم عن اللصوص وناشرى الفتنة وراكبى أمواج الرذيلة.
هذه المقدمة رأيتها لازمة عند الحديث عن الدور القطرى المشبوه والمغموس بكل صنوف التنطع ضد مصر التى التزمت قيمها ولم ترد لدرجة أن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى طالب الإعلام المصرى الذى انتفض كثيرا فى مواجهة التطاول القطرى بالهدوء وعدم الزج بالأسرة الحاكمة فى قطر وعدم مهاجمتها.. كان هذا الرد من رأس الدولة يمثل ذروة التحضر لدولة يمتد تاريخها لآلاف السنين عبر الزمن، فأضفى هذا التاريخ وأسبغ على شعبها ضرورة الانطلاق فى كل رؤاها من خندق الفضيلة، واستبان من موقف الرئيس أنه يحمل هذا الإرث الكبير، وأنه لا يمكن التنازل عنه.
وتبين لنا أن الدول العريقة والعظيمة لديها موروثا طويلا من فلسفة التفرقة بين صغائر الأمور وكبارها، وكما رأت مصر من قبل والتى امتدت جغرافيتها من بلاد بنت وعبرت البحر الاحمر وشبه الجزيرة العربية والشام حتى حدود تركيا – قبل وجود شيئا اسمه "قطر- أن قضايا أمتها فى عين الرعاية المصرية، فخاضت الحروب وقدمت الشهداء والأبطال من أجل حماية الأمن الاستراتيجى العربي، فإنها قد رأت أن "عواء" البوق القطرى هو من صغائر الأمور التى لن تلفت لها مصر ولن تتوقف عندها، اتساقا مع القيم الحاكمة النابعة من موروثها الحضارى.
وجاء نوفمبر من العام 1996 ليحمل التوجه القطرى إلى حيث أكواخ زعماء العصابات المأجورة عندما أنشأوا قناة "الجزيرة" لتكون بوقا لهم ولأسيادهم الذين استأجروهم لتقوم بدور مشبوه فى تزييف الوعى، وقلب الحقائق، ولكن الاسرة الحاكمة الراعية للكذب لم تكن تتصور أن العالم سيفضح جهلهم، لان البون شاسع بين من يتعامل باحترافية وفهم ووعى، ومن فى مثل حكام قطر وهم يتعاملون بغباء ودون وعى..فقد فضحتهم علاقاتهم المشبوهة بإسرائيل، وكشفت "ويكليكس" عن وثائق تداولتها الصحف فى مشارق الارض ومغاربها عن لقاءات وترتيبات جمعتهم بقادة إسرائيل، وكان كل ما يهم هؤلاء الذين يبحثون عن دور برعاية إسرائيلية وأمريكية هو إحداث حالة من التوتر والقلق فى مصر،ولعقدة النقص الساكنة فى هذه العقول تصوروا أنهم يمكن أن ينحوا مصر عن المشهد الاقليمى ويتحولوا هم ليكونوا المتحدثين الرسميين فى المنطقة العربية، فقال حمد بن جاسم والذى كان يمثل رأس الافعى فى هذا الطريق المشبوه للإسرائيليين "إن مصر هى دولة القضية الواحدة" فى إشارة منه إلى القضية الفلسطينية، وأن مصر لا تريد حل هذه القضية ليبقى لها دورها، ولم يتذكر هذا المريض ما قدمته مصر من أجل هذه القضية،ولكن ما يهمنا فى هذا الصدد هو تبيان صدأ هذا الفكر وعفنه،والمرض النفسى القابع فى عقولهم وأفئدتهم.
وتحولت هذه المساحة القائمة على الخليج العربى والتى لا تزيد جغرافيا وسكانا عن أصغر محافظة مصرية لتكون مقرا لقاعدة عسكرية أمريكية لتصبح تحت الاحتلال العسكرى الأمريكى، ليضمن سيدها هناك فى واشنطن بقاء هذه العصابة تقدم فروض الولاء والطاعة للسيدين الامريكى والإسرائيلى، وفى إطار هذا المشهد الاسن قامت موزة بنت ناصر المسند زوجة الابن العاق، وأم الابن الضال بتأسيس المؤسسة العربية الديمقراطية فى مايو 2007، وكانت المفارقة العجيبة والغريبة وهى أن تقوم أسرة تقع تحت الاحتلال بتدشين مؤسسة ديمقراطية، وهو الامر الذى يتنافى مع كل النظريات السياسية فى العالم، وكان واضحا الهدف من هذه المؤسسة وهو القيام بالدور الموازى لقناتهم المشبوهة فاستقطبت المتعطشين للمال من الدول العربية، وأغدقت عليهم دولارات البترول، ليمارسوا دورا مشبوها ورعوا فيهم الخيانة الموجودة فى أنسجتهم لينقلبوا على شعوبهم، فمنهم المجاهر بعلاقته بموزة الذى تقاضى ملايين الدولارات وكانت الدوحة مزارا متكررا يحج إليها ويدعو لها،وغيره ممن شاركوا فى المؤتمرات التى دعت لها "موزة" ومنهم من تورط ثم عدل عنهم بعد أن تبين خبث مسعاهم ومنهم من عاش واهما أنه فى حماية القاعدة الأمريكية ومنهم الإخوان والمخطط لعدد كبير من أحداث الفوضى والتدمير قبل وبعد تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك العقيد عمر عفيفى الضابط السابق بالشرطة والهارب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهم من الفارين والهاربين من غضبة الشعب المصرى وقضائه، والذين تأويهم قطر حتى الان ليقوموا بدور قذر تجاه مصر، بل سمحوا باستخدام أراضيها تحت رعايتهم للتخطيط وتمويل العمليات الارهابية ضد مصر.
ولتأكيد المرض النفسى وعقدة النقص لدى هؤلاء المرضى حاولوا بعد أن وصل أذنابهم من الاخوان للسلطة تأجير الآثار المصرية شريطة نقلها إلى الدوحة، وكأنهم يبحثون لأنفسهم عن ملابس تحميهم لأنهم عراة من التاريخ والمجد، تصوروا أنهم بأموال البترودولار أن يشتروا لأنفسهم تاريخا عريقا بناه المصريين جيلا بعد جيل، كبارا عن كبار، وأنهم أبدا لن يتنازلوا عن تاريخهم الذى يمثل بالنسبة لهم النبض والحياة، فأفشل الشعب المصرى مخططهم، وزاد الشعب من قوته وغضبته أن رمى بالإخوان المجرمين إلى حيث المتاهة التى لن يعودوا منها.
ومازال هؤلاء الأطفال من حكام قطر يمارسون أدوارا فاشلة وترتد إلى نحورهم ونحور أسيادهم بالهجوم على مصر وشعبها، فأنتجت قناتهم المشبوهة فيلما عن الجيش المصرى تطاولوا فيه على جيش مصر، لأن أسيادهم قد أدركوا أن قوة الشعب فى تلاحمه مع جيشه، وكانوا يبغون تأليب الناس على جيشهم متناسين أن "الكاكى" – وهى البزة العسكرية المصرية – تسكن تحت جلد كل مصرى، وتختلط بدمائه، ويحتضنها عقولهم وقلوبهم،فخاب مسعى المشبوهة والأسرة الحاكمة وأسياد الأسرة الحاكمة.
وأخيراً: يمكننى القول إنه مهما حاول حمد أو موزة أو تميم أو بن جاسم أن يكون لهم دور، تبقى قطر محمية أمريكية تتواجد على أراضيها أساطيل وقواعد أمريكية ولن تكون يوماً نموذجاً للديمقراطية ولا للقيم الثقافية، ولن يكون لها مكان إلا بين العصابات والمأجورين. إنها بسياستها المدعومة بالثروات النفطية، تحمل فى طيات هذه السياسة سقوطها، وبذور فنائها وغيابها عن المشهد السياسى العربى برمته، الذى ستحكمه فى المستقبل المنظور، القوى الوطنية، المسلحة بالأفكار التنويرية المتقدمة، القادرة وحدها على إجراء التحول الديمقراطى والإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وإحداث التغيير النوعى فى مجتمعاتنا العربية، لأجل بناء صرح مجتمع التقدم والحضارة والديمقراطية الذى وضعت أسسه وقواعده الدولة المصرية العريقة منذ آلاف السنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة