مصر أكبر من أن يعبث بأمنها..
الاحتلال حوّل «الحرم الإبراهيمى» إلى كُنيس يهودى لطمس هويته الإسلامية..
أكد الشيخ محمد حسين، المفتى العام للقدس المحتلة والديار الفلسطينية، أن الشعب المصرى كبير وواعٍ ومحب لبلاده، وسيتجاوز محنة تفجير الكنيسة البطرسية، مشيرًا فى حوار لـ«اليوم السابع» إلى أن زيارة القدس واجب دينى على كل مسلم، ومن باب شد الرحال للمدينة، وأن الفتاوى التى خرجت خلال السنوات الأخيرة بمنع زيارة القدس، خوفًا من التطبيع، لا تخدم سوى الاحتلال، لافتًا إلى أن المسجد الأقصى مهدد من جانب الاحتلال الإسرائيلى بالاقتحامات المتكررة، ومحاولات فرض واقع جديد بتقسيم زمانى وتقسيم مكانى، لتقويض الوجود العربى الإسلامى والمسيحى، وطمس الحضارة الإسلامية والمسيحية الناطقة بعروبة المدينة المقدسة، إلى جانب غيرها من الموضوعات المهمة التى تطرق إليها الحوار..
ونسألة فى البداية عن نظرته إلى الحادث الإرهابى بالكنيسة البطرسية؟
- ما جرى فى مصر من تفجير الكنيسة، هو عمل مدان فى كل الأديان السماوية، فالأديان جاءت لرحمة الإنسان ورحمة البشرية جميعًا، لكن مع الأسف الشديد بعض الجهات والجماعات المتطرفة يستغلون الدين لارتكاب تلك العمليات الدخيلة والمرفوضة، والأديان منها براء، ومصدرها أفكار دخيلة ومشوشة وغريبة وخارجة عن كل تعاليم الأديان، ونحن على يقين بأن الشعب المصرى شعب كبير وواعٍ ومحب لبلاده، وسيتجاوز المحنة، فمصر أكبر من أن يُعبث بأمنها، وأكبر من أن يُعبث بحياة مواطنيها، وهى لكل شعبها، مسلمين وأقباطًا، وهى لا تفرق بين أبنائها، وبالتالى ستتجاوز هذه المحنة.
الشيخ محمد حسين مع محمود محيى محرر اليوم السابع
ولكن أنتم كرجال دين إسلامى كيف تواجهون الفكر الإرهابى المتطرف وحماية الشباب منه؟
- فيما يتعلق بقضية الإرهاب، نحن ضد العمليات وكل الجماعات الإرهابية، وضد هذا الفكر الإرهابى المتطرف، وأقول إن هذا الفكر يجب أن يُواجه بأكثر من موقف، يجب أن يُواجه بالفكر السليم والصحيح الذى يعيد الناس إلى صحيح الدين.
وهل الإرهاب فى المنطقة العربية يختلف عن إرهاب دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى؟
- أريد أن أوضح شيئًا.. إن الإرهاب لا يعرف دينًا ولا حدودًا ولا قيودًا ولا مواطنة، هو خارج كل هذه المعانى، ونحن كفلسطينيين نواجه إرهاب دولة منظمًا، تدعمه جهات رسمية ممثلة فى الحكومة الإسرائيلية والكنيست، وبالتالى نحن نكتوى بنيران إرهاب دولة منظم، وبالتالى نحن نحس بنار الإرهاب الذى وقع فى الكنيسة البطرسية فى مصر، والذى وقع على كل الشعب المصرى مسلميه ومسيحييه، لأننا فى فلسطين، مسلمين ومسيحيين، نواجه نفس النوع من الإرهاب فى المسجد والكنيسة وفى الشارع، وفى لقمة العيش، من جانب هذه الدولة اليمينية المتطرفة، التى تدعم الإرهاب اليهودى المتطرف بشكل واضح، سواء ضد المقدسات أو ضد الشعب الفلسطينى، فهناك عدوان على المساجد والكنائس بالحرق من جانب المتطرفين اليهود، وعدوان على المسلم والمسيحى على السواء.
الإسرائيليون يقتلون أبناء الشعب الفلسطينى فى الحواجز وغير الحواجز، بسبب ودون سبب، ويختلقون الأسباب لقتلنا، وبالتالى نحن نعانى من الإرهاب، ونحس بثقل وفاجعة مثل هذا العمل الإرهابى الذى تم بالكنيسة البطرسية.
كيف تواجهون قضية منع الأذان بالمساجد من جانب الاحتلال الإسرائيلى؟
- فيما يتعلق بملاحقة الأذان من جانب الاحتلال الإسرائيلى، فهو نوع من أنواع إرهاب الدولة الذى يمارسه الاحتلال، وللأسف العالم يقف على استحياء من هذا الإرهاب، ويخاف أن يقول إنه «إرهاب دولة»، وعلى المجتمع الدولى أن يعاقب هذا الإرهاب، ونحن فى فلسطين نأمل أن ننتصر على كل هذا الوسائل الإرهابية التى تشنها إسرائيل، وهو إرهاب لا يختلف عن إرهاب من يفجرون أنفسهم فى الأبرياء، ويرتكبون عمليات إجرامية فى المنطقة العربية، بل هو أبشع وأسوأ، فى الوقت الذى يحاولون فيه أن يرتكزوا إلى معلومات دينية من شريعتهم لارتكاب تلك الجرائم الإرهابية.
ولكن إسرائيل تروج للعمليات التى يشنها الشعب الفلسطينى دفاعًا عن وطنهم بالإرهاب، كيف تواجهون تلك المزاعم؟
- الحكومة الإسرائيلية تحاول أن تشوه المقاومة الفلسطينية المشروعة وفقًا للشرائع السماوية والقانون الدولى، الذى يقول «إذا احتلت أرض شعب فمن حقه أن يقاوم هذا الاحتلال بكل الوسائل الممكنة والمتاحة»، ولكن إسرائيل تحاول دائمًا أن تصور أبناء الشعب الفلسطينى بأنهم جزء من الإرهاب الموجود بالمنطقة، وتنسى أنها من ينتهج إرهاب الدولة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وأن أى واعٍ فى هذا العالم لا يدخل فى رأسه مثل تلك الادعاءات والمزاعم الصهيونية ضد شعبنا، والحكومات والدول والشعوب تدرك أن ما يقوم به الشعب الفلسطينى هو مقاومة من أجل الحرية.
وكيف تواجهون إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال عند الحرم القدسى الشريف؟
- نحن أبناء الشعب الفلسطينى كلنا مرابطون، ونعتز بأن نكون كذلك فى القدس والمسجد الأقصى، وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية نراعيها وندافع عنها ضد الاحتلال، فأبناء الشعب الفلسطينى كله موحد ضد هذا العدو الغاشم، وبالتالى محاولة الانفراد بالمرابطين عند الأقصى دفاعًا عنه، واعتقالهم وإبعادهم بتهمة «التنظيم المحظور»، هو الإرهاب الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى، ونحن لا نبالى باتهامنا بالتنظيم الإرهابى أو غير ذلك، وسنظل مرابطين بالقدس للدفاع عن كل المقدسات الإسلامية والمسيحية ضد ما يقوم به الاحتلال من إجراءات تعسفية.
وماذا عن الحفريات التى يقوم بها الاحتلال تحت المسجد الأقصى؟
- المسجد الأقصى مهدد من جانب الاحتلال الإسرائيلى بالاقتحامات المتكررة، ومحاولات فرض واقع جديد بتقسيم زمانى وتقسيم مكانى، والحفريات التى يقوم بها فى الأقصى هى تقويض لبنيان المسجد، والوجود العربى الإسلامى والمسيحى، وطمس الحضارة الإسلامية والمسيحية الناطقة بعروبة المدينة المقدسة.
ونحن نقول سيفشل هذا الاحتلال بكل هذه الإجراءات، لأن الشعب الفلسطينى أولًا شعب مرابط وصابر وثابت، وعلى الجانب الآخر فإن الحفريات ليست بنت اليوم أو الأمس، بل إنها منذ القرن الماضى، ولم يتوصل الاحتلال من خلال هذه الحفريات لأى أثر يعود لليهود، فليس لهم أى حضارة بالحرم القدسى، وهذا ما يقره الدارسون والمنصفون بالمنظمات الدولية، ومنظمة اليونسكو قررت بشكل واضح أن الأقصى خاص بالمسلمين، ولا علاقة له باليهود، كما أن المدينة المقدسة بتراثها هى حضارة إسلامية وعربية على امتداد العصور، وبالتالى لا يوجد لهم شاهد بالمدينة المقدسة، وأنهم باختصار يريدون تدمير الحضارة التى تنطق بعروبة القدس وإسلاميتها أمام حضارة وهمية يدّعونها ويزعمون وجودها.
مفتى الديار الفلسطينية مع محرر اليوم السابع
وكيف تقيّم وقفة العالم العربى والإسلامى تجاه القضية الفلسطينية، والقدس المحتلة تحديدًا؟
- إن القضية الفلسطينية هى قضية مركزية للأمتين العربية والإسلامية، لكن للأسف الشديد بسبب الظروف الراهنة التى تمر بها المنطقة، وانشغال الدول العربية بقضايا داخلية وحروب وفتن، انشغلت الأمة والشعوب والحكومات والقادة العرب عن القضية الأولى، ونحن نشعر بأن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الوحيدة التى تشغل بال العرب، فأصبحت لكل دولة بالمنطقة قضيتها، لكن فى النهاية تبقى القضية الفلسطينية والقدس هى القضية المركزية والمحورية للأمتين الإسلامية والعربية، ونأمل أن تستقر الأمور فى تلك الدول، وأن تتعافى تلك الشعوب من الفتن والمحن التى أصابتها لتعود بحكوماتها وشعوبها للوقوف مع القضية المركزية، وهى فلسطين وشعبها.
الكثير من أبناء الشعوب العربية سواء فى مصر أو غيرها، المسلمون والمسيحيون يتمنون زيارة القدس ودخولها، لكن هناك دعوات وفتاوى تحرم زيارتها باعتبار أن ذلك قد يشكل نوعًا من أنواع التطبيع مع المحتل.. كيف تردون على ذلك؟
- أؤكد أنه فى كل مؤتمر ومنتدى، وفى أعلامنا، وفى فتاوانا، نحث العرب والمسلمين أن يأتوا لزيارة القدس ومعالمها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.. إن زيارة القدس هى من باب شد الرحال للمدينة، وهى واجب دينى على كل مسلم، وهذا الواجب تأكد فى الدورة الـ 22 لمجمع الفقه الإسلامى الدولى الذى انعقد فى دولة الكويت مؤخرًا، وخرج المجمع بقرار، هو الترغيب فى زيارة القدس، والوصول إليها من جانب كل عربى، وهذا ما بدأنا نلمسه، فكثير من المسلمين بدأوا يأتون من تركيا وإندونيسيا وماليزيا والجاليات الإسلامية فى أوروبا، ومن بعض الدول العربية، ونأمل أن تسود هذه الأفكار والجهود لتزداد هذه الأعداد التى تزور المسجد الأقصى، خاصة أن القدس لم تغلق خلال الحروب الصليبية الأوروبية التى استمرت 100 عام، ولم تكن هناك فتاوى بمنع زيارة القدس خلال هذه الحقبة، لكن الفتاوى الحديثة التى ظهرت مؤخرًا هى فتاوى من باب المفاسد وتخدم الاحتلال.
وماذا عن الوضع فى الحرم الإبراهيمى، وما رسالتكم للعالم العربى والإسلامى لإنقاذ مدينة خليل الرحمن؟
- الشعب الفلسطينى بكل مكوناته يسعى لإزالة الاحتلال عن جميع الأراضى الفلسطينة، والوضوع فى مدينة الخليل مؤلم ومحزن للغاية، حيث حول الاحتلال الحرم الإبراهيمى إلى «كنيس» بالمعنى الكامل لكلمة «كنيس» بالقوة، محاولًا فرض الأمر الواقع، وهذ لا يغير من الحقيقة شيئًا، فالحرم الإبراهيمى مسجد إسلامى يجب أن يرحل عنه الاحتلال، كما يجب أن يرحل من الأقصى ومن كل الأراضى الفلسطينية المحتلة.
كيف تواجهون حملات التهويد الممنهجة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى ضد القدس؟
- نحن نواجه ذلك بكل ما أوتينا من وعى وإمكانيات، حتى وإن كانت بسيطة، ففى قضية المناهج التعليمية نحن نصر أن تكون بعيدة كل البعد عن تدخلات الاحتلال والمناهج الإسرائيلية، لأننا لن نسمح بأن يعبث هذا الاحتلال بعقول وتربية أبنائنا.
ونحن نعمل فى أكثر من جهة، منها جهات دولية، كما هو الحال فى قضية اليونسكو، أى ننتهج الطرق السياسية والدبلوماسية الدولية، نريد أن يفهم المجتمع الدولى حقيقة ما يحدث تجاه هذه الأرض وهذ الشعب، ونحن نشعر بأنه قد حدثت بعض الإنجازات، والدليل على ذلك اعتراف 138 دولة فى الأمم المتحدة عام 2012 بفلسطين كدولة مراقب، ونحن على يقين بأن قضية فلسطين قضية حق وعدالة، وفى النهاية سينتصر الحق، وستنتصر العدالة، وسيزول الاحتلال رغم كل إجراءاته التعسفية والظالمة.
مفتى القدس مع محرر اليوم السابع
وما شكل التعاون بين دار الإفتاء الفلسطينية ونظيرتها المصرية والأزهر؟
- لقد جئنا كوفد دينى إسلامى ومسيحى فلسطينى لنقدم واجب العزاء لقداسة البابا تواضروس الثانى، فى حادث الكنيسة الأليم، باسم كل أبناء شعب فلسطين، وعلى هامش زيارتنا لمصر التقينا شيخ الأزهر، ومفتى الجمهورية شوقى علام، وبيننا تعاون وتنسيق على مستوى متقدم، خاصة أن الأزهر الشريف يتبنى القضية الفلسطينية كأهم قضية من بين القضايا التى يتبناها.
وما الرسالة التى تريدون توجيهها لرجال الدين والقادة العرب؟
- نحن نوجه رسالة مفتوحة لجميع رجال الدين فى مصر والعالم الإسلامى، بأن يأتوا إلى القدس ويدعموها فى وجه الاحتلال، ونقول للقادة العرب إن القدس فى حاجة لدعمكم وعملكم، لأنها قضية عقيدة وحضارة وعروبة وقومية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة