رغم شهرته الكبيرة يتميز الكاتب الجزائرى الكبير واسينى الأعرج بالتواضع الجميل، ويتعامل مع القراء بشكل بسيط ويصافحهم بكل ود، وعندما تمد يدك لتمسك روايته تجد على الغلاف ملحوظة "الكاتب لا يريد العائد المادى فهو متبرع به إلى مستشفى السرطان".
واسينى الأعرج، جامعى وروائى جزائرى، يعتبر أحد أهم الأصوات الروائية فى الوطن العربى، أجرى "اليوم السابع" معه حوارا خلال تواجده فى معرض الشارقة الدولى للكتاب بدورته الـ 35، وإلى نص الحوار..
للوهلة الأولى لاحظت تواضعك الكبير رغم سعة شهرتك؟
القضية تربوية فى الأول والآخر ولا أسميها تواضعا، لكنها الشكل العادى للحياة، لأن فى نهاية المطاف المثقف مهما كان مشهورا ومعروفا هو إنسان طبيعى، يصيبه ما يصيب الناس، وكلنا نأتى بالولادة ونذهب بالموت، والفارق بيننا وبين أى شخص عادى هو أننا نملك قدرة التعبير عما يأتى بخواطرنا، ونحولها إلى قصة أو رواية، لكن طبيعة العمر نحن بشر نعيش كما يعيش أى إنسان آخر، والمفروض أن تكون هذه سمة الحياة وليس تواضعا.
كيف ترى المشهد الثقافى العربى؟
المشهد العربى هو مشهد مقاوم بالمقارنة للجانب السياسى الذى يشهد هزيمة كلية وحتى المشاريع الاقتصادية كلها تقريبا فشلت فى البلدان العربية الصغيرة والكبيرة، إذا كانت نفطية أو غير نفطية، وعندما انخفض سعر النفد تبين أن مشاكلنا فى البنية التحتية، وبالتالى لا يبقى الأمل إلا على الأدب، ونرى أنه هو الذى يرفض هذه الوضعيات ويقاوم، ونكتب من خلاله النصوص ونرفض الحالة، بالإضافة لتوصيف الحالة العربية المعقدة، ولا أرى غير الأدب والفن الذى اتخذ موقفا هو الموقف الطبيعى لأن الفنون ليس لديها موقف مسالم أو هدام، وهى نوع من الحرية والاستقلالية لردود الفعل.
المنظومة التعليمية فى الوطن العربى.. كيف تراها؟
للأسف لا، وفى حدود ما أعرف اكتشفت أن الكتاب المدرسى يمشى فى طريق والمجتمع يمشى فى طريق آخر، وهذا يعنى أنه لا يوجد تجانس بين الحالتين، وهذا يدل على أننا لا نعرف ماذا نريد من هذا المجتمع، فهل نريد مجتمعا عقلانيا أو حداثيا، أو مجمتع متسامح دينيا، فإذا كنا نريد هذه القيم، فيجب أن يكون الكتاب محملين بهذه القيم ونظهرها من خلال الفعل الكتابى بطرق تربوبية بأيدى مختصين، والمبدأ الكبير هو أن نسأل ما هى المرهنات المستقبلية التى نريدها، أرى أن الرهانات المستقبلية غير واضحة.
ما انطباعك عن مستوى الثقافة لدى الشباب؟
المجتمع العربى مازال محملا بالأمل وليس لدى يأس ومتفائل، صحيح أن الشباب اليوم تحت ضغط هيمنة إعلامية من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، لكن هذا ليس كل شىء، فهناك شباب يتخرجون من الجامعة، وهناك رغبة وطنية لديهم فى تغيير المجتمع، وأقول إن الرهان الكبير ينصب على هؤلاء الشباب، وليس الشباب الفاشل الذى ليس لديه رؤية مستقبلية، ولكن يجب عينا أن نعطى للشباب الذى يملك طموحا قدرا من الثقافة.
ما النصيحة التى ترسلها للشباب؟
أن يقوم الشباب بإعطاء العقل مكانة جيدة، وعدم السماع للجهات المتطرفة، والتعامل مع الإسلام بوصفه ديانة تسامح وليست ديانة ظلم أو سيطرة، ولكن النصيحة وحدها لاتكفى فيجب أن تقوم الجهات المنفذة بكل دولة بمساعدة الشباب.
كيف نضع آليات سليمة لمواجهة التنظيمات الإرهابية؟
هذا شأن دول والمثقف وحده لا يستطيع أن يفعل شيئا أمام ذلك، وعلى الدولة أن تتعاون مع المثقفين لمواجهة التنظيمات مثل داعش وغيرها، ولكى ترصد مخاطر تلك الجماعات ليس أمرا سهلا، وأخطر شىء يواجه الشباب هو الانجراف إلى العدامية نتيجة انضمامهم لتلك التنظيمات.
هل المثقف مسئول عن رفع روح الانتماء لدى أفراد مجتمعه؟
المثقف كاتب وليس خطيبا سياسيا ولا مشرعا دينيا وهو فى الأول والآخر هو كاتب ينتج سلسلة من القيم الإنسانية والاجتماعية، وهذه القيم توضع بين أيدى القراء، وتغيرهم على الأمد المتوسط وربما الأمد البعيد، والقيم الثقافية ليست أوامر، لأنها تحتوى على فعل الحرية وهو الأساس، لكن أقول نعم نحمل على أكتافنا مسئولية كما يحملها المواطن أو القيادى ولكن من خلال قناتنا الثقافية.
هل لك طقوس خاصة عندما تقبل على مشروع أدبى جديد؟
ليس لدى طقوس خاصة لكن لدى اجتهاد وعمل للدخول لدائرة الفعل لكتابة عمل أدبى، فأكتب وذلك يأخذ منى وقتا طويلا وانعزل تماما، فأنا بيتوتى لا أخرج من البيت كثيرا، وفى كثير من الأوقات يخترقنى أمر ويطرح على سؤال وأنا لا أريد أن أترك معرفته للصدفة لكن أتعمق فيه جيدا، حتى إذا كان لا يفيدنى فى روايتى، وأقول إن أهم شىء فى أساسيات الكتابات هو أن تعرف كيف المساحة الإبداعة لدى كل كاتب.
لقد أعلنت صراحة من قبل استيائك لحصول "ديلان" على جائزة نوبل؟
بالفعل، لكننى أحب بوب ديلان كثيرا وهو يغنى وإذا وضعته كشاعر فيجب أن أقارنه بأدونيس وكبار الكتاب، وبالتالى لا يتساوى أمامهم، وعندما تعمقت بالبحث عن "ديلان" وجدته متعاطفا مع "إسرائيل"، كما يؤيد الحرب ضد لبنان، أنا لا أدخل فى خيارات جائزة نوبل، وبالنسبة لى هو لا يملك القوة الإبداعية، وإذا أخذته كمغنى فهذا شىء آخر لكنه ليس هدف جائزة نوبل.
ما معنى "واسينى"؟
اسم يرجع لقبيلة الواسينى بالجزائر وأصبحت اسم علم ومع الوقت انتزع أداة التعريف وأصبحت واسينى، ومعناها "الرجل المستقيم".
لمن تقرأ من الكتاب المصريين؟
قرأت لكتاب كثيرين منهم معلمنا الكبير نجيب محفوظ، ثم قرأت لأجيال أخرى مختلفة مثل علاء الأسوانى ويوسف زيدان، وقرأت أيضا لمجموعة من الشباب.. وتأكدت أن هناك أملا كبيرا فى الشباب.
هل مواقع التواصل الاجتماعى صنعت كتاب؟
هناك جيل يستسهل الكتابة وهذا حقه مع وجود وسائل التواصل الاجتماعى، وأصبح "الليك" على الفيس بوك معوضا للنقد، وتجد التعليقات "ما أحلاها وما أجملها"، لكن فى نفس الوقت هذه الأشياء تربى وهماً، لأن الناس يعتقدون أن ما كتبوه شىء جميل، لكن عندما يصطدمون بالواقع يرون شيئا آخر، والفيس بوك سهل وسائل الاتصال ولهذا نفع انتشار المقالات والكتابات لكنه فى نفس الوقت خلق أوهاما بحركة مزدوجة، ونجد من ناحية أخرى كتاب لهم تجارب مفرحة، وأنا نفسى أتلقى النقد على "الفيس بوك" عكس زمن فات كنت أنتظر وقتا طويلا حتى تصلنى آراء كتاباتى، كما أن وسائل التواصل الاجتماعى جعلت هناك ديمقراطية وسهولة فى التعبير عما بداخله، فهو سلاح ذو حدين.
تعليقك على العلاقات الثقافية بين مصر والجزائر؟
العلاقات بين البلدين عادت من جديد بعد اختيار مصر ضيف شرف معرض الجزائر الدولى للكتاب بدورته الماضية، وأيضا الجزائر ستحل ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولى 2018، وهذا أمر جيد.
هل الجوائز تصنع النجوم؟
بالطبع لا مطلقا، فالجوائز التى تأتى أحداث عرضية بينما الكتابة حدث جوهرى، لكن الجوائز لها إيجابيتها وهو أن يصبح الكتاب مرئى للناس، بينما لا تصنع نجوما فهو مهمة من الممكن أن تحل مشكلة مالية لكن الكتاب عمله الأساسى هو الكتابة.
تعليقك على قرار منظمة اليونسكو بأحقية المسلمين دون أى ديانة أخرى فى المسجد الأقصى؟
هذا أمر طبيعى وحق تاريخى، وغضب إسرائيل لا يهم، حيث إنها تعودت أن كلمتها لا تنزل على الأرض، ومن القرار تبين أن هناك نسبة عدل من المنظمة.
هل نعيش فى عصر الرواية؟
بالفعل نحن نعيش فى زمن الرواية مثلما قال الناقد الدكتور جابر عصفور، فالرواية أصبحت فى العصر الذى نعيشه سلطة ضاغطة على كل الأشكال الأدبية الأخرى، فالرواية أصبحت قوى ولها كلمتها، وحتى الناشرين يتجهون لنشر الرواية دون غيرها، وهذا لا يعنى أن النصوص كلها جيدة.
ما معرض الكتاب الذى تحرص عليه أو تحب زيارته؟
أحب أن أزور بالطبع معرض الجزائر ومعرض القاهرة الدولى للكتاب، وبيروت والشارقة، وذلك لتنوعهم فى عرض الإصدارات التى نستطيع من خلالها اقتناء العديد من الكتب.
من هو الصديق الذى تحدثه كل يوم دون انقطاع؟
الدكتور والناقد الكبير جابر عصفور، فهو صديقى الحبيب وعلاقتنا منذ 35 عاما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة