ـ الكاتب جمال خاشقجى: إطالة أمد حرب اليمن تحول لـ"عامل ضغط على المملكة".. وخطة التسوية الأممية ستنتهى بقاعدة إيرانية عسكرية على الحدود
الجنرال محمد رضا نقدى، قائد قوات الباسيج الإيرانية
"راية الثورة ترفرف فى أربع دول عربية"، بهذه العبارة لخص الجنرال محمد رضا نقدى، قائد قوات الباسيج الإيرانية المشهد الإقليمى مستعرضاً النفوذ والتوغل الذى بلغته طهران فى دوائر القرار داخل دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، والذى بدأت بالفعل فى جنى ثماره مستغلة انزلاق تلك الدول فى نزاعات أهلية تارة، وانشغال القوى السنية والخليجية الكبرى فى حروب الرهانات الخاطئة، التى بدأت منذ اندلاع ثورات الربيع العربى تارة آخرى.
"نقدى" الذى تحدث من قلب مناورة جرت فى محافظة خوزستان جنوب إيران، عن الهزائم التى تتكبدها واشنطن والصهيونية العالمية أمام المشروع الإيرانى، تطرق فى الوقت نفسه إلى ملف تصدير الثورة، الذى عاد للمشهد الإقليمى بعد أكثر من 37 عاما من اندلاع ثورة آية الله موسوى الخومينى الإيرانية، وقال صراحة: "راية الثورة ترفرف فى أربع دول هى سوريا والعراق ولبنان واليمن".
وفيما تواصل طهران "استعراض القوة"، بما تمتلكه من مناطق نفوذ، لم تخف دوائر صناعة القرار والنخب القريبة منها فى العديد من الدول الخليجية، انزعاجها، حيث علق الكاتب السعودى جمال خاشقجى، على آخر تطورات الحرب الدائرة فى اليمن، وكذلك فوز ميشال عون، حليف حزب الله وإيران برئاسة لبنان، قائلا إن المملكة العربية السعودية، وإن لم تصدر أى تعليق رسمى حيال الملفين، إلا أنها "لن تسمح بهيمنة إيرانية على شامها ويمنها"، على حد وصفه.
وقال الكاتب السعودى فى مقاله بصحيفة الحياة اللندنية: "لم يصدر عن الرياض تصريح رسمى يفصّل الموقف السعودى حيال حدثين يهمانها حصلا الأسبوع الماضى، هما انتخاب حليف حزب الله الجنرال ميشال عون رئيساً للبنان، وإعلان المبعوث الأممى إسماعيل ولد الشيخ خريطة طريق لحل الأزمة اليمنية المستعصية بدت منحازة إلى الحوثيين، لكن وفقاً للقاعدة الثابتة والمتفق عليها القائلة أن المملكة لن تسمح بهيمنة إيرانية على شامها ويمنها، يُمكن قراءة الموقف السعودى بأنه غير سعيد بما جرى، وإن اضطر بروتوكولياً إلى تهنئة الجنرال والتعامل مع خريطة ولد الشيخ، بسبب ضغوط يتعرض لها نتيجة إطالة أمد الحرب فى اليمن".
احداث سوريا
وأمام سقوط عراق ما بعد صدام، فى دائرة النفوذ الإيرانى، قبل أكثر من 10 سنوات، وتطور التحالف الإيرانى ـ السورى، وانتقاله إلى ميادين القتال على أرض واحدة فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابى، وغيره من الفصائل السورية المسلحة، بما يخالف إرادة ورغبة دول سنية وخليجية كبرى ترى مصلحة الشعب السورى فى رحيل نظام بشار الأسد، ينضم اليمن المفتوح أمام التدخلات الإيرانية الداعمة لمليشيات الحوثيين إلى قائمة الأزمات التى تواجه قوات التحالف العربى على أرض المعركة فى ساحات القتال، وفى ميادين الصراعات السياسية والدبلوماسية على حد سواء.
ولم يخف الكاتب السعودى، القريب من دوائر صنع القرار داخل المملكة، انزعاجه من التوغل الإيرانى فى اليمن، قائلاً: "إطالة أمد الحرب تحولت إلى عامل ضاغط على السعودية وسمحت لأميركا وغيرها بأن تمارس دوراً يعبّر عن فهمها للأزمة، لا فهم الرياض وثوابتها التى تدور حول رفض الوجود الإيرانى هناك هذا غير الضغوط التى تشتد عليها، بزعم الحرص على سلامة المدنيين، مع المساواة فى تحميل مسئولية ذلك على الطرفين محل النزاع.. والمساواة ما بين الشرعية والتحالف من جهة، والانقلاب من جهة أخرى".
وتابع: "هذا الفهم الخاطئ للأزمة اليمنية انعكس بوضوح على خريطة الطريق التى قدمها المبعوث الأممى إسماعيل ولد الشيخ، التى وُصفت بأنها انقلاب على خريطة سابقة قدمها فى الكويت وقبلت بها الشرعية اليمنية، إذ ساوى تماماً بين الشرعية اليمنية والحوثيين وعلى عبدالله صالح بصفتهم قوة انقلابية، مع إلغاء تام لمبدأ المحاسبة والعدالة الانتقالية".
وعلق "خاشقجى" على الخطة الأممية بقوله: "الخطة تهمش الشرعية الحالية الممثلة بالرئيس هادى، وتستبدلها بنائب رئيس واسع الصلاحيات، يستند إلى شرعية أممية وقبول الحوثى وصالح، ما يعنى أنه سيكون قادراً على وقف عمليات التحالف"، وواصل الكاتب السعودى انزعاجه من خريطة الطريق اليمنية، التى يحملها ولد الشيخ، والتى تعكس بطبيعة الحال انزعاج بعض ـ أن لم يكن كل ـ دوائر صناعة القرار داخل المملكة، قائلا: "إذا ما نجح ولد الشيخ فى تمرير خريطته فستعود القوى نفسها إلى الطاولة نفسها، فيما الحوثى الذى استخدم بلطجته قبل عامين أكثر قوة وبلطجة ويحظى باعتراف من المجتمع الدولى، سيسحب بضع مدرعات من صنعاء، ومئات من أنصاره المدنيين فى احتفالية أمام كاميرات التصوير، وربما تصفيق إسماعيل ولد الشيخ، بينما يترك آلافاً منهم داخل ثكنات الجيش بزى عسكرى بعدما رسمهم هناك، وآلافاً غيرهم فى الوزارات المدنية، فى أكبر عملية اختطاف فوضوى لمؤسسات الدولة اليمنية".
واختتم الكاتب تعليقه على الملف اليمنى، بقوله: "إذا سمحت الرياض بمرور خريطة ولد الشيخ فلن تكون هناك فى المرة المقبلة حكومة شرعية تطلب عاصفة حزم، بل حكومة مُعيّنة برضا الحوثيين وبغطاء أممى.. وسيكون هذا أكثر إيلاماً، وأعظم خطراً من صاروخ باليستى يستهدف مكة المكرمة ونستطيع إسقاطه بمنظومة دفاعنا الجوى. أما قاعدة إيرانية فى ميدى، فما الذى سيسقطها".
الانزعاج السعودى الذى عبر عنه "خاشقجى" فيما يتعلق باليمن، لم يكن من المشروع الأممى الجديد للتسوية بقدر ما يتعلق بتبعات قانون "جاستا"، وحديث بعض النواب الجمهوريين فى الكونجرس عن ارتكاب "التحالف العربى"، الذى تشكل المملكة نواته الرئيسية جرائم حرب فى اليمن، والمطالبة بتعليق صفقات بيع أسلحة بقيمة 1.15 مليار دولار للسعودية، حيث سبق لـ62 مشرعاً أمريكياً تقديم رسالة مفتوحة للرئيس باراك أوباما طالبوه بتأجيل الصفقة وعبروا فيها عن قلقهم من تزايد عدد "الضحايا المدنيين" فى اليمن.
وأمام حالة الفتور الأمريكى ـ الخليجى، التى خيمت على الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الحالى باراك أوباما، تراقب دول التحالف العربى، وفى القلب منها السعودية سباق الانتخابات الأمريكية، على آمل الدخول فى تحالفات جديدة مع الساكن الجديد للبيت الأبيض، وإن كانت هناك مخاوف من وصول الجمهورى دونالد ترامب إلى السلطة، لما أعلنه صراحة من اتهامات للمملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب، إلا أن قبول التعامل مع الديمقراطية هيلارى كلينتون ـ حال فوزها ـ لا يضمن أيضاً الوصول إلى تفاهمات تضمن التصدى للتوغل الإيرانى فى المنطقة.
ميشال عون
ولم ينكر "خاشقجى" انزعاجه فى المقال نفسه من الهدف الثمين الذى أحرزته إيران بالوكالة بعد فوز ميشال عون ـ حليف حزب الله ـ برئاسة لبنان، حيث قال: "الجميع يعلم بأن تحالف عون - «حزب الله» ليس تحالفاً انتخابياً عابراً، وإنما موقف مبدئى، فهو لا يرى فى سوريا ثورة حرية، وإنما تهديداً طائفياً، وله تصريحات عدة تشى بذلك، وما مسارعة رئيس النظام السورى بشار الأسد لتهنئته بالفوز غير إشارة إلى طبيعة الآتى من الأيام والمواقف.. سيحاول الرئيس عون، أو بالأحرى رئيس وزرائه المقبل سعد الحريرى، تحييد المسألة السورية المتداخلة مع اصطفاف لبنان مع إيران، بِنِية تقديم مصلحة لبنان وحمايته من الانهيار، وهو المسوغ الذى قدمه الحريرى للانقلاب على مواقفه السابقة، والتنازل لعون، وبالتالى لـ «حزب الله».
وتابع: "الجميع يعلم أن ذاك الاصطفاف الذى تجلى فى مواقف رسمية سلبية ضد السعودية فى اجتماعات الجامعة العربية، وتعايش النخب السياسية اللبنانية معها ومع ارتكابات الحزب فى سورية، هما سبب الغضب السعودى على كل لبنان، وليس «حزب الله» وحده مطلع العام الحالى. إنها مسألة وقت وستنفجر الأزمة السورية فى شكل أو فى آخر فى لبنان، وتفجر معها هذا التحالف الهش غير المنطقى بين عون والحريرى، إما فى شكل عمل إرهابى، أو مواجهات طائفية فى الداخل اللبنانى، أو موقف مفاجئ من الرئيس عون يعبّر عن مواقفه المسبقة، أو اصطفاف آخر مع إيران فى محفل عربى أو دولى. وبالتالى أتوقع أن تتعامل المملكة مع هذه الحال اللبنانية - غير المريحة ولا المسبوقة - بقليل من التفاؤل مع حذر وتوجس شديدين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة