قال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، "إن بلادنا لم تكن فى أى وقت بمنأى عن الصراعات والحروب، أو بعيدة عن القلاقل والفتن والأزمات، إلا أن اللحظة الحالية تختلف عن أى شىء عهدناه فى السابق".
وتابع أبو الغيط، فى تصريحات له، اليوم الأحد "نمر بلحظة يشوبها التشويش والبلبلة يسود فيها الانقسام، والتشرذم والتفتيت".
وقال:"لقد صارت الصورة مختلطة ومشوشة حتى ضاعت معالمها، وفى سعينا لاستيضاح المشهد الراهن، بكل تعقيداته وتداخلاته، فإن حالنا يشبه نملة تسير على سجادة هائلة الحجم، فلا تستطيع أن تستبين تصميمها الكلى أو الصورة الكبيرة المرسومة عليها، وإنما تغرق فى تفاصيل صغيرة، جزئية وهامشية".
وشدد على أن العمل العربى المشترك، والتنسيق والتحرك الجماعى، لم يعد فى اللحظة الراهنة ترفا أو شعارا وإنما أصبح ضرورة بقاء من أجل علاج الجراح العربية النازفة، وإعادة الحيوية للجسد العربى المنهك، وعبر عن قناعته بأنه على الرغم من وجود أسباب التخبط واليأس، فإن هناك ضوء فى آخر النفق لكنه لفت إلى أن خروج العالم العربى من هذه الأزمة الكبرى لن يتحقق إلا بالتلاحم والتعاضد بين مكوناته الأساسية.
وقال إن الأزمات الراهنة فرضت على دول عربية أن تتداعى لنجدة دول أخرى وهو ما يعكس مؤشرا جيدا على أن هناك عصب للنظام العربى ما زال سليما، وأن بإمكانه – بقليل من الفكر الجسور وروح المبادرة- أن يعمل بكفاءة وأن يصير "نواة" تستعيد للعالم العربى تماسكه، وللدولة الوطنية منعتها ووحدتها.
وتطرق أبو الغيط إلى الأزمة العميقة والخطيرة التى ألمت بالمنطقة العربية فى السنوات الأخيرة والتى أدت إلى أن هناك دولا تكاد تختفى من على الخريطة، بينما هناك دول أخرى يناضل أبناؤها من أجل الحفاظ على كيانها موضحا أن القاسم المشترك بين أزمات الدول العربية هو العجز عن صهر الولاءات الأولية، للقبائل والعشائر والمذاهب والمناطق، فى بوتقة وطنية جامعة والذى تتحمل النخب مسئولية استمرارها بهذه الصورة القبيحة والمفزعة.
وقال إن الانفجار الذى نشهده اليوم، فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ليس سوى نتيجة طبيعية لتنازع الهويات، وضعف الولاء للدولة الوطنية باعتبارها عنوان الانتماء. فى غياب الولاء لعلم الدولة، يطل الانتماء للقبيلة، فى غياب الانصهار فى الجيش الوطنى، تظهر الميلشيات والعصابات، وعندما تكسر وحدة السلاح، تتعدد البنادق، وتتكاثر الولاءات، وتغرق الأوطان فى الفوضى.
وأضاف "إن الدولة العربية لم تواجه التهديد من كيانات أصغر منها فحسب، وإنما أيضا من أحلام –أو أوهام- أكبر فلقد شهدنا من يبشرون بالانتماء للخلافة الإسلامية، وينسبون أنفسهم –زورا- لها. وهؤلاء يقصمون ظهر الدولة الوطنية ويضربونها فى مقتل لأنهم يبشرون بكيان أكبر منها لا وجود له سوى فى خيالاتهم، كما أنهم يستغلون ارتباطنا الوجدانى بتجربة الخلافة الإسلامية ليقفزوا إلى السلطة وجميعنا شاهد ما يفعلونه عندما يتربعون على كرسى الحكم. كلنا رأينا بأعيننا حقيقة ما يدعون إليه فى الرقة والموصل وسرت. من إعدامات بالجملة. واستعباد للنساء. وترويع للعباد وخراب للبلاد".
ونبه الى أن الدولة العربية تواجه تهديدا من أعلى ومن أسفل. من داخلها ومن خارجها فى وقت يمر فيه العالم كله بحالة من السيولة والفوران مشيرا إلى أنه لا يوجد نظام دولى مستقر يساعد فى التنبؤ بسلوك اللاعبين الآخرين وهو ما يشير إلى بروز لحظة مرتبكة تشهد ميلادا جديدا غير أنه لا يمكن استيضاح معالمه أو تبين محدداته.
ورأى أبو الغيط أنه وبسبب الارتباك الراهن تبدو الأزمات العربية أكثر تعقيدا ومصحوب ببزوغ وتضخم لطموحات قوى إقليمية تريد الانقضاض على ما تراه غنائم لها، ومكاسب يتعين عليها تحصيلها. وبعض هذه القوى لا يرغب سوى في الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ على البلدان العربية إلى جانب تبلور أجندات جديدة لقوى دولية صاعدة تطمح لإزاحة القوة العظمى المهيمنة وتريد أن تلعب دورا، وأن تكسب أرضا وهى تسعى عبر استشعار الفراغ الذى نتج عن تآكل الدول وتفتيتها إلى أن تتمدد فى هذا الفراغ لتملأه تبعا لمصالحها وتحقيقًا لأهدافها.
وحذر أبو الغيط من أن كل شبر تخسره الدولة الوطنية يتمدد فيه الآخرون وكل ثغرة هناك من هو جاهز لاقتناصها، وكل فراغ سيجد من يملأه لافتا الى أن الدولة الوطنية ليست كيانا يدافع عنه بالسلاح فحسب، ولكنها المناط الأخير للانتماء والولاء وقال إن هذا الانتماء لا يولد من رحم الخوف والرعب من دولة قاهرة، وإنما بدافع الإيمان الحقيقى والاقتناع الأصيل. وكم من دولٍ قامت على الخوف فتهاوى بنيانها بين عشية وضحاها.
وأكد أن هناك حاجة ماسة لتجديد مفهوم الدولة الوطنية فى العالم العربى على نحو تكون معه مقرونة بكل معانى الحكم الرشيد والعدالة وأن تكون "دولة كل مواطنيها" بحق، دون أن تقوم على مذهب أو تستند إلى عرق. لا تنفرد بها فئة أو جماعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة