تناقش لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، فى جلساتها المقبلة، مشروع قانون "الاقتصاد غير الرسمى"، والذى تقدمت به فايقة فهيم، عضو لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة والأشخاص ذوى الإعاقة بالبرلمان، بتوقيع 60 نائباً.
وحصل "اليوم السابع"، على نص المذكرة التفسيرية لمشروع القانون، الذى يعمل على ضم الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى للاستفادة منه فى تعظيم الحصيلة الضريبية، خاصة أن الموازنة المصرية تعانى من عجز مزمن، وزيادة الضرائب قد تساهم فى تخفيف حدة هذا العجز.
وأوضحت المذكرة الفرق بين الاقتصاد غير الرسمى، والاقتصاد الأسود، حيث أن الاقتصاد غير الرسمى يمارس أنشطة مشروعة، ولكنه لا يلتزم باستخراج التراخيص اللازمة، ولا يمسك بدفاتر محاسبية تجعله تحت طائلة التحصيل الضريبى، وبالتالى فالاقتصاد غير الرسمى يقدم سلعا وخدمات غير مجرمة من حيث الناحية القانونية والشرعية، بينما يقوم الاقتصاد الأسود على الأنشطة المحظورة قانونًا وشرعًا، مثل تجارة المخدرات وتجارة السلع أو الاتجار بالبشر، أو تنظيم شبكات الدعارة، أو تجارة العملة فى الدول التى تمنع هذا النشاط وتقصره على جهات بعينها مثل البنوك.
حجم الاقتصاد غير الرسمى
تختلف التقديرات للوقوف على حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، فهناك تقدير للاقتصادى الشهير فرناندو دوستو بأن الاقتصاد غير الرسمى فى مصر يقدر بنحو 395 مليار دولار، أى ما يعادل 2.6 تريليون جنيه مصرى، غير أن تقديرا حديثا لاتحاد الصناعات المصرية يقدر حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بنحو تريليون جنيه مصرى. وترجع دراسة الاتحاد الفارق بين التقديرين إلى أن تقدير دوستو تضمن العقارات غير المسجلة فى المجتمع المصرى، بينما تقدير اتحاد الصناعات اعتمد فقط على رؤوس الأموال المتداولة فى السوق المصرى، ولكنها خارج إطار التسجيل والتوثيق الرسمى.
ويلاحظ أن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر قد تزايد بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير، بسبب غياب العديد من المؤسسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادى بالأسواق عن عملها، مثل الإدارات المحلية، وشرطة المرافق، وغيرها من الأجهزة الرقابية التى تعتنى بمنع مزاولة أى نشاط بدون ترخيص، ويزيد على ذلك ضعف الحضور الأمنى لرجال الشرطة، وانشغالهم بمواجهة الفعاليات السياسية وأعمال العنف والشغب التى لم تنقطع على مدار الأشهر الخمسة الماضية.
وتقدر دراسة اتحاد الصناعات وجود الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الصناعة بنحو 40 ألف مصنع غير قانونى، تمارس نشاطها فى أماكن غير مرخص بها، أو أنها تعمل فى إطار بعيد عن إجراءات الأمن الصناعى، فضلًا عن شروط السلامة والصحة، ويطلق على هذه الصناعات فى مصر مصانع "بير السلم"، ويمتد الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الخدمات، إذ عادة ما تكون أسعار السلع والخدمات المقدمة فى إطار هذا الاقتصاد أقل من نظيرتها التى يقدمها الاقتصاد الرسمى، بسبب تهرب الاقتصاد غير الرسمى من الضرائب، سواء فى مشترياته أو مبيعاته، فضلا عن وجود تجاوزات كثيرة فى كافة مراحل ممارسته للنشاط الاقتصادى.
سلبيات الاقتصاد غير الرسمى
ضياع جزء لا يستهان به من الإيرادات على الخزانة العامة للدولة، سواء المتعلقة بالتهرب الضريبى أو تلك المتعلقة برسوم التراخيص وتقديم الخدمات الحكومية. وتقدر المبالغ الخاصة بالتهرب الضريبى للاقتصاد غير الرسمى بنحو 150 مليار جنيه مصرى. فالمؤسسات العاملة فى الاقتصاد غير الرسمى لا تقدم فواتير لزبائنها، وهى بالضرورة لا تحصل على فواتير لمشترياتها، حتى لا يستدل عليها لدى مصلحة الضرائب. وتتبين أهمية هذه المبالغ إذا ما علمنا أن الحصيلة الضريبية فى مصر لا تزيد عن 260 مليار جنيه سنويًا.
مخالفة شروط السلامة والصحة فى مؤسسات الاقتصاد غير الرسمى، فلا تتوفر الشروط الصحية لدى العاملين بهذا القطاع، ولا تخضع مستلزمات الإنتاج للشروط الصحية التى تشرف عليها جهات رسمية من قبل الحكومة بشكل منتظم أو فجائى، وفى الغالب يتم تجاوز الشروط الصحية بغية توفير التكاليف، ولكن فى النهاية يتحمل المستهلك هذه المخاطرة، ويتكبد المجتمع تكاليف العلاج ومواجهة العديد من الأمراض.
· تُعد حقوق العاملين الضائعة أبرز السلبيات بمؤسسات الاقتصاد غير الرسمى، بدءا من اختيار العاملين من حيث العمر، إذ لا تمانع هذه المؤسسات فى تشغيل الأطفال، كما لا تلتزم بالتواجد فى المناطق الصناعية المعدة لذلك والتى تتوافر بها مواصفات الأمن الصناعى، فيخضع العاملون لظروف عمل غير مناسبة مما يعرضهم لكثير من الأمراض، كما لا يتمتعون بأية نوع من الحماية سواء كان على شكل تأمين صحى أو اجتماعى. كما يخضعون لساعات عمل أطول، وبأجور متدنية مقارنة لما عليه الوضع فى الاقتصاد الرسمى.
· إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمى، إذ عادة ما يعتمد الاقتصاد غير الرسمى على السلع المهربة من الداخل أو الخارج، فيتم عرض سلع الاقتصاد غير المنظم بأسعار تقل بفارق ملحوظ عن نظيرتها المنتجة فى الاقتصاد الرسمى، فيضعف ذلك من قدرة منافسة الاقتصاد الرسمى، وهنا باب آخر للإضرار بحصيلة الإيرادات العامة للدولة، حيث تكون السلع المهربة غير خاضعة لرسوم الجمارك.
قيام منشآت الاقتصاد غير الرسمى بممارسة نشاطها وسط التجمعات السكانية عادة ما يضر بالسكان والمرافق العامة، حيث تكون المرافق مصممة على خدمة مناطق سكانية وليس مناطق صناعية. فتختلف طبيعة المخلفات، كما أن بعض الصناعات يكون لها عوادم كربونية فى الهواء فتؤدى إلى تلوث هواء المناطق السكانية. وقد لوحظ أن هذه المنشآت كانت أحد الأسباب الرئيسية فى تلوث مياه نهر النيل، لأنها تقوم بأعمال صرف مباشرة على النهر دون إجراء أى معالجات لصرف مخلفاتها، مما ترتب عليه ارتفاع معدلات تلوث مياه النيل.
الحلول المقترحة
تابعت المذكرة التفسيرية، لذلك كان لزاما علينا التقدم بمشروع قانون، يحتوى على مجموعة من الحلول التى تساعد على استيعاب هذا النشاط وتحويل الجزء الأكبر منه إلى الاقتصاد الرسمى، وتتبلور فى ما يلى:
1ـ يجب ألا ينظر إلى إصلاح الاقتصاد غير الرسمى من منطق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبة للبلاد فقط، ولكن لابد من الأخذ فى الاعتبار أن هذا القطاع يعد المشغل الأكبر فى سوق العمل المصرى. فحسب دراسات أجريت منذ سنتين، تبين أن الاقتصاد غير الرسمى يوظف نحو 73% من الداخلين الجدد إلى سوق العمل المصرى، وبالتالى لا بد من إشراك العاملين فى هذا القطاع والاستماع إليهم فى الإجراءات التى يقترح أن يتم التعامل بها معهم لضمهم إلى الاقتصاد الرسمى.
2ـ تيسير إجراءات الترخيص، وخفض الرسوم الخاصة بمنشآت الاقتصاد غير الرسمى، حتى يتنسى لهذه المنشآت أن تنضم إلى الاقتصاد الرسمى، وتقديم بعض الحوافز من قبل الحكومة، مثل تخفيض التأمينات الاجتماعية للعاملين بنسبة 30 إلى 50%، على أن تتحمل الحكومة من موازنتها هذه التخفيضات، وعلى أن تكون لفترات محددة، حتى يتم تشجيع هذه المؤسسات على توفير حماية للعاملين لديها على الجانب الصحى والاجتماعى.
3ـ تفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل أكبر، وعودة الأجهزة الأمنية لممارسة دورها المنوط بها فى مساعدة الأجهزة الرقابية فى القيام بدورها لمنع الممارسات الخاطئة من قبل مؤسسات الاقتصاد غير الرسمى. ومن جهة أخرى لا بد من تفعيل دور المجتمع الأهلى، وتشجيع جمعيات حماية المستهلك، والجهاز الحكومى المعنى بهذا الجانب بتوعية المجتمع بخطورة غياب اشتراطات الصحة والسلامة لمنتجات الاقتصاد غير الرسمى.
4ـ تخفيض هوامش الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تمثل غالب نشاط الاقتصاد غير الرسمى، حتى يتمكن أصحاب هذه المنشآت من الانتقال إلى الاقتصاد الرسمى، وأن تتوفر خدمات مصلحة الضرائب ومأموريها بالأسواق التى تنتشر فيها أنشطة الاقتصاد غير الرسمى، وتتبع أطراف التعامل فيها حتى يمكن ضمهم إلى المجتمع الضريبى.
5ـ ثمة عامل نفسى مهم هو إيصال رسالة إلى العاملين بالاقتصاد غير الرسمى، بأن الدولة ليست ضدهم وأنها لا تطاردهم، ولكنها تسعى لتقنين وضعهم وإدخالهم إلى منظومة الاقتصاد القومى، وأنها ستكون فى خدمتهم عبر أجهزتها ومؤسساتها المتعددة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة