الفترة الزمنية الفاصلة بين ظهور أحمد سلامة مبروك فى نهاية يوليو الماضى إلى جوار أبو محمد الجولانى زعيم جبهة النصرة خلال مؤتمر إعلان الانفصال عن القاعدة، وبين الإعلان اليوم عن مقتله فى هجوم بطائرة بدون طيار فى إدلب بسوريا لم تتجاوز الـ4 أشهر، لكنها تتضمن الفصل الآخير فى حياة إسلامى أصولى قضى نحو نصف عمره داخل الحركة التكفيرية متنقلا بين أقطار العالم قبل أن يقضى فى النهاية نحبه.
لم يعرف على وجه التحديد طبيعة الدور الذى كان يقوم به أبو الفرج المصرى – هكذا كانت كنيته- فى سوريا، وإن كان الحساب الرسمى لجبهة فتح الشام –جبهة النصرة سابقا- على شبكة تويتر بث خبر مقتله وعرفه بأنه عضو مجلس شورى الجبهة، أما تصريحات قيادات الجبهة فكانت تشير إليه بوصفه رجل دين وقاض شرعى رغم أن مصادر زاملته فى السجون المصرية لأكثر من 10 أعوام أكدت أنه لم يكن على علم شرعى يؤهله لتولى مسئولية التنظير الشرعى لأى التنظيم، ومن ثم فإن الأرجح أن انتقاله إلى جبهة النصرة عقب الإفراج عنه كان جزءا من تفعيل مبدأ أهل الثقة والولاء للأصدقاء القدامى الذى يعتمده أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.
قصة خروج أحمد سلامة مبروك من السجن كانت جزءا من الجدل الذى صاحب ظهوره إلى جوار "الجولانى" فى مؤتمر فك الارتباط بالقاعدة والثابت أنه فى نوفمبر 2012 – أى بعد تولى محمد مرسى السلطة بأشهر قليلة- قامت وزارة الداخلية بإخلاء سبيله بموجب الإجراءات المصاحبة لإعادة محاكمته عسكريا فى قضية العائدون من ألبانيا التى كان قد أدين فيها بالمؤبد فى نهاية التسعينات.
والواضح أنه فر إلى سوريا بعد خروجه من السجن مباشرة، حيث إنه لم يكن جزءا من حالة الاستقطاب السياسى داخل مصر بين التيار الدينى ونظيره المدنى، وهنا يبدو مثيرا أنه كرر نفس ما فعله عقب خروجه من السجن فى نهاية الثمانينات بعد إدانته فى قضية "الجهاد الكبرى"، حيث هرب أيضا لكن إلى أفغانستان هذه المرة، حيث كانت هى المكان الذى تتوافر فيه الظروف الموضوعية لإقامة مشروع إمارة إسلامية تماما كما حدث فى سوريا بعدها بحوالى 30 عاما، وفى الحالتين كان أحمد سلامة مبروك حاضرا.
انتهت تجربة أبو الفرج المصرى الأولى فى أفغانستان باختطافه على يد المخابرات الأمريكية أثناء وجوده فى أذربيجان، ووفقا لتقارير نشرتها صحف أجنبية نقلا عن مصادر بـ"سى أى إيه" فإن جهاز الكمبيوتر الشخصى الخاص به تضمن تفاصيل هامة عن تحركات تنظيم القاعدة وبعدها تم ترحيله إلى مصر.
داخل السجون المصرية كان أحمد سلامة مبروك على موعد مع معركة أخرى، لكن هذه المرة مع رفاق الأمس الذين كانوا قد بدأوا فى إجراء المراجعات الفكرية، وعندما وصلت عجلة المراجعات إلى تنظيم الجهاد اشتبك "مبروك" بعنف مع سيد إمام الشريف أو الدكتور فضل صاحب وثيقة ترشيد العمل الجهادى فى مصر والعالم، لاسيما عندما قال الأخير عنه: "الأخ أحمد سلامة مبروك قال نحن مستعدون للموافقة على كل ما فى الوثيقة ونتعهد للسلطات الالتزام بها، ولكن فى السر من دون إعلان ذلك فى وسائل الإعلام، حتى لا يؤدى ذلك إلى تخذيل الشباب عن الجهاد" وهو ما دفع مبروك لتكذيبه فى بيان سربه من محبسه.
تبقى النتيجة الأبرز لهذه المعركة هى أن أيمن الظواهرى تذكر صديقه القديم فى تسجيل صوتى بثه للهجوم على المراجعات ووصف فيه مبروك بأنه صابرا ومحتسبا وثابتا على العهد، ولم يكن مستغربا فى هذا السياق أن يفر مبروك إلى تنظيم يترأسه الظواهرى عن بعد بمجرد خروجه من السجن.
خلال سنوات عمره التى تصل إلى 60 عاما لم يتزوج أحمد سلامة مبروك، ولم يترك خلفه ولدا يبكى عليه بعد مقتله.. مجرد تدوينة من تنظيمه الجديد على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" هى التى أعلنت للعالم رحيله.
سؤال وحيد يصلح لتوديع قصة أحمد سلامة مبروك: كيف يضل الإنسان سعيه ويضيع عمره وهو يحسب أنه يحسن صنعا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة