لا مفر أمام الحكومة من الاتجاه إلى تنفيذ خطة محكمة لترشيد الإنفاق الحكومى المتزايد يوميا بعد يوم، رغم ما تعانيه الموازنة العامة من عجز مزمن، ولا يخفى على أحد حجم الإنفاق الذى يحدث فى المؤسسات الحكومية بدون أى إنتاج مقابل أو تقديم خدمة جيدة، بداية من استهلاك الطاقة وحتى البدلات والمكافآت.
مؤخرا أعلنت الحكومة على لسان رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل اتجاهها بقوة نحو سياسة ترشيد الإنفاق، ولذلك نقدم أهم مواطن انفلات الإنفاق العام، والتى إن تم التعامل معها بحرفية وصدق فإن العائد منها سيكون له دور كبير فى معالجة عجز الموازنة العامة للدولة.
قال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار إن البدء فى سياسات ترشيد الإنفاق فى الوقت الحالى يعتبر خطوة هامة تساهم فى تخفيض عجز الموازنة من ناحية ورفع فرص توجيه موارد الدولة إلى الأنشطة الأولى بالرعاية خاصة التعليم والصحة وتحسين معدلات تخصيص الموارد .
وأشار إلى أن أبرز البنود التى يمكن التوفير منها على المدى القصير حاليا تخفيض الإنفاق على البعثات الخارجية، وتخفيض عدد المستشارين فى الجهاز الإدارى للدولة، وإعداد منظومة لإدارة الإنفاق الجارى للجهاز الحكومى وترشيد الإنفاق على الطاقة والمياه بأجهزة الدولة، ورفع معدلات الصيانة وضبط منظومة الحوافز والمكافآت وربطها مباشرة بالإنتاج، موضحا أنه يجب ترجمة خطة ترشيد الانفاق الحكومى إلى إجراءات تنفيذية بإصدار قرار تنفيذى، وذلك بهدف السيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة، مع عدم المساس ببنود الموازنة مثل الأجور والاستثمارات، وباب المستلزامات السلعية والخدمية هو ما سيتم خفض جزء من الإنفاق الحكومى به.
وأضاف أن هناك ضرورة لتحويل وتغيير منهج إعداد الموازنة العامة للدولة الحالى للبدء فى تطبيق موازنة البرامج والأداء على عدد من الجهات والوزارات بالموازنة بما يربط ما بين تنفيذ الموازنة وما بين مؤشرات الأداء الاقتصادى المستهدفة منها.
وأكد عادل أنه من الممكن تحقيق وفر حقيقى فى حجم الدعم المدرج ضمن الموازنة إذا ما تم الترشيد فى آلياته المستخدمة خاصة بالنسبة لربط منظومة الدعم بصورة متكاملة تتيح توجيه الدعم لمستحقيه وتوفير الفاقد الناتج عن مشكلات عدم دقة البيانات وتكاملها وترابطها مما يتيح انعكاسا أفضل لمنظومة الدعم على معيشة المواطنين المصريين.
وأشار إلى أن الموازنة العامة للدولة ما زالت حتى الآن تعكس ارتفاعا فى عدد من بنود الإنفاق مثل الأجور ومدفوعات خدمة الدين مما يقلص من مساحة الوفر المالى الذى كان من المفترض أن يوجه فى الأساس إلى الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى ويرجع النمو فى العجز بالموازنة بالأساس إلى كونها تضمنت إيرادات مبالغ فيها عند إعداد مشروع الموازنة خاصة بالنسبة للإيرادات الضريبية رغم التباطؤ الاقتصادى النسبى الذى تشهده البلاد لعوامل داخلية وخارجية مؤخرا.
وأوضح نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن سياسة خفض الإنفاق حتى تؤدى إلى تحقيق العوائد المرجوة فيجب أن توجه أيضا للهيئات والشركات القابضة والشركات التابعة لها وذلك فى إطار برنامج اقتصادى طموح يستهدف زيادة الإيرادات وخفض الإنفاق وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع القطاع الخاص، موضحا أن هناك عوامل أخرى ستساهم فى خفض التكاليف والنفقات طرحت منذ فترة من عدد من الخبراء بوزارة المالية ومنها:
1 - أن يتم تحديد يوم واحد لصرف المرتبات على مستوى جميع الجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة، من خلال تفعيل منظومة الدفع والتحصيل الإلكترونى للأجور على مستوى الدولة مما يؤدى إلى تخفيض عبء فوائد السحب على المكشوف من البنك المركزى وإحكام الرقابة على النقد والسيطرة على الإنفاق.
2- ألا يتم صرف أى مكافآت أو بدلات نقداً إلا عن طريق التحويلات البنكية ويتم ذلك من خلال فتح حسابات بنكية بأسماء جميع العاملين بالدولة (بالرقم القومى) بحيث يمكن الاستعلام على أى شخص من خلال إدارة الاستعلام بالبنك المركزى ومساءلة كل من يتجاوز حسابه الحد الأقصى للأجور بدلاً من النظام الحالى الذى يتم فيه فتح حساب لكل جهة ويتفرع منه حسابات فرعية للعاملين لا يسمح بالرقابة على الحسابات الفرعية التى هى أساس الرقابة.
3- إعادة النظر فى مقابل الخدمات التى تقدمها خاصة الواردة بقرارات رئيس مجلس الوزراء من رقم 2918 حتى 2926 لسنة 1998 والتى حتى الآن لم يتم تغييرها على الرغم من ارتفاع تكاليف هذه الخدمات واستعداد المواطنين لدفع الرسوم كاملة من أجل الحصول على التراخيص بصورة لائقة.
4- ألا يتم إجراء التسويات المالية ضمن اعتمادات الباب الثانى شراء السلع والخدمات فى الموازنة العامة إلا لصالح الجهة التى استفادت من هذه الخدمات فتسويات الكهرباء تتم فيها الإتاحة لوزارة الكهرباء لكى تقوم هى بالسداد لشركات الكهرباء والأدوية يتم فيها إتاحة الأموال لوزارة الصحة والتليفونات لوزارة الاتصالات وتسويات المياه والصرف الصحى لوزارة الإسكان والتعمير، وقبل كل هذه التسويات يجب استيفاء حقوق الخزانة العامة أولا من دمغات وضرائب دخل مستحقة وضريبة مبيعات.
5- إعادة النظر فى الأصول غير المستغلة لدى بعض الجهات الحكومية مثل الأراضى والمبانى والمخازن والجراجات وإتاحة استخدامها لجهات حكومية أو قطاع خاص أخرى فى حاجة إليها.
6- ضرورة البدء بربط بنود الإنفاق بمخصصاتها داخل الموازنة حتى يتم السيطرة على الهدر داخل الجهاز الحكومى.
7- نوصى بدراسة إنشاء وحدة مستقلة للرقابة المالية قبل الصرف تابعة لوزير المالية بدلاً من قطاع الحسابات والمديريات المالية الحالى، تكون مسئولة عن جميع النواحى المالية بجميع الوحدات الحسابية بجميع جهات الدولة مع دمج الوحدات الحسابية الحالية إلى أقل عدد ممكن، وتنفيذ الباب الأول الأجور وتعويضات العاملين بصورة مركزية من خلال الهيئات الموازنية وليس الوحدات الحسابية.
8- وأضاف نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن هناك ضرورة تنويع مصادر التمويل التى تستخدمها وزارة المالية حاليا من خلال إدخال أدوات مالية جديدة تلقى إقبالا عالميا فى التمويل مثل الصكوك السيادية كما أنه يترتب عليها انخفاضا فى أعباء خدمة الدين الحكومى لكونها تعتبر مشاركة فى العوائد.
9- وطالب بالتوسع فى زيادة نسبة السندات متوسطة وطويلة الأجل إلى إجمالى هيكل الدين العام لتخفيف الضغوط المالية قصيرة الأجل مع دراسة التوسع فى تطبيق نظام الدفعات الضريبية المقدمة بدلا من نظام سداد الضرائب دفعة واحدة سنويا مما سيوفر سيولة وموارد نقدية تخفف نسبيا من الحاجة للجواء إلى الاقتراض فى حدود السيولة التى ستتوافر من هذا التطبيق.
10- وأشار عادل إلى ضرورة دراسة التوسع فى استخدام أدوات مالية مستحدثة مثل سندات المشاركة فى الإيرادات كجزء من الأدوات التمويلية خاصة بالنسبة لمشروعات الموازنة الاستثمارية للدولة بما يخفض من أعباء خدمة الدين (نرفق بكتابنا الدراسة السابق تقديمها من المجلس فى هذا الخصوص)، موضحا أن تطوير سوق الدين المحلى فى الوقت المناسب سيوفر مصدرا بديلا للتمويل بينما يدعم إدارة السيولة فى البنوك، كما أن ميزة استهداف فوائد الدين قبل الدعم هو تقليل الأثر التضخمى، لأن القاعدة السكانية للمتعاملين مع البنوك أصغر كثيرا من القاعدة التى ستتأثر برفع الدعم عن الوقود وما يصاحبه من ارتفاع عشوائى فى أسعار السلع الأساسية خاصة النقل والغذاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة