شارك الأستاذ الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر، فى انطلاق فعاليات المؤتمر التاسع عشر لحوار الثقافات والأديان، الذى نظمه البرلمان الأوروبى بمدينة فينيسا الإيطالية، واستمرت فعالياته على مدار يومى 21 و 22 من أكتوبر الجارى.
وألقى رئيس الجامعة كلمة خلال فعاليات انطلاق المؤتمر تحت عنوان "الإسلام والتعايش"، أكد خلالها أن الأزهر بمؤسساته تحت قيادة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، قد تفرّد فى بناء أولاده فى العلم على هذا النحو الواعى المستوعب لمستجدات عصره مع تحصنه بعلوم تراثه، المؤمن بثقافة التنوع إذ يدرس مذاهب متعددة وفرقا شتى، كما يربى على احترام الآخر، حيث أن الإسلام الذى درسه وتعلمه يؤمن بتعدد الحضارات، ويقرها، ويرسخ الإيمان بذلك فى قلوب أتباعه، والسيرة العطرة لرسول الله وصحبه الكرام، جسدت الإيمان بتعدد الحضارات وتنوع الثقافات، وتعاطت معها، واقعا عمليا و" التقاء الحضارات معلم من معالم التاريخ الحضارى للإنسانية، وهو قدر لا سبيل إلى مغالبته أو تجنبه.
وشدد الهدهد طبقا لبيان الأزهر اليوم، على أن الإسلام لا يحمل عداء للعقائد الأخرى، وأن الأزهر الشريف يدين العنف والإرهاب، لأن الناس جميعا قد أوجدهم الله من نفس واحدة، والاختلاف فى العقائد من طبيعة البشر، والعقائد لا تباع ولا تشترى، ولا إكراه على العقائد، مشيرا إلى أن الاختلاف لا يمنع التعاون ولا التعارف، قائلاً:"إن جميع الأديان السماوية اتفقت على أمرين إخلاص العبادة لله وحده والتحلى بمكارم الأخلاق، ولم يختلف أحد على أهمية الكلمة الطيبة فى حياتنا جميعا."
ودعا رئيس جامعة الأزهر فى نهاية كلمته إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعا، مشيرا إلى "إن المشتركات بيننا كبيرة فلنستثمرها فى وقف شلالات الدماء بما لكم ممثلى الأديان من سلطان على القلوب فلنتعاون جميعا على تنقية الشعور الدينى من الضغائن والأحقاد التى كلفت البشرية ثمنا باهظا ومرهقا، وقد أنشأنا فى مصر بيت العائلة يقوده شيخ الأزهر دورة ويقوده قداسة البابا تواضروس دورة وقد أذاب الجليد بين أتباع الديانتين، والتجربة تحرز النجاح تلو النجاح فى تقوية النسيج الوطنى وإخماد الحرائق فى مهدها والحمد لله رب العالمين، فلنتكاتف جميعا أيها السادة لمواجهة العنف، والجوع، والفقر،ولنتعاون معا لإسعاد البشرية، وكل ذلك مما دعت إليه الأديان السماوية."
عقد المؤتمر بمشاركة عدد كبير من الهيئات والمؤسسات العاملة للسلام والحوار بين الأديان ومنها الكنيسة، كبير حاخامات روما، وكاردينال المارون، وعدد من الجمعيات والمؤسسات العاملة فى حقل السلام والحوار بين الأديان، منها مجموعة epp للحوار فى البرلمان الأوروبى، ومنظمة الأوفيد المصرية الفرنسية لحقوق الإنسان، ورئيس وفد إسرائيل فى البرلمان الأوروبى، وهيئات دينية من الكنيسة.
وناقش المؤتمر سبل تحقيق الحوار الفعال بين أهل الأديان للوصول إلى التعايش والسلام المشترك وحماية البلدان من العنف والاعتداءات التى تحدث بين الحين والآخر، وضرورة وجود قنوات حوار بناءة بين الأديان باستمرار تساهم فى العيش المشترك والآمن.
وإليكم النص الكامل لكلمة فضيلة الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر:
"السادة أعضاء فريق حزب الشعب الأوربى بالبرلمان الأوربى السيد فرانسوا جروسيتى عضو البرلمان الأوربى السيد جورجى هولفينى عضو البرلمان الأوربى السيد أليزابيتا جاردينى رئيس الوفد الإيطالى لفريق حزب الشعب الأوربى، السيد لورينزو سيسا رئيس الوفد الإيطالى لفريق حزب الشعب الأوربى بالبرلمان الأوربى السيد لوجى بريوجنارو عمدة مدينة فينيسيا أصحاب النيافة والأحبار والمطارنة ممثلى القيادات الدينية، الحضور الكرام أحييكم جميعا بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد قدمت إليكم من مصر التى تحتضن الأزهر الشريف وجامعته، جامعة الأزهر تمثل مؤسسة من خمس مؤسسات كلها تحت قيادة شيخ الأزهر الدكتور أحمد محمد الطيب، إذ يضم الأزهر: جامعة الأزهر التى يدرس فيها ما يقارب نصف المليون من الطلاب والطالبات منهم أربعون ألف وافد من أكثر مائة دولة من دول العالم جاؤوا ليدرسوا فى الأزهر وجامعته التى تضم سبعا وسبعين كلية يقوم على التدريس فيها ما يقارب عشرين ألف عضو هيئة تدريس منهم ما يقارب ستة آلاف من النساء والباقون من الذكور، وبها ثلاثة وأربعون مركزا بحثيا، وست مستشفيات جامعية، وتدرس فيها العلوم الدينية والنظرية والتطبيقية بكل فروعها.
والمؤسسة الثانية: قطاع المعاهد الأزهرية الذى يضم أكثر من عشرة آلاف معهد دينى بها أكثر من مليونى تلميذ وتلميذة، وهذه المؤسسة تقوم على التعليم قبل الجامعى بكل مراحله، والمؤسسة الثالثة: مجمع البحوث الإسلامية وهو أكبر هيئة علمية إسلامية تقوم على خدمة العلوم الدينية وتستقبل الطلاب الوافدين ليدرسوا على منح مقدمة من الأزهر يبلغ عدد الدارسين على منح أكثر من أربعة آلاف، كما أن هذه المؤسسة تبعث علماء خارج مصر على نفقتها لتعليم الإسلام الصحيح، كما أن بها علماء كبار فى كل التخصصات يفتون فى كل جديد وتكون العضوية فيه بالانتخاب المباشر من أعضاء المجمع، ويشترط فى العضو أن يكون حسن السيرة غزير العلم وفيه أعضاء من غير المصريين، والمؤسسة الرابعة : هيئة كبار العلماء ولها القول الفصل فى مسائل الاختلاف فى الدين الإسلامى، والمؤسسة الخامسة: هى المجلس الأعلى للأزهر وهى أعلى سلطة فى الأزهر ورئيسها شيخ الأزهر، وبدأ أول درس علمى فى الأزهر الشريف فى عام 972م أى أكثر من ألف عام واستقبل الوافدين ليدرسوا على نفقته منذ أكثر من خمسمائة عام، وقامت الدراسة فيه على ثلاثة أركان علوم المنقول (القرآن الكريم والحديث الشريف) و (علوم المعقول : كالمنطق والفقه أي: العلوم العقلية التى تدرب العقل على فقه النص المقدس وكذلك علوم الآلة) وعلوم الدنيا، أى : العلوم النظرية والتطبيقية، يربى الطالب فى الأزهر على علوم النقل والعقل والفكر فيقْدر أفضل من غيره على الفهم الصحيح للدين الإسلامى.
كانت هذه مقدمة مهمة بين يدى ما أريد قوله ليتبين لحضراتكم لماذا استمر الأزهر وجامعته كل هذا الزمان وتلقاه الناس بالقبول إذ تفرّد فى بناء أولاده فى العلم على هذا النحو الواعى المستوعب لمستجدات عصره مع تحصنه بعلوم تراثه، المؤمن بثقافة التنوع إذ يدرس مذاهب متعددة وفرقا شتى، كما يربى على احترام الآخر.
إن الإسلام الذى درسه وتعلمه يؤمن بتعدد الحضارات، ويقرها، ويرسخ الإيمان بذلك فى قلوب أتباعه، والسيرة العطرة لرسول الله وصحبه الكرام، جسدت الإيمان بتعدد الحضارات وتنوع الثقافات، وتعاطت معها، واقعا عمليا و" التقاء الحضارات معلم من معالم التاريخ الحضارى للإنسانية، وهو قدر لا سبيل إلى مغالبته أو تجنبه، وقد تم دائما وأبدا وفق هذا القانون الحاكم التمييز بين ما هو مشترك إنسانى عام وبين ما هو خصوصية حضارية" والخيار البديل لصدام الحضارات هو أن تتفاعل الحضارات الإنسانية بما يعود على الإنسان والبشرية بالخير والفائدة، والاتجاه نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية (صدام الحضارات) التى تدفع الطرف المتسلح بـإمكاناته العملية والمادية لممارسة الهيمنة ونفى الآخر والسيطرة على مقدراته وثرواته تحت دعوى أن نزاعات العالم القادمة سيتحكم فيها العامل الحضارى.
ويؤمن الأزهر "أن الانعزال والتقوقع والانغلاق على الذات فى عالم اليوم الذى تحول إلى قرية صغيرة بحكم التطور التقنى الهائل فى تكنولوجيا الاتصال أمر مستحيل، كما أن الانسياق وراء الدعوة إلى حضارة عالمية واحدة هو بحد ذاته عملية تكريس لهيمنة الحضارة الكاسحة وهو طريق التبعية الحضارية الذى يفقد كل أمة خصوصيتها الحضارية ويحولها إلى مجرد هامش للحضارة الكاسحة".
كما أكد الإسلام لأتباعه أن التعدد والتنوع من سنن الله فى كونه، وأن جوهر رسالته عدم إكراه الناس على دين واحد فالتعدد سنة من سنن الله تعالى: فى الكون، قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات} (المائدة/48 ). وقال أيضا )ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم( (هود / 119،118). وقال أيضا (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى...) (البقرة/256).
وقد نص القرآن الكريم على أن الإيمان بالرسل والكتب السماوية شرط كمال إيمان المسلم، فى قوله ـ تعالى: ـ (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) (البقرة/285) "بيد أنه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الإنسانى الذى جعله الإسلام أساسا راسخا لعلاقة المسلم مع غير المسلم على أنه انفلات أو استعداد للذوبان فى أى كيان من الكيانات التى لا تتفق مع جوهر هذا الدين. فهذا التسامح لا يلغى الفارق والاختلاف ولكنه يؤسس للعلاقات الإنسانية التى يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضارى بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها".
إن الإسلام جاء رسالة رحمة إلى الناس كافة، قال الله ـ تعالى: ـ (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء/107) ودعوته مرتكزة على تنوع الشعوب والتعدد المجتمعى، ولا سبيل إلى الالتقاء إلا بالتعارف والتعاون وقد جاء ذلك فى قوله : ـ تعالى: ـ ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)(الحجرات/13)
إن دعوة الإسلام ترتكز على التسامح، والحوار لا الصدام، والتعايش لا التناحر
وقد جاءت نصوص القرآن والسنة المطهرة معلنة عن ذلك بكل وضوح من ذلك
فقد أمر الله نبيه بالعفو والصفح عن غير المؤمنين به قال الله تعالى: "وقيل يا رب أن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون "(الزخرف89،88) كما أمر الإسلام أتباعه بالجدال الحسن مع أهل الكتاب قال : ـ تعالى: ـ ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (العنكبوت/ 46 )
كما أمره بالصفح الجميل ( فاصفح الصفح الجميل ) " الحجر : 85" ويقول : ( خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض على الجاهلين )" الأعراف :199" وقوله ـ تعالى: ـ ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ) " الجاثية:14".
كما أمر القرآن أتباعه بالبر بأهل الكتاب، ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أن اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) " الممتحنة:8ـ9".
وقد جاء فى صحيح البخارى أن جنازة مرت فقام النبى ـ صلى الله عليه وسلم: ـ وقمنا فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودى فقال: أوليست نفسا؟ إذا رأيتم جنازة فقوموا" أن الأصل فى الإسلام السلم والحرب استثناء، وهو صريح قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) (البقرة/ 208) وقوله : (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) (الأنفال/61) وقد نهى رسول الله ـ صلى الله ـ عليه وسلم: ـ عن تمنى القتال، ودعا الصحابة إلى ذلك حين قال: ( لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموه فاثبتوا واذكروا الله كثيرا) ومن ثم فهو يعتبر الحرب خرقا للسلام وجريمة ما لم تدع إليها حالات معينة تبيحها وتكون فيها عادلة ومشروعة.
وكان من نتائج ثقافة التعايش التى أكد الإسلام عليها بقاء الآثار والكنائس والمعابد حتى ما يخص أتباع الديانات غير السماوية، وذلك فى البلاد التى فتحها المسلمون على مر التاريخ، فى كل البلاد، ومن يفعل غير ذلك من داعش وغيرها يبرأ منه الإسلام، وهو ناتج عن فهم مغلوط مشوه عن الإسلام.
أيتها السيدات والسادة : أن الأزهر الشريف أكبر وأقدم مؤسسة دينية إسلامية فى العالم، يمتلك من الدراسات والأفكار ما يمكنه من طرح الرؤية الإسلامية، وبيان علاقة المسلم بغيره من أتباع الديانات السماوية، وليس من هدف الأزهر ولا من رسالته تحويل غير المسلمين للإسلام، وإنما هدفه شرح حقيقة الإسلام، وإن دوره هو الحفاظ على نقاء شريعة الإسلام والدفاع عنها.
أن الإسلام لا يحمل عداء للعقائد الأخرى، أن الأزهر الشريف يدين العنف والإرهاب،إن الناس جميعا قد أوجدهم الله من نفس واحدة، والاختلاف فى العقائد من طبيعة البشر، والعقائد لا تباع ولا تشترى،ولا إكراه على العقائد، وإن الاختلاف لايمنع التعاون ولا التعارف، أن جميع الأديان السماوية اتفقت على أمرين إخلاص العبادة لله وحده والتحلى بمكارم الأخلاق، ولم يختلف أحد على أهمية الكلمة الطيبة فى حياتنا جميعا.
إننى أدعوكم جميعا إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعا أن المشتركات بيننا كبيرة فلنستثمرها فى وقف شلالات الدماء بما لكم ممثلى الأديان من سلطان على القلوب فلنتعاون جميعا على تنقية الشعور الدينى من الضغائن والأحقاد التى كلفت البشرية ثمنا باهظا ومرهقا، وقد أنشأنا فى مصر بيت العائلة يقوده شيخ الأزهر دورة ويقوده قداسة البابا تواضروس دورة وقد أذاب الجليد بين أتباع الديانتين، والتجربة تحرز النجاح تلو النجاح فى تقوية النسيج الوطنى وإخماد الحرائق فى مهدها والحمد لله رب العالمين، فلنتكاتف جميعا أيها السادة لمواجهة العنف، والجوع، والفقر،ولنتعاون معا لإسعاد البشرية، وكل ذلك مما دعت إليه الأديان السماوية.. شكرا لكم جميعا"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة