رغم اعتبارها من الخطوط الحمراء فى المجتمعات العربية إلا أن الكنائس المصرية على رأسها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رأت أن تقدم تلك المعرفة الجنسية فى شكلها الصحيح من خلال دورات تدريبية تمنح للمقبلين على الزواج بشكل اختيارى قبل أن يجرى المجمع المقدس تعديلاته على لائحة الأحوال الشخصية وتتحول بعدها دورات المشورة الأسرية وإعداد ما قبل الزواج إلى شرط أساسى لإتمام الزواج المسيحى لدى الأقباط الأرثوذكس، خاصة بعدما عانت الكنيسة من كثرة حالات الطلاق التى لا تستطيع الفصل فيها مع وجود قانون كنسى يمنع الطلاق إلا لعلة الزنا، فكانت كورسات المشورة الكنسية محاولة فى اتجاه حل المشكلة قبل وقوعها أو الوقاية منها على أقل تقدير، وهى الدرس الجنسى الوحيد فى مصر حيث تمتنع باقى المؤسسات عن تقديم معرفة مشابهة.
دورات المشورة الأسرية التى تقدمها الكنيسة فى عدد من الكنائس والمعاهد التابعة لها وتتيحها على مواقع الإنترنت تتضمن موضوعات متعددة منها سيكولوجية الرجل والمرأة والحوار الزوجى الناجح وشريعة الزواج الواحد وقوانين الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى محاضرة الجنس من الناحية الطبية والفحص الطبى قبل الزواج وهى المحاضرات التى تستعين الكنيسة بأطباء نساء وولادة متخصصين لشرحها، بالإضافة إلى الأطباء النفسيين وخبراء علم النفس.
تفتح الكنيسة الباب أمام المقبلين على الزواج للتسجيل فى معاهد المشورة الأسرية أو معهد الرعاية والخدمة بالكاتدرائية الذى يحاضر فيه البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أو فى مقار الكنائس بالإيبراشيات المختلفة، حتى إن الدورات خلقت لها نجومها من المحاضرين الذين يحظون بشهرة وجاذبية أكثر من غيرهم مثل الدكتور عادل حليم خبير العلاقات الزوجية، الذى أصدر ما يقرب من عشرة إصدارات فى هذا المجال والدكتورة ماجدة شفيق التى قدمت محاضرات مهمة عن تشريح الجهاز التناسلى للرجل والمرأة والجنس فى الحياة المسيحية.
يخضع نظام دورات المشورة الأسرية فى الكنيسة إلى نظام اللامركزية بين الإيبراشيات، فالمجمع المقدس يضع القواعد العامة ويترك للأسقف المسئول مهمة التطبيق، ففى بعض الإيبراشيات مثل المحلة الكبرى ألزمت الكنيسة المقبلين على الزواج على حضور كورسات المشورة، مثلما تلزمهم بعدد معين من المحاضرات وإلا لن يتم السماح لهم بدخول الامتحانات، لكن إيبارشيات أخرى مثل إيبارشية "شبرا الشمالية"» سهّلت على رعاياها الأمر بطرح كورسات مشورة إلكترونية عبر "فيس بوك" و"سى دى"، حيث يقوم الشخص بمشاهدة محاضرات محددة على موقع الإيبارشية، وبعد شهر يتقدم للامتحان الشفوى والتحريرى، وإذا نجح بنسبة أكثر من 70% سيحصل على شهادة تفيد حصوله على "كورس مشورة الارتباط"، على أن يتقدم الشخص بتسجيل بياناته فى الاستمارة المعدة لذلك والمتوافرة فى كل كنائس شبرا الشمالية، ويدفع الرسوم ويقدم صورة من الرقم القومى، وسيحصل على كشف بأسماء المحاضرات والـ"سى دى"، وبعد شهر من استلام الاستمارة سيتم إبلاغه بميعاد الامتحان.
بعد انتهاء تلك الدورات يتم عقد امتحانات للمقبلين على الزواج فى المحاضرات التى تم تدريسها لهم، ولا تعطى شهادة إتمام الكورس إلا لمن يجتاز تلك الكورسات بالحصول على 70 درجة على الأقل فى الامتحان من إجمالى مائة درجة، وهى الشهادة التى بدونها لا يُمنح المقبلون على الزواج شهادة "خلوّ الموانع" والتى تُعتبر أحد الشروط الأساسية لكتابة عقد الزواج وإتمام طقس الزواج الكنسى "الإكليل"، حيث ينص قانون الأحوال الشخصية الجديد فى مادته "26" فقرة "9"، على أنه يثبت الزواج فى عقد يحرره رجل الدين المسيحى المرخص له من رئاسته الدينية بإجرائه، ويشمل عقد الزواج بالأخص على البيانات الآتية: إثبات حصول الزوجين على شهادة خلوِّهما من الموانع الزوجية من الكنيسة التى ينتمى إليها كل من الزوجين.
وتضاف الكورسات الكنسية الإلزامية للمقبلين على الزواج إلى ما سبق أن قررته الكنيسة من تطبيق الكشف الطبى الإجبارى على الأقباط لإعطاء تصاريح الإكليل بعد ضم كشف إدمان المخدرات له، وذلك منعاً للمشاكل الزوجية التى يسببها، واتساقاً مع نصوص قانون الأحوال الشخصية الجديد للأقباط الأرثوذكس الذى أقرته الكنيسة، ويُنتظر تقديمه للبرلمان خلال دور الانعقاد الثانى له.
قال القمص سرجيوس سرجيوس وكيل البطريركية وعضو المجمع المقدس، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، إن اهتمام الكنيسة الكبيرة بالأسرة يأتى بفضل فهمها العميق لدور الأسرة باعتبارها كنيسة مسئولة عن ولادة أعضاء جدد، وهى التى تحمى الإيمان وتحفظه وتختبره وتعيشه، مؤكدا أن الكنيسة اختبرت تجربة كورسات المشورة الأسرية فى بعض الإيبراشيات منذ سنوات مثل المعادى وشبرا الخيمة والإسكندرية وتبين لها تحسنا فى النتائج.
فيما تؤكد كاترين الطالبة بمعهد الرعاية والخدمة الكنسى أن تربيتها فى مجتمع محافظ بمنطقة قريبة من حلوان حال دون فهمها لما يعنيه الجنس ودوره فى الحياة الزوجية، وأن معلوماتها فى هذا الأمر لا تتخطى ما درسته فى مادة الأحياء بالثانوية العامة قبل أن تنسى كل ذلك وتنخرط فى الدراسة بكلية التجارة، أما الآن فتعرفت على أشياء كثيرة واستمعت لأول مرة إلى مفاهيم العلاقة الزوجية برفقة خطيبها ما أزال كثيرا من الحرج.
فى محاضرتها التى تحمل عنوان "أهمية الكشف الطبى قبل الزواج"، شرحت الدكتورة ماجدة ما يعنيه غشاء البكارة وقالت إن الاسم باللغة الانجليزية يعنى الحجاب أى يحجب شيئا عن شىء، وفى التشريح يسمى الحجاب الذى يمنع الأعضاء التناسلية، لافتة إلى أن الأعضاء التناسلية للرجل خارجية، أما الأعضاء التناسلية الأنثوية داخلية حافظ عليها الله ووضع عليها العديد من الحواجز، مرجعة تسمية "غشاء البكارة" إلى عادات أفريقية وعربية دون أى تأصيل علمى.
وتضيف: لكننا تأثرنا بمفهوم غشاء البكارة بشدة، وهذا لا يعنى أن تصبح الفتيات منحلة، لكن الأهم هو طهارة الروح والعقل ففى يوم الزفاف يعلن الكاهن زواج الابن البكر الأرثوذكسى من الابنة البكر، رغم أن الرجل ليس لديه غشاء بكارة لكن الكنيسة الواعية استعارت ذلك من الكتاب المقدس وهى تقصد بكارة العقل ونقاوة القلب مستطردة "ومن الممكن أن تحتفظ من تعمل بمهنة الدعارة ببكارتها"،
وفرقت ماجدة بين الأنواع المتعددة من غشاء البكارة، فهناك الغشاء المغلق الذى يختزن الدم داخله ويتم فضه جراحيًا، والغشاء المطاطى الذى لا يخرج دم بشكل عادى بعد العلاقة الزوجية، وكذلك الغشاء العادى أما فتحة المهبل فهى فخر المرأة التى تجعلها تتحمل ما يعادل مرور سيارة نقل على عظام إنسان.
وطالبت خبيرة المشورة الأسرية الأزواج بتحمل أعراض الدورة الشهرية لزوجاتهن فقالت إن الزوجة تصبح عصبية ومكتئبة وتميل للبكاء دون سبب واضح، فإذا وجدت زوجتك عصبية ارحمها، وانصحها بالبعد عن الموالح أثناء الدورة الشهرية، لافتة إلى أن الزوجة المسيحية تبتعد عن العلاقة الجنسية قبل طقس التناول، ليس لأن الجنس بين الزوجين خطية بل لأننا سنشرب دم المسيح ونأكل جسده، ونستعد لذلك،
وحذرت ماجدة مما أسمته من صدمة ما بعد الزواج التى تتسبب فى أكبر نسب طلاق فى مجتمعنا، حيث يعانى 70% من الأزواج من تلك الصدمة رغم إنها طبيعية كالإصابة بدور البرد وغالبا ما تحدث فى أول عامين، فيفاجئ الزوجين بطباع لم يعتد عليها أثناء فترة الخطوبة وأحيانا يشعر الرجل أنه دخل الفخ برجليه.
وتابعت ماجدة: الحقيقة أن الزواج علاقة مقدسة وليس مجرد علاقة حميمة فالكتاب المقدس يقول افرح بامرأة شبابك، معتبرة أن صدمة التغيير وارتفاع سقف التوقعات أهم أسباب الإصابة بتلك الصدمة.
وحذرت الطبيبة الفتيات فى فترة الخطوبة من التغاضى عن بعض الصفات التى تكرهها فى شريك حياتها كعدم تقدير الطرف الآخر وعدم الإحساس به، قائلة: "أحيانا نتغاضى عن طباع شخصية مثل البخل فى المشاعر والعصبية، وأرجوكم لا تتغاضوا عن ما لا تستطيعون احتماله وما لا تستطيعون التعايش معه".
أما الدكتور عادل حليم وفى محاضرته الإعداد للزواج والتى أسهب فيها فى الحديث عن الخطوبة فقال إن الارتباط الزوجى وعد اختيارى بين رجل وامرأة يعطى الواحد قلبه للآخر، وهو قرار مصيرى يتعلق بالبقية الباقية من حياتهما، ومسئولية والتزام يتطلب درجة كافية من النضج، وهو صداقة وصحبة، إذ يصبح كل منهما رفيقا للآخر فهو ليس رباطا اجتماعيا بل إلهيا إنسانيا.
وفى محاضرة عن الثقة بين الزوجين، قال حليم إن الثقة عامل من عوامل نجاح العلاقة بها تبنى أساسات البيت ولا تحتاج لقصائد شعر رومانسية فهى واقع ملموس فى حياة الشريكين، مضيفًا: فى المراحل الأولى للعلاقة يجب أن نضع أهدافا واضحة وكيف نطبق الثقة فى تعاملاتنا اليومية.
واعتبر حليم أن الثقة تولد حاجزا ضد هفوات الحياة، خاصة عندما يتدخل أحد الأشخاص المتطفلين كى يزعزع ويثير المشاكل بين الطرفين، مفرقًا بين مشاعر الرجل والمرأة واهتماماتهما منذ الصغر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة