تحية تقدير وإعزاز لشرطة مصر فى عيدها الذى يتزامن مع عيد ثورة 25 يناير. وفى احتفالنا بعيد الشرطة ينبغى ألا ننسى أبداً أن شهداء من الجيش والشرطة أحيوا باستشهادهم وطنا وشعبا بأكمله. فهل يوجد أقوى من هذا تلاحم ؟. والتلاحم بين الشعب والجيش والشرطة ليس بالجديد على الشعب المصرى، فقد برهنت الأحداث على تلاحم الشعب المصرى عند الشدائد ووراء المشروعات القومية الكبرى على الرغم مما يعانيه من مشكلات. ولتناول الموضوع برؤية شاملة وتحليله بطريقة علمية، تتعين الإجابة عن التساؤلات التالية: ماذا؟ لماذ؟ من؟ لمن؟ كيف؟ متى؟ أين؟ كم ؟ وما هو الأسلوب الأمثل لتقوية هذا التلاحم وضمان استمراره؟.
فماذا نعنى بالتلاحم ؟. التلاحم يعنى التفاف كل أبناء الوطن حول هدف واحد للنهوض بالدولة والحفاظ عليها وقت الشدائد وفى الأوقات العادية، مع التسليم بحق الاختلاف فى الرأى.
ولماذا هذا التلاحم مهم للغاية؟ بقراءة متعمقة لما حدث فى السنوات القليلة الماضية يتضح أن كل من البيئة الدولية والبيئة الاقليمية قد تغيرت، كما وأن القضايا التى كان لها الأولوية تغيرت وكذلك تغيرت أولوية ترتيبها، وتزايدت المخاطر المحدقة، وفوق كل ذلك فإن حركة الأحداث أسرع مما نتنبأ به. فماذا يحدث على مسرح الأحداث عالميا وإقليميا يجعلنا نتمسك بهذا التلاحم لنحافظ على وجودنا ؟. فأولا نحن نواجه معركة وجود مع الإرهاب الذى لا دين له ولا وطن، وله استراتيجية عالمية، وتقف وراءه منظومة متكاملة وشاملة والذى يهدف إثارة الفوضى الخلاقة والوصول إلى حالة الا دولة. وثانيا: التحديات والأطماع والتدخلات الخارجية فى شئون دول الإقليم. وثالثا: التحدى الكبير الذى يواجهنا كدول عربية؛ فالمنطقة العربية تموج باضطرابات كثيرة وبتحديات جسام تهدد وجود بعض الدول. ورابعا:أزمة سد النهضة، وتأثيراته على موارد مصر المائية من مياه النيل الذى هو شريان الحياة للمصريين. وخامسا: انتشار وسائل التكنولوجية الحديثة التى تساهم فى عمليات التحديث والتطوير ونشر المعرفة، إلا أنها تتيح الفرصة للمواقع التكفيرية والإرهابية الترويج للأفكار المتطرفة والمغلوطة والتى تستقطب العديد من العناصر وتجنيدها فى الجماعات الإرهابية.
من الذى سيقوم بهذا التلاحم ؟ يرتبط بهذا التساؤل لمن تعود فائدته ؟.لأنه فى حالتنا هذه من؟ ولمن؟ هم نفس الأطراف، حيث يتم التفاعل بينهم، وكل منهم مُرسل للفعل ومستقبل لرد الفعل من الأطراف الأخرى.والتلاحم مسئولية كل من المواطن والسلطة التنفيذية بكل أجهزتها، بالاضافة إلى دور المعارضة. ويعتبر دور السلطة التنفيذية هنا هو الأهم، لأنه هو الذى يقود هذا التلاحم ويتضمن: تطبيق سيادة القانون الذى ورد فى المادة (94) من الدستور. والانطلاق نحو تطبيق الحكومة الإلكترونية والتزامها بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والأمية الرقمية بين المواطنين وهذا سيؤدى إلى القضاء على الفساد الذى يعتبر ظاهرة مجتمعية معقدة لها انعكاساتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية.
وقد اهتم الدستور المصرى بالإشارة إليه فى ديباجته "نكتب دستورا نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد " فمتى يتم اغلاق الباب ؟. وعلى السلطة التنفيذية تطبيق معايير الكفاءة والنزاهة عند اختيار المسئولين فى الدولة. وضرورة ضبط المنظومة الاعلامية لتلافى تأثيرها على أخلاقيات المجتمع، وذلك بسرعة إنشاء "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" التى نص عليها الدستور، وإعلاء ثقافة المشاركة لدى المواطنين عن طريق التعليم والمؤسسات الثقافية والإعلامية، وسرعة اجراء انتخابات المجالس المحلية وتطبيق اللامركزية فى المحليات للقضاء على المشكلات اليومية والمعيشية للمواطنين. وتوفير تعليم جيد من شأنه غرس القيم والانتماء للوطن وخلق مواطن قادر على استيعاب أهمية التحام الشعب بالقيادة السياسية والجيش والشرطة.واستيعاب الشباب وتمكينه سياسيا واقتصاديا، ومحاربة ظاهرة الجمود الفكرى والدينى بتفعيل دور المؤسسات الدينية، حيث أن لدينا أعظم مؤسسة دينية هى الأزهر الشريف التعددى والوسطى المنهج، والذى لا يُقر تكفيرا ولا إقصاء.
وبالنسبة للمواطن فمسئوليته؛ الانتماء الصادق للوطن، واحترام سيادة القانون، وممارسته لحقوقه والتزاماته الواردة فى الدستور، والمشاركة الإيجابية فى الحياة السياسية، وعدم التقاعس عن ممارسة حقه الديموقراطى. وعلى الشعب دعم القيادة السياسية المخلصة لوطنها وشعبها، ودعم جيشه وشرطته بالعمل وليس بالقول. والمعارضة أيضا لها دور كبير فى هذا التلاحم، ولا ينبغى أن تكون معوقة للحكومة وإنما يجب أن تكون رشيدة فى دعمها لها.
أما مسئولية الشرطة فى بناء الثقة مع المواطن فعليها إشعاره بأهميتها فى توفير الأمن والأمان مما يؤدى إلى خلق شعوره بالامتنان لها ودعمها والتعاون معها. وفى الفترة الأخيرة خطت الشرطة خطوات كبيرة فى هذا الاتجاه. وفى سبيل بناء قوتها حدثت يقظة آمنية كبيرة فى الفترة الأخيرة، حيث اتخذت الشرطة خطوات ملموسة فى هذا الاتجاه منها: التدقيق فى اختيار القيادات الأمنية، والاهتمام بالدورات التدريبية والتثقيفية لأفراد الشرطة، وتطوير الأداء الأمنى، ومد الضباط بأحدث الأجهزة، وتحديث المعدات، وتحديث خططها لتواكب الأحداث.
كيف يتم هذا التلاحم ؟ هذا التلاحم لن يُكتب له النجاح إلا إذا شعر المواطن بالثقة فى الخطوات التى اتخذتها الحكومة لتحقيق الأمن والقوة للدولة المصرية، وفى نفس الوقت إحداث طفرة تنموية كبيرة ليضع ثقته فيهم. فلا شك أن التنمية تنعكس على عيشة المواطن وتخلق التلاحم بين الشعب والحكومة بأجهزتها. ومن الخطوات التى اتخذتها الشرطة: الضربات الاستباقية للعناصر الارهابية، وتفكيك الخلايا الإرهابية وملاحقتها لتجار المخدرات، وجاهزية القوات الشرطية لتأمين أى حدث، والتحقيق الفورى لأى تجاوزات من أى من رجال الشرطة مما يؤدى إلى تهدئة الرأى العام، وتطبيق السياسة العقابية بمنهجها الحديث. فضلا عن أن الشرطة تلعب دورا كبيرا فى دعم السياسة الخارجية المصرية خلال العلاقات بينها وبين نظرائها فى الدول الأخرى عن طريق ؛ الزيارات المتبادلة لكبار المسئولين والمتدربين، وحضور المؤتمرات الدولية، ودراسة طلاب أجانب فى أكاديمية الشرطة، وهذا له مردود هام فى مجال الدبلوماسية الشعبية.كل ذلك أدى إلى فخر الشعب بشرطته وبناء الثقة معها.
متى يبدأ التلاحم ومتى سينتهى؟ البداية حدثت بالفعل. وينبغى ألا ننتظر كثيرا أمام الأزمات والمشكلات، لأن وتيرة الأحداث سريعة للغاية، وأن نضع فى اعتبارنا أن المجتمع سينكسر أمام الأزمات إذا طال وقتها، لأن استمرار الخلل فى هذه العلاقة لفترة طويلة سوف يؤدى إلى مضاعفة الإحباط العام.أما متى سينتهى؟ فإن هذا التلاحم لابد أن يستمر ويقوى. وسيظل الجيش والشرطة يعملا من أجل خدمة الوطن والمواطنين.والتلاحم ليس مطلوبا فى وقت الشدائد فقط وإنما الأهم وجوده فى الأوقات العادية لبناء الدولة وتسريع وتيرة التنمية. عندما نتحدث عن الشعب المصرى فنحن نتحدث عن الرئيس والحكومة والجيش والشرطة فكلهم أبناء هذا الشعب. اذن فالتلاحم موجود ولكن ستظل الحاجة قائمة إلى تواصل آمن مع الشعب والتعامل معه بشفافية، ومسايرة التطور التكنولوجى.
أين يتم هذا التلاحم ؟ الإجابة هى فى كل ربوع مصر. ومن الأهمية بمكان تقدير التكلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة على عدم تحقق هذا التلاحم، أى كم نتكبد من خسائر إذا لم يتم؟.
لا يوجد خط دفاع عن وطننا أقوى من الشعب، فإننى أراهن على الشعب المصرى، الذى أثبت أنه صاحب المواقف والأفعال الوطنية والتلاحم فى أقوى صوره ؛ فهو طاقة بشرية خلاقة عندما ؛ يتم حل مشكلاته، وتدير شئونه حكومة رشيدة، وكلما كان تواصله فعالا مع السلطة التنفيذية،وكلما كان لديه شرطة قوية تحافظ على أمنه الداخلى وجيش قوى يحمى حدوده. فعلينا أن نعمل جميعا لتقوية هذا التلاحم لاستقرار وسلامة مصر ولصعودها لمصاف الدول المتقدمة ولتبقى دائما فى مأمن من العواصف.
د. رجاء إبراهيم رامون تكتب: عيد الشرطة والتلاحم مع الشعب
الأحد، 24 يناير 2016 08:15 م
د رجاء رامون
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة