«إنذارٌ خاطئ»
نعم؛ فالسبب أقرب من حقيقة أن القلب ينبض بين أضلعك..
بداخل كلٍّ منَّا ماردٌ يظن إثمًا وزورًا أنه لا يُقهَر.. يهابه كثيرًا ويخاف الاقتراب من حدوده؛ فهو يرى بأن قيده لا يُحَل ومقاومته أكبر من أن يتحملها بشر .
إنه ما يُسمَّى بـ«الإرادة»
الإرادة تعنى الاختيار، فحينما قالت عائشة _رضى الله عنها_ عن رسول الله محمد "ص" «ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه .. » كانت بالتأكيد تعنى أن الرسول الذى اصطفاه رب العالمين من فوق السماوات العليين كان يُخيَّر بين أمورٍ كثيرة، منها الطيب ومنها الخبيث، فكان اختياره له معايير محددة وليست فقط مجرد الراحة وإشباع رغبة فى نفسه، وإنما كان المعيار الأصوب هو «ما لم يكن إثمًا.. » فهكذا وضع إرادته على الطريق السليم .. « وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا»
قد تُؤخَذ تلك الآية بمعناها المجرد بأن فيها إذنًا بالخطيئة، وأن هذه الآية هى المبرر الحتمى لها..
ولكن هكذا ينظر ضِعاف النفوس والإرادة؛ فهذه الآية قيلت للتخفيف عن الإنسان من تلك الأعباء التى يحملها على عاتقه فى دنيا مليئة بالجمرات إلى تستطيع أن تخسف به الأرض فيموت ضالاً طريقه ممهدا إلى جهنم وبئس المصير، فقد قال الله _عز وجل_ فى نفس السياق «يُرِيدُ اللَّهُ أن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ»
يخفف عنكم بإباحة التوبة دومًا، يخفف عنكم بقوله «قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ».
"كانت ساعة شيطان"
ما أكثر تلك الجملة التى نعترف فيها ضمنيًّا بقوة الشيطان على إرادتنا، فى اللحظة التى يقول فيها رب العالمين «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا»..
أما علمتم أيضًا بأن الشيطان أبدًا لا يدفعك لفعل الشر!.
إنه فقط يزيِّن لكَ متعة الأهواء والشهوات، وحينها إرادتك هى التى تدفعك بحسب طبيعة نفسك هل هى نفس أمَّارة بالسوء أم لا؛ ولهذا يأتى الشيطان يوم القيامة قائلاً لك «إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ».. فحتى الشيطان سيتبرأ منك.
وإن كان دافعك هو إرضاء عزيزٍ على قلبك؛ فلماذا تعزه أكثر من خالقك؟ ولماذا تخاف خسارته ولا تخاف خسارة ربك وخسارة نفسك وحتمًا خسارته هو أيضًا هى المصير؟
وفى هذا يقول الرسول "ص" «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَّلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ».
يستحق الأمر النظر فى خبايا النفوس وتنقية القلوب؛ فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، الإرادة ليست عدوًا وإنما هى أداة الله التى وهبها للإنسان للتفريق بين الصواب والخطأ معطيًا إياه مفاتيح تساعده على المرور من إرادة أهوائه لتنفيذ إرادة الله فيه، فأعطانا القرآن فيه شفاء وجلاء للهموم وصدأ القلوب، وأعطانا سُنَّة نحل بها أمر دنيانا.. لا يحتاج الأمر لرجل دين وإنما يحتاج منَّا أن نكون لديننا حافظون..
وحين يغلبك «المارد» يومًا ما فلا تيأس، ولأطمئنك أكثر فاقرأ هذا الحديث القدسى على لسان رسوله الكريم:
«يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى، يا ابن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة».
هكذا الله «غفور رحيم» فاستعملوا إرادتكم فى طريقه ولا تتجبروا عليه فيكون أهون الناظرين إليكم..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة