يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أصدر قرارا بإنشاء لجنة المصالحات بالأزهر بهدف النظر فى الخصومات الثأرية والعائلية والقضاء على العادات والتقاليد التى نشأت مع الزمن وتغلغلت داخل المجتمع المصرى، وأصبحت تمثل عبئا كبيرا على الأمن المصرى من ناحية واستقرار القرى والنجوع من ناحية أخرى.
الدابودية والهلايل
البداية كانت مع المشكلة الكبرى التى حدثت فى أسوان بين قبيلتى الهلايل والدابودية وعجز كثير من الأجهزة عن مواجهة الأزمة وارتضاء الطرفين بالاحتكام إلى الأزهر الشريف وقبول وساطة شيخ الأزهر ليكون رأيه الفيصل فى حل هذا النزاع، حيث توجه شيخ الأزهر شخصيا إلى أسوان للتهدئة بين الطرفين وبعد ذلك أرسل وفدا من العلماء برئاسة وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان لحضور جلسات الصلح بين العائلتين وهو ما تم بالفعل.
ونظرا لما حظى به هذا الصلح بين العائلتين من الرضا والقبول، توالت الطلبات المقدمة من العائلات والأسر التى يوجد بينها خلاف ثأرى إلى مشيخة الأزهر تطلب تدخل الأزهر للصلح بينهم راضين بحكم الأزهر، فجاء قرار إنشاء لجنة المصالحات بالأزهر.
وأضاف شومان أنه انطلاقًا من دور الأزهر الشريف الذى يترجم أهداف الإسلام ومقاصده من الحفاظ على الدماء والأعراض والممتلكات، ونظرًا لما تمرّ به البلاد من ظروف طارئة تضع على عاتق الأزهر مسؤوليَّة شرعيَّة ووطنيَّة وإنسانيَّة واجتماعية، وتأكيدًا لسعى الأزهر إلى ما فيه صالح البلاد والعباد، فقد أنشأ الأزهر الشريف اللجنة العليا للمصالحات بمشيخة الأزهر الشريف، بالقرار رقم (1) لسنة 2015م، الصادر من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.
وينص القرار على أن يرأس هذه اللجنة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، ومقررها الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية، وعضوية لفيف من كبار علماء الأزهر.
مهام اللجنة
وعن مهام تلك اللجنة قال شومان:اتخاذ كل الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع اللجنة الفرعية بكل محافظة لإصلاح ذات البين والعمل على رأب الصدع وتوحيد الصف، وإعلاء المصالح العليا للوطن لتحقيق أمنه واستقراره وحفظ الأرواح والأعراض والممتلكات، وللجنة أن تستعين بمن تراه من المثقفين والسياسيين ووجهاء أهل القرية أو المدينة محل النزاع ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة والسيرة الحسنة، وكبار عائلات أطراف النـزاع، على أن توثق أعمال اللجنة بموجب محاضر معتمدة من الجهات التنفيذية بالمحافظة، وتكون قراراتها نافذة وملزمة للجميع بما لا يتعارض مع القانون فى شأن الأحكام الجنائية والمدنية. كما يمكن الاستعانة ببيت العائلة إذا لزم الأمر.
كما ينص القرار على أن يتم تشكيل لجان فرعية بالمحافظات بالتنسيق مع المحافظين على أن يكون من بين أعضائها وكلاء الوزارة بالمناطق الأزهرية ومديرى عموم الوعظ ولجان الفتوى التابعة لها، على أن تقوم هذه اللجان الفرعية بالتمهيد وإجراء الخطوات الأولى للمصالحة والتدخل السريع بين أطراف النزاع وحثهم على حفظ الأنفس والأرواح والممتلكات وترك العادات السيئة والعصبية القبلية فى التعامل فيما بينهم والتحلى بأخلاق الإسلام السمحة تمهيدًا لتدخل اللجنة العليا للمصالحات، وعرض تقرير مفصل بالواقعة على اللجنة العليا تمهيدًا لاستكمال باقى الإجراءات.
ويقوم الأزهر بإرسال خيرة علمائه ودعاته الموجودين فى ربوع البلاد إلى مواطن الصراع الثأرى والنزاع القبلى والتعصب المشئوم؛ للعمل على وأد الفتنة فى مهدها والحيلولة دون زيادة الخسائر فى دماء وأرواح وممتلكات المصريين، الذين تسعى اللجنة للحفاظ على دمائهم، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، ما داموا على أرض مصر يقيمون ومن نيلها يشربون وبالانتماء لها يشرفون.
وأضاف وكيل الأزهر ورئيس لجنة المصالحات:"ينسّق الأزهر الشريف مع الجهات الأمنية والقيادية والتنفيذية المسئولة بكل محافظة، التى لا تتوانى عن السعى فى صالح العباد وتبارك سعى الأزهر، وتقدم ما تستطيعه من إمكانات لإتمام الصلح وحقن الدماء".
العمل باللجنة تطوعى
وكلّ ما يقوم به رجال الأزهر عمل تطوعى لا ينتظرون جزاء ولا شكورًا، بل يتحمل الأزهر ورجاله أحيانًا بعض الأعباء المادية والمعنوية عن بعض أطراف النزاع فى سبيل إنهاء الخصومات، ما دام ذلك يصب فى مصلحة الحفاظ على أمن واستقرار الوطن.
ثمار لجنة المصالحات
وقال وكيل الأزهر:"لقد باشرت اللجنة أعمالها التى آتت ثمارها فى كثير من مواطن النـزاع، ومنها الصلح الكبير فى أسوان، بين الدابودية وبنى هلال، يوم 1/7/2014م، وقد كانت حصيلة القتلى أكثر من 20 قتيلا، وقد شرفت مراسم الصلح بحضور الإمام الأكبر ووكيل الأزهر، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والمحافظ ومدير الأمن ورجال البحث الجنائى. وكان صلحا عالميّا، ولولا أن أتمّ الله هذا الصلح لهددت مصر من الجنوب، فقد اشتدت الخصومة حتى كادت أن تقضى على الأخضر واليابس، لوجود فئة محرضة مغرضة تبغى الفتنة والإضرار بأمن مصر القومي، وتتربص بها وتتحين الفرص لإحداث أى خلل بأى شكل وفى أى مكان".
وأضاف: "الصلح الكبير فى برديس جرجا، يوم 9/12/2014م، الذى حضره أكثر من 20 ألفًا، وكانت حصيلة الضحايا فيه 13 قتيلا، وقد أسهم الأزهر بكل ما يمكنه لإنهاء الخصومة، وقد حضر مراسم الصلح القيادات الأزهرية، ووكيل الأزهر، ولفيف من رجال الأزهر ودعاته، والمحافظ ومدير الأمن ورجال البحث الجنائى".
وتابع: "الصلح الكبير الذى أتمّه الله عز وجل على يد الأزهر بشطورة، يوم 29/1/2015م، وكانت الخصومة بين آل تمساح وأولاد خلف، وأشار إلى الصلح فى الخصومة بين آل سند وآل عباس بناحية كوم إشكيلو، يوم 13/3/2015م، والذى راح ضحيتها 3 من القتلى، وصلح العرانيط بناحية نزلة عمارة طهطا سوهاج، يوم 9/4/2015م.
وأشار إلى الصلح الكبير فى الخصومة بين الأنصار ورجوبة بقنا، يوم 6/4/2015م، والتمهيد للصلح بين مواطن سودانى يدعى عبد الرحمن عبد الله أبو فاطمة، قتل مصريا يدعى "فتحى ناجى محمد" من محافظة المنيا، وكانت واقعة القتل بالعاشر من رمضان، وما زال الاتصال بأطراف النزاع والقيادات السودانية بسفارتها بمصر، لحل المشكلة وإتمام الصلح والرضا بما يقرره الأزهر من شرع الله.
وأضاف: "أيضا التمهيد للصلح بين النوحة والغطاطسة، وهما عائلتان مسيحيتان من دير أبى حنس بملوى المنيا، وقد مهّد الأزهر له بإرسال قافلة من علماء الأزهر ورجاله إلى قلب كنيسة دير أبى حنس ما كان له أكبر الأثر فى نفوس المتخاصمين الذين أسفرت خصومتهم عن خمسة من القتلى".
وأوضح أن رسالة الأزهر عالمية، لذلك هو لا يكتفى بالمصالحات المحلية، بل تقصده وتتوجه إليه دول العالم كله، لحل كثير من المشكلات وإتمام المصالحات، وعلى سبيل المثال: تلبية الدعوة الموجهة من دولة إفريقيا الوسطى لعمل مصالحة وطنية بين كل الطوائف الإسلامية والمسيحية هناك.
وعلى الفور أصدر الإمام الأكبر قراره بتشكيل وفد رفيع المستوى من أهل العلم والدعوة، للسفر إلى إفريقيا الوسطى ليمثل الأزهر هناك ويعمل على إنهاء الخصومات بين المسلمين وغيرهم.
17 ملفا ثأريا
وقال الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية، نظرا للدور الهام الذى قامت به اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر، ولما يتمتع به الأزهر الشريف من مكانة عالية فى قلوب جميع أبناء الأمة بصفة عامة، فقد تلقت اللجنة حتى الآن طلبات للتدخل لإنهاء الخصومات الثأرية وصل عددها إلى (17) ملفا، وكلها جاءت إلى الأزهر الشريف بنفوس راضية مطمئنة بما يقرره علماء الأزهر الشريف المستمد أحكامه من شرع الله، وبدأت اللجنة نظر بعضها بالفعل والسعى فى إتمام الصلح فيها ولمـا تتمّ بعد، وتعمل اللجنة بكل ما أوتيت من قوة وإمكانات لإنهاء الخصومات الثأرية، كما تعمل على التوازى من خلال القوافل الدعوية التى تسعى لنشر ثقافة التسامح والعفو والتحذير من خطورة المشاحنات والمخاصمات.
وتأمل اللجنة العليا للمصالحات أن تشهد الفترة القادمة تعاونا مثمرا من كل الجهات المعنية بالدولة من أجل دعم جهود اللجنة فى الحفاظ على أمن أبناء الوطن ومساندتها فى مهمتها الدينية القومية من خلال الإسراع فى تفعيل أعمال اللجان الفرعية بالمحافظات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة