كشف عبد الحميد كمال، خلال دراسة أعدها عن أعمال الأبنودى وأسرار حبه للسويس فى ذكرى ميلاده، أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودى الذى أحب أبناء السويس من خلال معايشة كاملة على ترابها خلال فترات مهمة فى تاريخ الوطن بعد هزيمة 67 وفترة حرب الاستنزاف للعدو الإسرائيلى، ثم حرب الانتصار والمقاومة 1973 وهى فترات كافية لمعرفة معادن السوايسة وهى الفترة التى كشفت فيها إرادة الشعب المصرى للعبور من هزيمة نكسة 67 إلى انتصار أكتوبر.
وأضاف كمال فى دراسته أن الأبنودى بدأ حبه وشغفه بالسويس عقب خروجه من السجن بعد أن قضى قرابة العام فى السجن بسبب اتهامه بالانضمام لأحد التنظيمات اليسارية الشيوعية، وخرج الأبنودى من السجن قويا لم ينكسر وسافر إلى السويس لينضم إلى المقاومة الشعبية شاعرًا قويًا ليشارك مع فرقة أولاد الأرض التى غنت للمقاومة معلنة رفضها للهزيمة بقيادة الكابتن غزالى، خلال تلك الفترة تعرف الأبنودى على أبناء السويس فى القطاع الريفى بالجناين الذى عاش فيه وسط الفلاحين والبسطاء من العمال ومن خلال معايشة أبناء السويس.
انخرط الأبنودى بأشعاره الوطنية وكتابة الأغانى الرومانسية والوطنية وإنتاج للشعر المقاوم لكل ما هو سلبى.. من خلال المعايشة الواقعية.. كتب "الأبنودى" أو "الخال"، كما كان يحب أن يناديه السوايسة فى ذلك الوقت، حين أحس بدفء مشاعرهم وحبهم للوطن فكانت أشعاره الأكثر صدقًا والأوسع انتشارًا.
وكان ديوان "جوابات الأوسطى حراجى القط العامل فى السد العالى إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار فى "جبلاية الفار" تلك القرية الصغيرة فى السويس والتى كان لا يعرفها أحد.
يقول عبد الرحمن الأبنودى، فى مقدمة إصدار الديوان فى طبعته الثالثة الصادرة عن المركز المصرى العربى للنشر والتى كانت تديره الكاتبة الصحفية ابنة السويس كاميليا عتريس ومن الإخراج الفنى وتصميم الغلاف للكاتب الصحفى ابن السويس أيضا محمد بغدادى.
يقول الأبنودى "عشت النكسة وحرب الاستنزاف فى السويس بين فلاحين وصعايدة لا يختلفون عن "فاطنة وحراجى".
وفى ضحى يوم شتائى مشمس هتف لى "حراجى" اصطحبت أوراقا وأقلاما وفرشت لى "سيدة ابنة عم إبراهيم أبو العيون" حصيرا تحت شجرة مشمش خلف بيتهم على شاطئ قناة السويس لتندلع الرسائل متتابعة.. وفى الليل كانوا يشعلون لى لمبة الجاز لانكفئ على الطبلية حتى اكتمل كتابة الديوان فى أسبوع ودفعته للمطبعة دون مراجعة".
وينشر الديوان وينفد ويعاد طبعه والمثقفون والشباب يتحدثون عن الأبنودى لصدق ما فى الديوان من خطابات متبادلة بين "جراحى "فاطنة" الجوهرة المصونة والدرة المكنونة.. زوجتنا فاطنة أحمد عبد الغفار يوصل ويسلم لها فى منزلنا الكاين فى جبلاية الفار فى "السويس".
والرد الذى يأتى من "أسوان" حيث السد العالى الذى يعمل فيه حراجى القط.. "زوجى الغالى الأسطى حراجى القط العامل فى السد العالى".. كاشفا فى لغة جميلة جديدة معانى عميقة عن الاشتقاق بين الزوجين وما يحدث لهم من تطورات اجتماعية وإنسانية.
وجوه على الشط
هكذا كانت السويس ملهمة للأبنودى الذى أحبها حين كتب ديوانه (وجوه على الشط)، ويكتب الخال عن مواطنين بسطاء ومن أبناء السويس لا يعرف عنهم الشهرة أو النجومية، فنجد قصائد تحمل أسماء أبناء الجناين فى السويس تتصدر قصائد الديوان عناوين للشعر الجميل عميق المعنى فنجد شخوصا عادية تحمل أسماء قصائده الشعرية فى ديوان وجوه على الشط منها: إبراهيم أبو العيون – سيد طلب – إبراهيم أبو زعزوع – أب سلمى – أم على – فتحية أب زعزوع – سيدة – البت جمالات – محمد عبد المولى – الحاج على وسيد طه.. وجوه وشخوص من دم ولحم.
عايش معهم عشرة حب وتمايز وعبر عنهم بلغتهم بل بلغة مصرية معجونة بطين الأرض وبملح الأرض من الفلاحين والعمال الغلابة البسطاء.
وكان لديوان "وجوه على الشط" الذى كان يذاع عبر إذاعة صوت العرب بقيادة المرحوم الأستاذ محمد عروق ابن السويس مدير الإذاعة فى ذلك الوقت، وكان لإذاعة الديوان فعل السحر على أبناء السويس المهاجرين الذين كانوا يسمعون الراديو.. بافتخار عن حكايات أبناء السويس بشكل يومى كل يوم قصيدة.
جغرافيا السويس
وينتقل الأبنودى فى حب الناس إلى ذكر الأماكن وما يسمى جغرافيا السويس، وذلك من خلال أشعاره فنجد الأبنودى يتكلم شعرا عن "مسجد سيدى الغريب" و"المبيع" سوق الجملة للخضار والفاكهة حيث يقول الأبنودى.
الخال مع الكابتن غزالى بعد إصابته ورقوده بمستشفى بالسويس
وبعدين لما جمع القرشين من المنيا نزل المبيع.. جتلك يا غريب هون عنى الغربة.. وخفف تقل الحمل.
ثم ينتقل بشعره إلى "مقهى الشيخ شعبان" القريبة من المبيع "سوق الخضار والفاكهة بالجملة" "بالليل يتلموا كل الولد فى قهوة حدا المبيع.. قهوة شعبان.. ويتذكر الأبنودى فى أشعاره قرية "كبريت".. "عيد وعلى طلعو كبريت" حتى منطقة الزيتية منطقة معامل البترول.
"حى زرب"
كما كتب الشاعر عن حى "زرب" العريق.. حيث البيوت التى كانت بها فرندات خشب يقول الأبنودى فى قصيدة عن "حى زرب" بالسويس "أنا شفت تجار الخشب.. بينهشوا لحم السويس.. بيمصمصوا ضلوع السويس.. ام فرندات الخشب، وشفت فى زرب حرب اليهود".
وعن منطقة بورتوفيق الجميلة يكتب الأبنودى
" بكرة حار حى هيضلى من تانى فى بورتوفيق على موج يا كنال" وهكذا يأتى الحديث عن حى زرب ومنطقة بورتوفيق فى ديوان "بعد التحية والسلام" والذى لم ينسِ فيه الأبنودى رسالة (الرجل اللى مات فى فحت الكنال) والرد من "الكنال إلى الراجل الذى مات فى حفر الكنال.. فى تفاصيل لها دلالات كبيرة عن الكفاح والعرق وجهد المصريين فى حفر قناة السويس.
وهيبة وشجر السويس
أما أفضل ما كتبه الأبنودى من أغانى عاطفية فقد كتبها متأثرًا بالسويس وأرضها وحدائقها وتحت أشجارها.. فحين كتب الأبنودى أغنية " تحت الشجر يا وهيبة " كان متأثرًا بالممرضة "وهيبة" الجميلة صاحبة الاسم التى كانت تعمل ممرضة بالوحدة الصحية فى قرية عامر بالسويس فكتب: "تحت الشجر يا وهيبة يا ما اكلنا برتقال.. ضحكة عنيك يا وهيبة دبحة عيون الجدعان" ليقوم بغنائها الفنان الشعبى محمد رشدى الذى كان يزور السويس للترفيه عن الجنود على الجبهة وحين حضر للسويس قال الأبنودى له.. هؤلاء أبناء عمى من السويس يقصد ( أبناء القطاع الريفى فى الجناين ).
الأبنودى ومحافظ السويس محمود حامد والفنان محمد حمام
كما كتب الأبنودى أغنية "مال عليه مال فرع الرمان" التى غنتها الفنانة فايزة أحمد كتبها الأبنودى فى جنينة "الشعراوية " وبجوار جنينة مبارك طايع حيث أشجار الرمان الأحمر وأغنية "والله إن ما اسمريت يا عنب بلدنا لا أجرى واندهلك عيال بلدنا والله" التى غنتها شادية تحت تكعيبة العنب فى أرض "سعد جلال" المعروف باسم "أبو مازن" كما كتب الأبنودى أغنية موال النهار.. تلك الأغنية الوطنية التى كان يتحدث فيها عن هزيمة يونيه والهوا هوايا "لعبد الحليم حافظ ".. واسمر يا اسمرانى اللون "لشادية" كلها كانت تحت أشجار وحدائق السويس بالجناين.
أيقونة السويس
يكفى أن الأبنودى قد خلد اسم السويس وكتب أفضل أغانيه "يا بيوت السويس" التى أحبها حيث كتب يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى انتى.. هيلا هيلا يالله يابلدية شمر درعاتك الدنيا أهيه وإن باعوا العمر فى سوق المنتية.. ورفاقه نروح السوق نجيبه ونعدى على نفس المعدية ونقول يا دنيا والله وصدقتى يا بيوت السويس".
هذه الأغنية التى خلدت اسم السويس فى لحن جميل للملحن إبراهيم رجب وغناء شجى للفنان محمد حمام وأحبها المصريون تقديرًا للسوايسة تقديرا للسوايسة وأصحاب أيقونة السويس.
لقد عاش الأبنودى فى السويس مع أبنائها وكان محبا لأبناء السويس متواصلا مع "الكابتن غزالى - محمد الراوى" والشعراء "على الخطيب – محمود الخطيب – عطية عليان – كامل عيد وأبناء السويس المثقفين منهم د.سيد نصير ود.سمير غطاس وعادل درديرى حسين العشى مصطفى عبد السلام عبد الحميد كمال محمد الجمل الحاج خليل بدرة والمهندس عادل وصلاح وضياء والأستاذ محمد (عائلة بدرة) فى حب وود وتواضع إنسانى جميل متواصلا مع المعلم "يحيى عارف" وشهدت مكتبة الكابتن غزالى "ودكانه القديم" ونادى النصر للبترول وندوة الكلمة الجديدة فى النادى الاجتماعى أمسيات ثقافية ساخنة فى الحديث عن حب الوطن والفنان العزيز الجميل "عربى بوف" الخال الذى غنى للأبنودى.
"والله لبكرة يطلع النهار يا خال وتبقى الدنيا عال والشمس تيجى من ورا الجبال يا خال.. بحلم يا خال بيوم معدول يفرش ضياه على الفلاحين يملأ صوامعهم غلال ويبيض العجين".. وحين كان يتذكر الأبنودى عربى بوف فى أعماله الجميلة فى عيد الشرطة ونصر أكتوبر وصمود السويس كان يتحدث بحب عن العربى بوف بل عن السويس كلها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة