بعيدا عن الألفاظ الخارجة التى انتقدها الكثيرون، فضلا عن موجة العشوائيات التى فرضها صناع السينما على النتاج السينمائى المصرى فى السنوات الأخيرة حتى ظهر ما يسمى بـ"سينما العشوائيات"، خرج علينا المخرج محمد سامى بفيلمه الأخير "ريجاتا" فى توليفة جديدة مختلفة عن أفلام "آل السبكى" التى تعتمد بشكل أساسى على مطرب شعبى وراقصة "لولبية" وألفاظ دارجة، لكنه لا يملك أن يتبرأ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
"ريجاتا" فيلم تدور أحداثه حول شاب لا يعرف له أبًا وهو عمرو سعد، يعيش مع أمه إلهام شاهين ويحلم بالهروب من نظرة المجتمع له بالسفر للخارج وتحديدًا إيطاليا، ويسعى لتجميع المال اللازم بتهريب الممنوعات لحساب تاجر المخدرات "محمود حميدة"، لكن قتله لأخيه "وليد فواز" خطأً يحول دون سفره ويأخذنا المؤلف معتز فتيحة مع الأحداث فى اتجاه آخر .
تساؤلات عديدة فرضتها دراما الفيلم، نبدأها بـ"ريجاتا" وهو اسم الشخصية التى يجسدها بطلنا عمرو سعد، وسبب تسميته بهذا الاسم يرجع لأول نوع سيارة يقوم بـ"سمكرتها" حيث كان يعمل "سمكرى سيارات" ، لكن نكتشف مع الأحداث أن الاسم يحمل معنى آخر وهو "سباق المراكب" فى مشهد يجمع بين "ريجاتا" وطفل أسمر بملامح نوبية طيبة يعمل "مراكبى" على ضفاف نهر النيل ملجأ "ريجاتا" ليفرج عن نفسه ما ألمّ به من ضيق العيش، ولا يكاد الطفل الأسمر يُسمعه تلك الكلمات، حتى شردت عيناه فى عنان السماء، وكأنه وجد تفسيرًا لما يحيطه من آلام منذ أن وطأت قدماه ظهر الحياة، أو توصل لخيط يكشف عن لغز نسبه –معضلته الأولى – إما أن لهذا التفسير بعدًا دراميًا سيقلب الأحداث رأسًا على عقب، لكن على عكس ما سبق، لم يكن له أى تأثير على قصة الفيلم، ولم يضف جديدا، وكان يكفينا العلة الأولى للتسمية.
"نظرة المجتمع" لريجاتا بعد معرفة القاصى والدانى لقصة أمه "إلهام شاهين" المرأة اللعوب التى لا تستطيع أن تميز أبيه بين أربعة من الرجال رافقوها فى "ميكروباص"، تركت فيه شعورًا مُخزيًا، وإحساسًا مخلوطًا بالعار، وهى الأزمة الكبرى التى سعى دومًا للهروب منها بالسفر خارج البلاد وبدء حياة جديدة فى مجتمع لا يعير لقضايا الشرف والنسب أى أهمية.
الغريب أن "ريجاتا" كان بارًا بأمه، متعلقًا بها، شغوفًا بقضاء حوائجها، وتوفير علاجها بعد أن أصابها المرض، على الرغم من أنها السبب الرئيسى فى صراعه الداخلى مع نفسه، وصراعه مع الناس ومحاولته أن يحيى بعيدًا عن نظراتهم الجارحة، حتى لو كلفه الأمر هجرة الوطن، بل والأكثر من ذلك حينما فكر فى السفر كان ينوى أن يصطحبها معه، ولم يلق باللوم عليها يوما جراء فعلتها المشئومة، أليس من الأجدى أن يكون أشد قسوة عليها؟ تلك المرأة التى كانت يومًا تعرض جسدها لمن اشتهاها مقابل حفنة من المال!!! علمًا بأن بطلنا لم يكن على قدر عالٍ من الثقافة يؤهله أن يغفر لها ما تقدم من ذنبها، على اعتبار أن باب التوبة مفتوح.
مشهد انهيار إلهام شاهين حين ظنت أن "ريجاتا" ينظر لزوجة أخيه "رانيا يوسف" خلسة فى حجرتها، واستنكارها باكية ما أوهمها به ظنها، يجعلنى أشك أن تلك المرأة التى تعترف بأم لسانها أنها كانت يومًا "فتاة ليل" قبل أن تعود إلى الله وتتوب نادمة على ما فعلت، أقول أن هذا المشهد بجانب أداء القديرة إلهام شاهين لشخصبة الأم المكافحة، الحنونة، المحبة لأولادها حتى ابن الحرام منهما، الذى افتدته من جريمة قتله لأخيه، واعترافها على نفسها بأنها القاتلة، يجعلنى أشك فيما أشيع عنها وعن سلوكها المشين، وأن هناك سرًا تخفيه، سيغير الأحداث، يظهر قرب انتهاء الفيلم بقليل، وهو معرفتها لوالد "ريجاتا" لكنها لا تستطيع أن تبوح بذلك حتى الثلث الأخير من الفيلم، لغرض درامى لا يعرفه سوى الكاتب ، لكن خاب ظنى وسارت الأمور على عوارها حتى النهاية.
ظهور صور للنجمة إلهام شاهين قبل عرض الفيلم بالسينمات حليقة الشعر، أذهل الكثيرين، وأشيع أنها ضحت بشعرها من أجل "ريجاتا"، مما خلق حالة من الشغف لرؤية الشخصية التى تلعبها النجمة الكبيرة، لكن فى صالة السينما وخلال مشاهدتك لأحداث الفيلم تفاجأ بأن مشهدًا واحدًا مدته أقل من 20 ثانية تظهر فيه إلهام شاهين دون شعر عندما تخبر "فتحى عبد الوهاب" ضابط المباحث بأنها مصابة بالسرطان، فى مشهد سطحى لم يترك أثرا اللهم إلا تعاطف ضابط المباحث معها، فى جريمة هو على يقين بحسه الأمنى أنها بريئة منها.
الممثل الشاب "أحمد مالك" ظُلِم بتجسيد شخصية هامشية، ليس لها أى مغزى، بالإضافة إلى أن الشخصية التى يلعبها أكبر بكثير منه على مستوى الشكل أو المواصفات الجسدية للدور، وظهر أصغر كثيرًا مما يجب أن تكون عليه الشخصية، واتضح ذلك فى المشاهد التى جمعته بالفنان عمرو سعد .
كل هذا لا يقلل من أداء النجم الكبير محمود حميدة الذى قدم شخصية "سارى" تاجر المخدرات بحرفية شديدة ، بجانب حس الفنان فتحى عبد الوهاب الفنى، وكانا نجمى العمل الحقيقيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة