قال الدكتور نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن محاربة الإرهاب فى أى مكان يكون من خلال المعالجة الناجعة للبيئة التى تحتضنه وللأسباب الدفينة، التى تدفع شخصا ما إلى الإقدام على أعمال إرهابية، وبالتالى فإلى جانب العمل العسكرى والأمنى المباشر لابد من معالجة المسببات العميقة والعديدة، التى تؤدى إلى هذه الحالة الخطيرة، ويكون ذلك من خلال التسويات السياسية للنزاعات وإحقاق العدالة والأمن والاستقرار للجميع.
كما دعا العربى إلى بلورة استراتيجية شاملة فى مواجهة التطرف الفكرى والإرهاب، الذى بات يهدد استقرار دول المنطقة.
وقال العربى فى كلمته أمام افتتاح الملتقى العربى الأول للشباب والرواد لمواجهة الإرهاب، الذى استضافته الجامعة العربية اليوم تحت شعار: "وسطية الإسلام.. غايتنا" بحضور لفيف من رجال الدين والسياسة والشباب، إن ما تشهده بعض دول الوطن العربى من تداعيات كبرى تمثل تهديدًا لكيانها وهويتها وتنوعها، يتطلب مراجعة شاملة لكل مسارات الحياة الاجتماعية على اتساعها، لتدبر ولمعرفة "أين يقع الخطأ"؟ ولماذا نجد هذه الظواهر المسيئة تحدث؟
ولفت العربى إلى أن ثقافة التطرف والأصولية التى تؤدى إلى إشاعة العنف الدموى وما تحمله من مخاطر وتهديد للأمن القومى العربى، تفرض إعادة النظر فى المنظومة الفكرية العربية بأسرها، بما فى ذلك الفقه والاجتهاد والثقافة والتعليم والإعلام والفنون والآداب، ووضع المقاربات التى تكفل تحرير هذه المنظومة، مما علق بها من غلو وتطرف أسهما على نحو غير مسبوق فى تكريس آليات التخلف والتقهقر الثقافى، الأمر الذى يتطلب ضرورة إحياء منظومة فكرية جديدة تتسم بالقدرة على التنوير والتفاعل مع روح العصر.
وأشار العربى إلى أن الغلو الدينى والتطرف الفكرى أصبحا يمثلان إحدى أكثر القضايا التى تؤرق المجتمعات العربية، وتشكل تهديدًا خطيرًا لنمائها واستقرارها وتطورها وتقدمها، وهو ما يجب مواجهته وإحباطه وعكس مساراته، مشددا على أن الغلو الدينى والتطرف الفكرى من المصادر الأساسية لتفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعى ومن أهم المنابع للعنف والإرهاب وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ.
وأعرب العربى عن الأسف الشديد لاتشاح الحركات الإرهابية فى المنطقة العربية برداء دينى واقترافها أبشع الجرائم، مشددا على أن مواجهة التطرف الفكرى والمنظمات الإرهابية تتطلب وضع إستراتيجية شاملة تتسم بالفاعلية والقدرة، وتسهم فى تحديدها كافة القوى الحية فى المجتمع من خلال حوار واسع تشارك فيه المؤسسات الحكومية المعنية، والمنظمات الأهلية والمفكرين ورجال الدين والخبراء والسياسيين، لبحث أفضل السبل لصياغة هذه الإستراتيجية وتحديد أولوياتها وأهدافها.
وأكد أهمية هذا الملتقى الذى يضم نخبة متميزة من خيرة الشباب العربى من جميع الدول العربية، معربا عن أمله فى وضع معالم جديدة لصياغة مشروع نهوضى شامل لا يفصل الفكرى عن السياسى، والثقافى عن الاجتماعى، ويدعو إلى قيم العدالة والإنصاف والمساواة والمواطنة وصولًا إلى القواعد الأساسية للحكم الرشيد، وإعادة الاعتبار لمكارم الأخلاق، التى تمثل الأساس المتين والجوهر الكامل للرسالة الإسلامية السامية.
ونوه بقرار مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى فى دورته الثانية والأربعين بعد المائة، فى السابع من سبتمبر من العام الماضى، والذى تضمن اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الكفيلة بحماية الأمن القومى العربى والتصدى للمنظمات الإرهابية ولجميع أشكال التطرف.
وأوضح أن الأمانة العامة أعدت مع عدد من الخبراء من الدول العربية دراسة تضمنت تحليلًا معمقًا لظاهرة الإرهاب فى الوطن العربى ودورها فى تهديد الأمن القومى العربى، استعرضت التطورات، التى شهدتها هذه الظاهرة والتحولات النوعية فى ممارساتها التى أدت إلى التهديد الفعلى بتقويض أركان الدولة الوطنية الحديثة وهدم هياكلها وتعريض سيادة الدول واستقلالها ووحدة ترابها الوطنى لمخاطر حقيقية قدر تعصف بكيانات الدول واستقرارها وأمنها.. وتوصلت الدراسة إلى نتائج تم بلورتها فى اقتراحات محددة تتضمن التدابير والإجراءات المطلوبة على المستويين الوطنى والقومى لدحر الإرهاب، وهذه الدراسة سوف يضاف إليها المداولات، التى سوف تتم الأسبوع المقبل لتعرض على مجلس الجامعة فى دورته العادية المقبلة فى مارس.
من جانبه دعا فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إلى تضافر الجهود للتصدى للتحديات الجسيمة، التى تواجهها الأمة العربية داخليا وخارجيا فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخها.
ونبه فى كلمته أمام الملتقى، والتى ألقاها نيابة عنه الشيخ محمد زكى، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، إلى خطورة الجرائم، التى ترتكب من قبل فصائل طارئة على الحضارة ولا تمت بصلة للدين الإسلامى وتتجاوز الأعراف والإنسانية وتستهدف إظهار الإسلام فى أبشع صورة وتزعم الأباطيل والأكاذيب باسم الدين الإسلامى، الذى هو دين التسامح والوسطية، مشددا على أن المسلمين ما حملوا السلاح إلا تصديا للعدوان.
ودعا شيخ الأزهر إلى لم الشمل العربى فى مواجهة المخاطر التى تتهدد الأمة العربية والنهوض بشبابها باعتبار الشباب هم معيار رقى الأمم أو انحطاطها.
كما دعا لصياغة خطاب دينى وسطى معتدل يخاطب العقل الرشيد ويسهم فى إحلال السلام العادل.
من جانبها دعت رئيس مجلس الشباب العربى للتنمية المتكاملة مشيرة أبو غالى إلى ضرورة تضافر الجهود للقضاء على الإرهاب والحفاظ على دولنا آمنة ومستقرة حتى ننعم جميعا بالسلام ونضمن الاستقرار لأجيال قادمة تنعم بالأمان ومستقبل ينعمون فيه بحقهم فى الحياة الكريمة والمستقرة.
وقالت أبو غالى فى كلمتها: إن الملتقى يعقد لمناقشة ما يواجهه الشباب العربى على أيدى جماعات ومنظمات إرهابية استخدمت الدين كوسيلة للسيطرة على الشباب فكريا ونفسيًا واقتصاديا لاستخدامهم كأدوات إرهابية تدمر نفسها وأرضها وشعبها تحت شعارات كاذبة وادعاءات ابتعدت كل البعد عن الدين الإسلامى السمح والاقتداء بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأضافت: "إنه أصبح لزامًا على الجميع رواد وشباب التحرك لمواجهة وقمع هذه الأفكار المتطرفة، التى لاتمثل الإسلام ولا المسلمين والعمل على دعوة الشباب الواعى ليقف ويواجه التحدى والعمل على استنهاض الهمم ونبذ العنف ومواجهة التحدى والسعى لتوحيد القوى والصف فى مواجهة الإرهاب الذى يهدد كل قطاعات المجتمع وإبراز الدين الإسلامى الوسطى السمح وإعلان الحرب على الإرهاب بكافة أشكاله".
وأشارت إلى أن الملتقى يهدف إلى الإعلان عن رؤية الشباب لمواجهة الوضع الراهن ومناقشة أسباب انجذاب بعضهم للجماعات الإرهابية والعمل على صياغة خطة تحرك مشتركة والعمل على تفعيلها ومناقشة دور الإعلام فى التوعيه والتوجيه وترسيخ دور الأزهر وهيبته كمنارة وشعلة للإسلام فى العالم.
من ناحيته أكد نقيب الأشراف فى مصر محمود الشريف أن الفكر المتطرف لا يعبر عن قيم الإسلام ورسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، التى هى أساسها الرحمة، مشيرا إلى أن الإسلام برىء، مما يحدث اليوم فى المنطقة باسم الدين الحنيف.
وشدد الشريف فى كلمته على أهمية الخطاب الدينى المعتدل فى مواجهة الفكر الخطير الذى يأتى إلينا ويخرب عقول شبابنا، لافتا إلى أهمية بلورة استراتيجية حقيقية ترتكز على الدعوة الوسطية للتعبير عن حقيقة الإسلام ووسطيته.
ومن جهته، أكد الأمين العام لتيار المستقبل اللبنانى أحمد الحريرى أهمية هذا الملتقى الذى تزامن الذكرى العاشرة لاغتيال الشهيد رفيق الحريرى على أيدى الإرهاب كما يتواكب الملتقى مع ظرف عربى شديد الخطورة، داعيا إلى تكاتف جهود القادة العرب لتجديد ثقافة العمل المشترك ومواجهة الإرهاب، الذى يستهدف آلاف الشباب والشابات والعمل على محاربة التطرف والقوى الرامية لتفكيك دول المنطقة.
يناقش الملتقى على مدى خمسة أيام سبل مواجهة التطرف الفكرى ودور الشباب فى مواجهة الإرهاب ونشر ثقافة الدين الإسلامى السمحاء.
موضوعات متعلقة ..
نبيل العربى: موقف الجامعة العربية ثابت من القضية الفلسطينية
نبيل العربى يطالب بوقف عمليات القصف ضد المدنيين فى دمشق
نبيل العربى: معاجلة الإرهاب تتطلب تسويات سياسية للنزاعات وإحقاق العدالة.. وشيخ الأزهر يدعو إلى صياغة خطاب دينى وسطى يخاطب العقل ويسهم فى إحلال السلام.. ونقيب الأشراف: الإسلام برىء من أحداث المنطقة
الخميس، 12 فبراير 2015 05:54 م
نبيل العربى
كتب مصطفى عنبر
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة