نقلا عن العدد اليومى...
بوجه ملىء بالخطوط التى رسمها الزمن وسنوات العمر الطويلة، ويدين ترتعشان تعبتا بعد عقود من العمل والتحمل والحركة، وساقين تحملان صاحبها بصعوبة، وعين ضعفت من كثرة ما رأت خلال العمر، وجسد يشهد من بعد قوة ضعفا ومرضا، وهدوء يحمل حزنا وشعورا بالتهميش، تتحول معه الحياة إلى مجرد انتظار للموت، هكذا يعيش أغلب المسنين ومن تخطوا سن المعاش فى بلادنا، نعاملهم كبشر مهملين انتهى دورهم، ونعتبر أن مجرد زيارتهم والتحدث معهم هما وواجبا ثقيلا على أغلبنا، وننسى أننا جميعا سنمر بهذه المرحلة، ونشعر بنفس الشعور، ونتجاهل أن الكثير من الدول تعتبرهم ثروة قومية وخبرة يجب الاستفادة منها، وتنتشر لديها مقولة إن الحياة تبدأ بعد الستين.
مرحلة ما بعد المعاش تستحق أن نطلق عليها العمر الذهبى للإنسان، لأنها أفضل مرحلة يستطيع الشخص أن يخدم فيها المجتمع بالشكل الأمثل، وهى مرحلة جنى الثمار، وليس نهاية المطاف كما يعتقد البعض، حيث يكون الشخص قد اكتسب خبرة كبيرة لا تتوفر لدى أحد، ويمتلك وقتاً طويلاً يستطيع أن يقدم الكثير من الخدمات الجليلة لأفراد عائلته والمحيطين به.
فى السطور التالية نلقى الضوء على حياة المسنين فى مصر، وأهم أزماتهم، ونحاول طرح سبل تخفيف معاناتهم، والاستفادة من هذا الكنز المنسى.
أسباب الاضطرابات النفسية لكبار السن
هناك مجموعة من العوامل التى ترفع فرص إصابة كبار السن بالاضطرابات والأمراض النفسية، لذا يجب أن نجنبهم التعرض لها قدر الإمكان، وذلك حسبما تشير مؤسسة الصحة النفسية لكبار السن فى أمريكا، وتشمل تلك العوامل: «الإعاقة والإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب، والإصابة ببعض الأمراض التى تؤثر على العواطف والذاكرة والتفكير».
ومن العوامل الأخرى مرض أو موت أحد الأقارب، واتباع الحمية الغذائية الضارة، وتناول الخمور أو إدمان أحد الأدوية، وتغير البيئة التى يعيش بها كبار السن، كترك العمل والوحدة وزواج الأبناء، والانتقال مثلاً إلى أحد دور الرعاية.
أما عن الأعراض التى تشير إلى إصابة كبار السن بالأمراض النفسية، فتتضمن: الحزن والشعور باكتئاب لمدة تزيد عن أسبوعين والعزلة عن المجتمع، والشعور بالإعياء دون سبب معروف، وفقدان الطاقة والنشاط واضطرابات النوم، وضعف التركيز وفقدان أو زيادة الشهية، وحدوث تغير فى الوزن وفقدان الذاكرة وكثرة النسيان، والشعور بانعدام القيمة والتفكير فى الانتحار وقلة الاهتمام بالنفس.
كلمه بصوت مسموع واختار ألفاظك
وعند التعامل مع كبار السن يجب أن نتوخى الحذر، ونختار كلماتنا بعناية شديدة، لأنها تُحدث عليهم وقعا أكبر مما نتخيل.
وقد أكد الدكتور هشام بحرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، أنه ينبغى علينا أن نتكلم بصوت واضح ومسموع عند التحدث مع كبار السن، نظراً لأنهم يعانون من ضعف الإدراك، كما تتدهور لديهم وظائف السمع والإبصار.
وأوضح أن الفترة الباقية فى حياة الكبار غالباً ما تكون قصيرة، لذا يجب أن نختار ألفاظا تبث فيه الأمل فى الحياة، ولو كان يتبقى له أيام معدودة مثل مرضى السرطان، ويجب أن نختار الكلمات المناسبة، ونبعد عن الكلمات التى تبث فيه الأحاسيس السلبية.
من جانبها أكدت الدكتورة هالة حماد، استشارى الطب النفسى: إننا يجب أن ننادى كبار السن باستخدام الألقاب التى يحبونها مع احترام عقليتهم وعدم التقليل من قيمتهم أو الاستهانة بهم وبمشاعرهم وأفكارهم، كما يجب ألا نجعلهم يشعرون بأنهم عبء على الأسرة.
كما أكدت ضرورة توخى الحذر عند التعامل مع مريض الزهايمر، لأنه غالباً ما يعيش فى الماضى، وليس الحاضر، حيث يعود عقله إلى مرحلة زمنية ما، ويتوقف عندها، لذا فهو قد لا يعرفك أو قد يستغرق وقتاً طويلاً كى يتذكر اسمك، فيجب ألا تستهين به، ولا تسخر منه، بل ينبغى معاملته باحترام، ولا يجب الانفعال عليه، لأنه لا يعى ما يحدث حوله، مع توفير كل أوجه الرعاية له.
وأكدت الدكتورة هالة حماد: إننا لا يجب أن نتجاهل كبار السن، ويجب أن نضمن تحديد مواعيد ثابتة خلال الأسبوع لزيارتهم لا نتخلى عنها أبداً، كما يجب أن نضمن لهم وجود من يساعدهم طوال الوقت، مع ضرورة تقييم وضع البيت وقدرات كبار السن، لأن حالتهم الصحية قد لا تسمح له باستخدام البوتاجاز مثلاً، وقد يُعرضون أنفسهم للخطر، وأيضاً قد يشعرون بالبرد الشديد ولا يستطيعون الحركة، وقد يتعرض بعضهم للجفاف بسبب قلة المياه، وعدم قدرتهم على إحضار المياه، وفى هذه الحالة يجب أن يخصص الأهل ممرضة لمرافقة كبار السن.
وفيما يتعلق بالرغبة فى الزواج، خلال هذه المرحلة العمرية، أكدت الدكتورة هالة حماد أنه إذا كان الشخص كبير السن، ويتمتع بالأهلية والقدرة على اتخاذ قرار حكيم، فيجب أن يترك له حرية المجال لتقرير مصيره واختيار من سيتزوجها، حيث يقلل هذا بالفعل من الشعور بالعزلة.
الوصايا الذهبية للتعامل مع كبار السن
من جانبها أوصت الدكتورة دعاء حامد، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين الشمس، بأنه يجب أن نتعامل بذكاء شديد مع كبار السن، وأن نذكره بأسمائنا عندما نسلم عليه كل مرة، لأنه قد ينسى كثيراً، ويجب أن ننادى عليه بأحب الألقاب إليه.
وتابعت: «إذا قاطعك كبير السن فلا تتضايق، لأنه يتسم خلال هذه المرحلة بعدم الصبر، وقد يخاف نسيان ما يدور فى رأسه، وتكلم معه دائماً بصوت واضح وقلل من سرعة كلامك واستخدم الجمل القصيرة»،
ومن الأمور المهمة أيضاً: «عند الحديث معه يجب التأكد من ارتدائه للنظارة أو السماعة، لأنه قد يعانى من ضعف فى السمع والنظر، لذا يجب أن نقترب منه عند التسامر معه، ونترك له فترة كافية للرد، لأنه قد يكون يفكر فى كلامنا نتيجة خبرته وسنه، بينما لا يملك تهور وتسرع الشباب».
وفيما يتعلق بالمرضى، أكدت الدكتورة دعاء حامد: يجب أن نحاول دائماً تحسين نوعية حياتهم، أما المقعد أو المعاق فيجب ألا نجعله يشعر بالإعاقة ولا نتعامل معه بعصبية ونستوعبه ولا نضايقه نفسياً، ونشعره بأنه ما زال قادراً على القيام بأدوار كثيرة فى الحياة، أهمها، نقل الخبرات إلى الأجيال الجديدة.
وأوصت أستاذة الطب النفسى بتسمية تلك المرحلة العمرية بجنى الثمار، وليست نهاية الرحلة، لأن الشخص يكون فى قمة عطائه بعد المشوار الطويل الذى قضاه فى دوامة الحياة، وكلما مرت السنين ازداد عطاؤه، فيجب أن يمارس الأنشطة المختلفة. يجب أن يعلم كبير السن أنه ليس عبئاً على أحد، لأنه أعطى أبناءه كثيراً ومنحهم صحته ووقته وماله خلال المرحلة السابقة، فعليه أن يحصد ما زرعه.
وأكدت دعاء حامد: على الدولة أن تخصص جزءا من ميزانيتها لكبار السن، وتقدم الرعاية الصحية المناسبة لهم، وتكرم المتفوقين منهم وتخصص لهم النوادى وتنظم الندوات كى ينقلوا خبراتهم للشباب ويتواصلون معهم.
اكتئاب ما بعد المعاش
وقالت دعاء حامد: إن بعض كبار السن قد يصابون باكتئاب ما بعد المعاش نتيجة الشعور بالإهمال وإعراض الأشخاص عنهم، لافتة إلى أن الأسرة يجب أن تهتم بكبار السن وتلتف حولهم، كما يجب علينا أن نتقبل تصرفاتهم ونعذرهم، لأنهم قد لا يفهمون طبيعة المرحلة التى أقبلوا عليها.
ولفتت إلى أنه من الطبيعى أن تظهر بعض العلامات على جسد ومظهر كبار السن خلال هذه المرحلة، ولا يجب أن تسبب الإصابة بالاكتئاب، مؤكدة أن الشيب عنصر من عناصر جمال هذه المرحلة، وعلينا أن نتقبل التغيرات التى اختارها الله أن تظهر على أجسامنا، ولا نغيرها سواء بعمليات التجميل أو غيرها حتى نعيش جمال هذه المرحلة ولا نشعر بالتعاسة، مع ضرورة أن يثق الشخص بنفسه، ويعلم أنه يتمتع بخبرة كبيرة لا تتوفر لدى غيره.
ولفتت أيضاً إلى أن كبير السن كنز كبير، وهو بلا مبالغة أهم فرد فى العائلة، لأنه يمتلك وقتاً كبيراً لا يتوفر لدى أحد، بالإضافة إلى خبرته وتجاربه، وهو ما يجعله قادراً على تقديم أكبر قدر من الخدمة والمساعدة لباقى أفراد العائلة.
وشددت على أن فقدان الزوج أو الزوجة حدث جلل، وهو من الأمور التى تترك أثراً سلبياً هائلاً على الحالة النفسية لكبار السن، وقد تسبب لهم الاكتئاب، وفى هذا الصدد أكدت د.دعاء حامد أن جميع الأهل يجب أن يقدموا دعماً نفسياً كبيراً للشخص، وأن يبثوا فى نفسيته رسائل إيجابية بأن الحياة ستستمر.
كما أوضحت أنه يمكن لكبار السن اللجوء للطبيب النفسى عند الشعور بأعراض الانسحاب، وفقدان الرغبة فى استكمال الحياة، وعدم الاستمتاع بأحداث حياتهم اليومية، مشددة على أن يكون هدف الطبيب النفسى تحسين نوعية حياة المريض.
وعن الزواج قالت: «الزواج من الأمور الجيدة التى من الممكن أن يلجأ إليها كبار السن لتخفيف معاناتهم، مع ضرورة تجاهل النظرة المجتمعية التى قد تكون غير راضية، وهو عكس ما يحدث فى الغرب والكثير من الدول العربية، ونجد الأشخاص يتزوجون ولو وصلوا لعمر التسعين».
وأضافت: إن الزواج خلال هذه المرحلة يعتبر أمرا مناسبا جداً كى لا يشعر الشخص بالوحدة، خاصة أنه لا يعمل ولا يتحرك، ولا تتوفر لديه حلول كثيرة للقضاء على العزلة التى يعانى منها، فهو مثلاً لا يستطيع الخروج كثيراً وممارسة الأعمال بنفس طاقة الشباب، مضيفة أن اختيار الزوج أو الزوجة يجب أن يكون على أساس المشاركة، وأن يكون لديهما هدف مشترك.
جهز نفسك لمرحلة المعاش بالأكل الصحى
وأضافت دعاء حامد: إن الشخص يجب أن يهيئ نفسه للتغييرات المقبلة فى حياته ويتقبلها ويتعايش معها، ويضع خطة تطبق بشكل تدريجى حتى يصل إلى مرحلة المعاش وهو فى أتم الاستعداد لها، مع إدراك أن هناك أمورا إيجابية عديدة سيتمتع بها، مثل زيادة الخبرة وتوفر وقت كبير يستطيع أن يستغله ويمارس فيه هواياته والأعمال المحببة له.
وتابعت قائلة: إن مثلث الوقاية من الاكتئاب فى مرحلة المعاش يشمل الاستعداد قبلها من خلال الأكل الصحى، وممارسة الرياضة، وتعزيز العلاقات الاجتماعية.
من جانبه أكد الدكتور أحمد عبدالله، مدرس الطب النفسى بكلية الطب جامعة الزقازيق، أن كبر السن ليس عيبا أو نقيصة، بل إن هذا الكبير فى السن يتفوق على الشباب بمميزات كثيرة، موضحاً أن كبار السن فى الدول الغربية لا يخافون الموت بعد الوصول لمرحلة المعاش، بل يشعرون بالأمل فى الحياة، وتوفر لهم حكوماتهم كل السبل المتاحة لحياة أفضل، مشدداً على ضرورة أن توفر الدولة المصرية بعض الامتيازات والتخفيضات والاشتراكات لكبار السن بعد الوصول لهذه المرحلة.
وفيما يتعلق بمرحلة المعاش، قال د.أحمد على: إنه يجب ألا تقتصر حياة الكبار على العمل فقط، بل يجب أن يكون لديهم اهتمامات وهوايات عديدة حتى يكون التقاعد ميزة، لأنه سيتوفر لهم وقت أطول لممارسة هواياتهم واهتماماتهم.
وأضاف: «الواقع فى مصر أن أغلب المواطنين ليس لديهم هوايات ويعتبرونها أشياء جانبية، لذلك عندما يحالون إلى المعاش يتحطمون نفسياً ولا يجدون ما يمارسونه، مشدداً على أن المعاش هو وقت الاستمتاع والقيام بمشروعات تخدم المجتمع والأعمال التطوعية التى عطلته الوظيفة عنها، والأمر نفسه بالنسبة للمرأة، حيث يحدث لها انهيار، ولكن بشكل مبكر بعد أن يكبر أولادها ويتزوجوا، لأنها ليس لها أى هوايات أو اهتمامات أخرى».
اضطرابات النوم تقلل الرغبة الجنسية
أكدت دراسة علمية حديثة أن قلة عدد ساعات النوم قد يؤدى إلى انخفاض الألفة وجودة العلاقة الجنسية بالنسبة للنساء بعد سن اليأس.ولتأكيد نتائج الدراسة، حلل الباحثون بيانات ما يقرب من 94 ألفا من النساء اللواتى تراوحت أعمارهن ما بين 50 و79 عاما، واللواتى سألن عن عادات نومهن خلال الأسابيع الأربعة السابقة، وعن نشاطهن الجنسى خلال العام الماضى، ومستويات الإشباع الجنسى.
وكشفت الدراسة أن 30 % من النساء لديهن مستويات عالية من الأرق، وهذا ترتب عليه انخفاض النشاط الجنسى وقلة الشعور بالرضا وعدم الإشباع الجنسى.
وأوضحت محررة الدراسة الدكتورة جوليانا كلينج، من مستشفى مايو كلينيك، أن الأرق كان مرتبطًا بانخفاض الوظيفة الجنسية، مضيفة أن الخطوة التالية فى البحث ستكون ربط النوم والوظيفة الجنسية واتصالهما ببعضهما مع مرور الوقت.
وأضاف الباحثون أن تحسين عادات النوم يعزز العلاقة الحميمة والنشاط الجنسى، ليس للكبار فقط لكن للبالغين أيضًا، وقد نشرت نتائج الدراسة عبر الموقع الطبى الأمريكى «Health day News».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة