من منا لا يعلم هوليوود السينما الأمريكية الساحرة، أو بوليوود التى تتراقص على أنغامها نجمات الهند ونجومها، ولكن هل سمعت عزيزى القارئ عن «نوليوود» منتجة ثانى أكبر عدد من الأفلام سنويًا بعد الهند، متفوقة بذلك على أمريكا وفقًا لتقارير اليونسكو.
«نوليوود» اسم يطلق على صناعة الأفلام فى نيجيريا.. نعم نيجيريا، الدولة الأفريقية المثقلة بهموم حربها ضد إرهاب إحدى أكبر الجماعات المتطرفة فى العالم «بوكو حرام» التى تسببت فى مقتل 17 ألف شخص حتى الآن، تمتلك أكبر ثانى إنتاج للأفلام فى العالم.. أهلًا بك فى عالم «نوليوود» السمراء.
الصناعة كلمة السر لتحقيق التنمية الاقتصادية، والدول المتقدمة دول صناعية فى المقام الأول، وتوجه مصر للصناعة ضرورة يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات الآن، وقد يظن البعض أن الصناعة يجب أن تكون معدات ضخمة، ومبانى عملاقة كصناعة الأسمنت أو الحديد والصلب.
هناك تجارب لدول أسهمت صناعات أخرى فى دفع معدلات النمو الاقتصادى بها، على رأسها الصناعات الترفيهية، والتجربة النيجيرية خير مثال.
تقع نيجيريا فى الغرب الأفريقى، ويبلغ تعداد سكانها 170 مليون نسمة، وتمتلك نيجيريا حوالى 14 دار عرض سينمائى، وتنتج سنويًا 2000 فيلم، كيف؟، وأين تعرض تلك الأفلام مع ندرة السينمات؟.. الإجابة بسيطة، النيجيريون لا ينتجون أفلامًا للعرض السينمائى، فالصناعة التى تقدر استثماراتها بنحو 7.2 مليار دولار، أى ما يعادل 1.4 % من إجمالى الناتج المحلى لنيجيريا، وفقًا للإحصائيات الرسمية، تقوم على إنتاج ما يعرف بـ«أفلام المنزل»، حيث يتم تصوير الفيلم ثم طبعه على أسطوانات، وبيعها عبر موزعين ينتشرون فى كل أنحاء البلاد، وتعتمد نيجيريا فى المقام الأول على صناعة الأفلام القليلة التكلفة، ويتم تصويرها باستخدام تكنولوجيا الديجيتال فى الشوارع والفنادق العامة، لندرة الاستوديوهات، وارتفاع تكلفة تأجيرها، ولا يستغرق تصويرالفيلم الواحد أكثر من أسبوعين بتكلفة تتراوح بين 25 و75 ألف دولار، وفقًا لتقديرات البنك الدولى.
بالطبع قد يرفض البعض تلك الصناعة، أو يرون أن تبنى هذا النوع من الأفلام على نطاق واسع فكرة قد تؤدى إلى انهيار صناعة السينما، وعزوف المنتجين عن عرض الأفلام بالسينمات، بالإضافة إلى التجربة المصرية السابقة فى السبعينيات فيما يعرف بأفلام المقاولات، وقد يتبادر إلى الأذهان تجربة أفلام المقاولات فى مصر، والتى اشتهرت بتواضع المستوى الفنى.
الحديث عن صناعة أفلام قليلة التكلفة يستهدف بالأساس إتاحة الفرصة لمنتجين جدد أو الفنانين أنفسهم دخول مجال الإنتاج الفنى، وتقديم نوعية جديدة تعتمد بالأساس على مستوى فنى جيد، بأقل تكاليف ممكنة، ويعتمد على عائدات البيع المباشر عبر موزعى السيديهات، بالإضافة إلى عائدات العرض على شاشات الفضائيات، مما يساعد على حجم صناعة السينما، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل منتج يوجه صناعته إلى فئة مختلفة، فعاشقو شاشة الفن السابع يجدون متعتهم فى قاعات السينما، أما جمهور الأفلام المنزلية فيريد أن يستحضر أجواء السينما إلى المنزل، بما يعنى إنشاء خطين متوازيين فى الصناعة، يعملان على زيادة حجم السوق الفنية بشكل عام.
وبالعودة للنموذج النيجيرى نجد أن إنتاج الأفلام القليلة التكلفة لا يعنى بالضرورة وصمها بتدنى المستوى الفنى، بل على العكس «نوليوود» نجحت فى نشر الثقافة النيجيرية عبر القارة الأفريقية، ووصلت بأفلامها إلى السوق الأوروبية والأمريكية، منها على سبيل المثال فيلم Osuofia in London، وبعدها تم عرض فيلم Doctor Bello وهو أول فيلم نيجيرى يعرض فى دور العرض الأمريكية عام 2013، وضم ممثلين أمريكيين بجانب النيجيريين، وما كان لذلك أن يحدث إلا لو كانت تلك الأفلام ذات قيمة فنية جيدة.
نجحت الأفلام النيجيرية فى غزو أفريقيا لأنها تعبر ببساطة عن أحلام أبنائها، والمشكلات التى تحاصرهم داخل القارة السمراء، ووصف المخرج النيجيرى بوندا إيمورا أفلام «نوليوود»، قائلًا: «نحن نقدم قصصنا بطريقتنا.. بأسلوب أفريقى نيجيرى خاص بنا»
«نوليوود» استطاعت على مدى عقدين أن تكون أحد أهم الصناعات الفاعلة فى الاقتصاد النيجيرى، حيث يعمل بقطاع صناعة الأفلام النيجيرية حوالى مليون شخص، ليصبح بذلك ثانى أكبر الأنشطة الاقتصادية فى نيجيريا توفيرًا لفرص العمل بعد الزراعة.
تطور «نوليوود» المتسارع، والاهتمام العالمى المتزايد بها دفعا الحكومة النيجيرية إلى دعم تلك الصناعة، فأصدر الرئيس النيجيرى السابق جوناثن جودلك عام 2011 قرارًا بإنشاء صندوق لدعم «نوليوود» بحجم 200 مليون دولار, وفى مارس 2013 أعلن عن منحة قدرها 17 مليون دولار لتدريب وتنمية مهارات القائمين على صناعة أفلام «نوليوود».
وفى ظل نمو صناعة الأفلام فى نيجيريا، وتدهور صناعة السينما فى مصر تظل القرصنة هى الهم المشترك بين مصر ونيجيريا، حيث تعانى الأخيرة من مافيا القرصنة بشكل كبير، وقدر البنك الدولى حجم القرصنة فى نيجيريا بأنه «مقابل كل نسخة أصلية تباع 9 نسخ مقلدة»، بما يعنى إهدار أضعاف المكاسب التى من المفترض أن تجنيها «نوليوود» سنويًا.
وفى مصر، حيث أسهم الغياب الفاضح للدولة فى تفشى القرصنة على الأفلام، فأصبح المتعارف عليه فى مصر أن يتم تسريب الفيلم بعد عرضه بدور السينما بأيام قليلة، بل وعرض نسخة غير أصلية على قنوات فضائية تبث عبر النايل سات فيما يبدو كأنه تواطؤ على صناعة السينما.
السينما النيجيرية تتفوق على «هوليوود» وتدعم اقتصاد بلادها.. «نوليوود» نجحت فى نشر الثقافة النيجيرية بالقارة السمراء وصنعت من أبطالها نجوم شباك بلا شباك.. وتوفر مليون فرصة عمل
السبت، 14 نوفمبر 2015 12:50 م
فيلم Doctor Bello
تحليل تكتبه: سهيلة فوزى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة