وعلى الرغم أن ملف الصرف الصحى ومياه الأمطار ليس الملف الأخطر بالإسكندرية، إلا أنه أطاح بمحافظين، الأول اللواء طارق مهدى والثانى هانى المسيرى، دون الالتفات إلى أن هناك ملفا أكثر خطورة قد يتسبب فى أزمة كارثية أمام المحافظ القادم - و كما يرى الخبراء - أنه أحد عوامل تفاقم أزمة الصرف بالمحافظة، وهو ملف المبانى المخالفة، والذى خفتت الأضواء المسلطة عليه الفترة الماضية بسبب ظهور ملفات أكثر إلحاحا على السطح، مثل ملفات الصرف الصحى والقمامة، بالرغم من أنه الملف الأخطر والمتسبب الأول فى العديد من تلك الأزمات.
اليوم السابع يدق ناقوس الخطر للمبانى المخالفة أمام المحافظ القادم
"اليوم السابع" يدق جرس الإنذار لكارثة جديدة أمام محافظ الإسكندرية القادم، وهى كارثة المبانى المخالفة التى تمثل قنبلة موقوتة تهدد أرواح أكثر من 4 ملايين و 700 ألف مواطن هم عدد سكان العاصمة الثانية بمصر .
17 ألف عقار مخالف وتفاقم الظاهرة
يعتبر ملف المبانى المخالفة من أهم العقبات التى واجهت "المسيرى" أثناء توليه المنصب، والتى حاول استيعابها من خلال عدة آليات، منها حملات الإزالة والتى لم تمثل 1% من حجم المشكلة المتفاقمة، حيث تم إزالة 286 عقارا مخالفا من أصل 17 ألف عقار مخالف - وفق تصريحات المسيرى و الإحصائيات التى أجريت فى عهده - فى الفترة من فبراير 2015 وحتى سبتمبر من نفس العامز
أو من خلال إصدار قرار رقم 1032 لسنة 2015 بقطع جميع المرافق من مياه شرب وكهرباء وصرف صحى وغاز عن العقارات المخالفة التى تم إنشاؤها بدون ترخيص أو المخالفة لشروط الترخيص .
بالإضافة إلى مقترح تم الموافقة عليه بالفعل من رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب، باستصدار تشريعات وقرارات جديدة تمكن المحافظة من مصادرة تلك المبانى و فرض غرامات مالية على المالك والساكن، وكان من المقرر طرحه على مجلس النواب القادم، وإقراره كمشروع قانون، إلا أن استقالة رئيس الوزراء ومحافظ الإسكندرية وضعت مشروع القانون محل تساؤل عن إمكانية طرحه أو إقراره كما كان مقررا.
وقد حاول "المسيرى" أيضا تغليظ لهجة التهديد للمقاولين المخالفين وطرح تعديلات على إجراءات المركز الذكى أملا فى الحد من الظاهرة، إلا أن الظاهرة تفاقمت و لم تستطع المحافظة ملاحقة العدد الكبير للمبانى المخالفة بتنفيذ قرارات الإزالة التى تدخل فيها الجهات الأمنية كجهة رئيسية فى عمليات تنفيذ القرار، بالرغم من استخدام الأجهزة الحديثة فى الهدم، كما لم يستطع تقديم الردع القانونى اللازم للمقاولين المخالفين.
انتشار ظاهرة "الكاحول" والعقارات المائلة للبناء بدون ترخيص
وفى ظل تفاقم الأزمة وعدم إحكام سيطرة الدولة عليها، انتشرت ظاهرة "الكاحول" و هو الشخص الذى يقوم بتحمل عبء العقاب القانونى، و فى أغلب الأحيان هو إما شخصية وهمية أو لم يستدل على عنوانه، وتعتبر تلك هى الثغرة القانونية التى يعتمد عليها غالبية المقاولين للتملص من العقاب القانونى .
كما انتشرت بالإسكندرية ظاهرة العقارات المائلة، نتيجة لغياب الشق الرقابى من الأجهزة التنفيذية وغياب إشراف الإدارات الهندسية على العقارات التى يتم بناؤها بدون ترخيص، فأصبحت تمثل خطرا داهما على السكان والعقارات المجاورة و المارة .
المواطنون يلجأون للمبانى المخالفة لانخفاض أسعارها وعدم وجود بديل من الدولة
فى المقابل، أكد عدد من مواطنى الإسكندرية، على أنهم قد دفعوا أموالا لشراء وحدات سكنية مخالفة، نظرا للانخفاض النسبى فى أسعارها، و عدم وجود بديل لائق تقدمه الدولة.
من جانبه، أشار سيد أحمد محمد أحد قاطنى الوحدات السكنية غير المرخصة بحى شرق لـ"اليوم السابع"، إلى أنه قد اضطر إلى شراء وحدة سكنية فى طابق مخالف لم يصدر به ترخيص، فى ظل الارتفاع الجنونى لأسعار الشقق، حيث تتميز الشقق غير المرخصة بانخفاض نسبى فى الأسعار، و رفض بشدة توقيع أى غرامات على الساكن الذى هو ضحية الحكومة ومافيا العقارات معا، قائلا: "المواطن هو من ظلم و هو من سيدفع الثمن ".
وقالت منال عوض من ساكنى إحدى الوحدات السكنية المخالفة بحى المنتزة، إن الدولة هى من قصرت فى البداية فى عدم توفير المرافق اللازمة للامتداد العمرانى الطبيعى فى مدن جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية على مدار السنوات الماضية، بالإضافة إلى إهمالها لإحلال و تجديد شبكات الصرف الصحى و الكهرباء و التى لم تعد تتحمل الضغط السكانى المتزايد، و تحاول الحكومة الحفاظ عليها من خلال إصدار تراخيص بعدد طوابق قليلة جدا لا تتعدى 4 طوابق فى العقار، و هو أمر غير معقول لاستيعاب الزيادة السكانية أو لتحقيق الربح المناسب لمقاول العقار بالمقارنة مع الارتفاع الكبير فى أسعار الأراضى داخل المحافظة.
مطالب بوقف كافة أعمال البناء والتصالح مع المبانى المخالفة
من جهة أخرى، أكد عبد الرحمن الجوهرى، محامى بالنقض، و المنسق العام لحركة كفاية، على أن كل الأعمال المخالفة التى تمت بدون ترخيص جريمة طبقا لقوانين البناء، و يشترك فيها المالك و المقاول، بالإضافة إلى مشترى الوحدة السكنية بالأدوار المخالفة، لأن المشترى عليه أن يتحقق من صحة أوراق العقار و رخصة البناء الصادرة.
و أشار إلى أن مواجهة المبانى المخالفة يجب أن تتم بإصدار قرار بوقف كافة أعمال البناء التى تتم حاليا، والتصالح على المبانى المخالفة فى السنوات السابقة بشرط التقرير الفنى الهندسى الذى يؤكد السلامة الإنشائية للعقار، و إلا يتم هدم العقار حرصا على الأرواح، بالإضافة إلى البحث عن القائم بالأعمال و تعقبه لسداد غرامات أعماله المخالفة، وذلك لأن القائم بالأعمال (المالك الفعلى ) تحايل على القانون و على الجهة الإدارية و على مشترى الوحدة بظهور مالك صورى يدعى " الكاحول"، و قال " : لابد أن تقوم الدولة بدورها فى ضرورة توفير السكن الملائم لمالكى الوحدات فى العقارات التى بنيت بدون أسس إنشائية سليمة و مهددة بالانهيار ".
بداية الظاهرة فى عهد "المحجوب" و تفاقمها فى فترة الانفلات الأمنى عقب ثورة 25 يناير 2011
و قد بدأت كارثة المبانى و التعليات المخالفة، فى عصر اللواء عبد السلام المحجوب المحافظ الأسبق لمحافظة الإسكندرية، والذى استغل تلك الصلاحية لإرضاء مجموعة رجال أعمال الإسكندرية والمسيطرين على سوق العقارات بها، مقابل تجميل كورنيش الإسكندرية وتجميل صورته على حساب أرواح المواطنين فيما بعد، وهو ما عانت منه الإسكندرية مؤخرًا من مسلسل انهيار العقارات.
و قد ارتفع عدد قرارات الإزالة للعقارات المخالفة فى أعقاب ثورة 25 يناير من 12 ألف قرار إزالة إلى 30 ألفًا، وذلك نظرًا لاستغلال المقاولين لحالة الانفلات الأمنى، وقاموا ببناء مبانٍ مخالفة وبعضها تم بناؤه على عقارات صادر لها قرارت إزالة بالفعل لتهالكها.
ويعد حى المنتزه هو أكثر الأحياء التى تشهد مخالفات شديدة فى البناء، حيث تم بناء آلاف العقارات بدون تراخيص فى الفترة التى أعقبت الثورة، يليه حى وسط ثم حى شرق.
أفظع كوارث انهيار العقارات المخالفة و غير المرخصة بالإسكندرية
و قد شهدت الإسكندرية فى السنوات الخمس الأخيرة عددا من الكوارث، شكل مسلسلا لانهيار العقارات المخالفة على رؤوس ساكنيها، راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء.
ففى يوليو 2012 - على سبيل المثال لا الحصر - وقعت كارثة مروعة، عندما انهار عقار مخالف حديث البناء مكون من 13 دورا بشارع البطارية بعرض 2 متر فقط، سقوط المبنى بالكامل على 4 عمارات أخرى مجاورة ، مما تسبب فى وفاة أكثر من 19 شخصا وإصابة 7 آخرين واستمرار عملية استخراج أحياء من تحت الأنقاض 12 ساعة .
و فى يناير 2013 انهار عقار حديث البناء غير مرخص، بمنطقة المعمورة البلد، و تسبب فى مقتل 4 أشخاص و إصابة 7 آخرين .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة