رقابة عبدالستار فتحى ترى يوسف إدريس محرضا على زنى المحارم.. الأديب الراحل يكشف عن التواطؤ ويعرى الفقر.. والرقابة تجبر لينين الرملى على تغيير معالجته السينمائية
الأربعاء، 14 أكتوبر 2015 11:20 ص
الدكتور عبدالستار فتحى
تحليل تكتبه: علا الشافعى
الأديب الراحل يوسف إدريس كان واحدا من أهم كتاب القصة القصيرة فى عالمنا العربى.. يملك إدريس حسا إنسانيا خالصا، ودائما ما يغوص فى عوالم النفس البشرية بكل تناقضاتها، يعرينا ويكشف المسكوت عنه من زيف اجتماعى نستسلم له تحت رشق سكاكين الآخر الذى يدس أنفه فيما لا يعنيه، نهلت السينما والمسرح من أعماله وقام بصياغة السيناريو والحوار للعديد من الأفلام التى صارت أيقونات للسينما المصرية فى الستينيات والسبعينيات وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضى.
اليوم.. ورغم كل التطور صار يوسف إدريس مرفوضا من رقابة الدكتور عبدالستار فتحى، حيث صار محرضا على زنى المحارم، هكذا وبجرة قلم اختزل موظفو الرقابة رائعته «بيت من لحم» فى تحريضه على الزنى، هذا كل ما وجدوه فى ثنايا القصة القصيرة التى تكشف عورات مجتمع كامل يعيش على التواطؤ ليدارى عوراته يكشف المصارحة والوضوح، مجتمع يدمن القبح ولم يعد يعرف للجمال معنى، والمفارقة أن «بيت من لحم» التى صاغها إدريس عام 1971، تبدو وكأنها كتبت اليوم تعبر عما نعيش فيه بدقة من خلال حكاية شديدة الرهافة نسجها إدريس بعبقرية، وسأسرد جزءا منها:
(الخاتم بجوار المصباح.. الصمت يحل فتعمى الآذان.. فى الصمت يتسلل الأصبع.. يضع الخاتم فى صمت أيضا يطفأ المصباح والظلام يعم.. فى الظلام أيضا تعمى العيون.. الأرملة وبناتها الثلاث والبيت حجرة والبداية صمت.. الأرملة طويلة بيضاء ممشوقة فى الخامسة والثلاثين.. بناتها أيضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الأسود بحداد أو بغير حداد.. صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين.. قبيحات ورثن جسد الأب الأسمر الملىء بالكتل غير المتناسقة والفجوات، وبالكاد أخذن من الأم العود.. الحجرة رغم ضيقها تسعهن فى النهار.. رغم فقرها الشديد مرتبة أنيقة، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الإناث الأربع.. فى الليل تتناثر أجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى، بعضها فوق الفراش، وبعضها حوله، تتصاعد منها الأنفاس حارة مؤرقة، أحيانا عميقة الشهيق.. الصمت خيم منذ مات الرجل، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل.. انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وأبرزها الصمت.. صمت طويل لا يفرغ إذ كان فى الحقيقة صمت انتظار، فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون).
من منكم يشعر أن هذه الصورة بعيدة عن مجتمعاتنا؟ كم أسرة تعيش فى العشوائيات وتفترش الأرض مع عدد قضايا الاغتصاب والتحرش؟ ما هى أرقام البطالة والعنوسة فى مصر، ببساطة إدريس يعرى كل ما هو ناتج عن الفقر فى مجتمع يرضخ تحت وطأته.
الكاتب المبدع لينين الرملى قام بعمل معالجة جديدة لفيلم روائى طويل لـ«بيت من لحم» وقدمها للرقابة، ولكن رقابة الموظفين والمتطرفين وأصحاب العقول المنغلقة، والملكيون أكثر من الملك، لم يروا فيها غير الإساءات، والمفارقة أن نفس القصة سبق تقديمها فى معالجات مختلفة وبعضها مثل مصر فى مهرجانات.. وحصل على جوائز.. وتلك الحالة تؤكد أن القادم أسوأ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأديب الراحل يوسف إدريس كان واحدا من أهم كتاب القصة القصيرة فى عالمنا العربى.. يملك إدريس حسا إنسانيا خالصا، ودائما ما يغوص فى عوالم النفس البشرية بكل تناقضاتها، يعرينا ويكشف المسكوت عنه من زيف اجتماعى نستسلم له تحت رشق سكاكين الآخر الذى يدس أنفه فيما لا يعنيه، نهلت السينما والمسرح من أعماله وقام بصياغة السيناريو والحوار للعديد من الأفلام التى صارت أيقونات للسينما المصرية فى الستينيات والسبعينيات وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضى.
اليوم.. ورغم كل التطور صار يوسف إدريس مرفوضا من رقابة الدكتور عبدالستار فتحى، حيث صار محرضا على زنى المحارم، هكذا وبجرة قلم اختزل موظفو الرقابة رائعته «بيت من لحم» فى تحريضه على الزنى، هذا كل ما وجدوه فى ثنايا القصة القصيرة التى تكشف عورات مجتمع كامل يعيش على التواطؤ ليدارى عوراته يكشف المصارحة والوضوح، مجتمع يدمن القبح ولم يعد يعرف للجمال معنى، والمفارقة أن «بيت من لحم» التى صاغها إدريس عام 1971، تبدو وكأنها كتبت اليوم تعبر عما نعيش فيه بدقة من خلال حكاية شديدة الرهافة نسجها إدريس بعبقرية، وسأسرد جزءا منها:
(الخاتم بجوار المصباح.. الصمت يحل فتعمى الآذان.. فى الصمت يتسلل الأصبع.. يضع الخاتم فى صمت أيضا يطفأ المصباح والظلام يعم.. فى الظلام أيضا تعمى العيون.. الأرملة وبناتها الثلاث والبيت حجرة والبداية صمت.. الأرملة طويلة بيضاء ممشوقة فى الخامسة والثلاثين.. بناتها أيضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الأسود بحداد أو بغير حداد.. صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين.. قبيحات ورثن جسد الأب الأسمر الملىء بالكتل غير المتناسقة والفجوات، وبالكاد أخذن من الأم العود.. الحجرة رغم ضيقها تسعهن فى النهار.. رغم فقرها الشديد مرتبة أنيقة، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الإناث الأربع.. فى الليل تتناثر أجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى، بعضها فوق الفراش، وبعضها حوله، تتصاعد منها الأنفاس حارة مؤرقة، أحيانا عميقة الشهيق.. الصمت خيم منذ مات الرجل، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل.. انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وأبرزها الصمت.. صمت طويل لا يفرغ إذ كان فى الحقيقة صمت انتظار، فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون).
من منكم يشعر أن هذه الصورة بعيدة عن مجتمعاتنا؟ كم أسرة تعيش فى العشوائيات وتفترش الأرض مع عدد قضايا الاغتصاب والتحرش؟ ما هى أرقام البطالة والعنوسة فى مصر، ببساطة إدريس يعرى كل ما هو ناتج عن الفقر فى مجتمع يرضخ تحت وطأته.
الكاتب المبدع لينين الرملى قام بعمل معالجة جديدة لفيلم روائى طويل لـ«بيت من لحم» وقدمها للرقابة، ولكن رقابة الموظفين والمتطرفين وأصحاب العقول المنغلقة، والملكيون أكثر من الملك، لم يروا فيها غير الإساءات، والمفارقة أن نفس القصة سبق تقديمها فى معالجات مختلفة وبعضها مثل مصر فى مهرجانات.. وحصل على جوائز.. وتلك الحالة تؤكد أن القادم أسوأ.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة