يساوى الشاعر العربى الكبير بدر شاكر السياب بين الوفاء للوطن والوجود، فيقول فى قصيدته الشهيرة «غريب على الخليج» المكتوبة فى الكويت سنة 1953
«إنى لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟
ومع استقباح الجميع للخيانة بكل مفرداتها لكننا قد نقف موقف المتحيرين إزاء اكتشاف كهذا الذى بين أيدينا الآن، فالصدفة وحدها هى التى قادتنى إلى هذا الاكتشاف الذى يعد شهادة سياسية قبل أن يكون شهادة أدبية، فوسط عشرات الكتب القديمة وجدت كتابا بعنوان «قلادة الذهب فى فرنسا والعرب» وقد دونت على غلافه جملة تقول «طبعت بمصر فى مطبعة رعمسيس سنة 1923» وما يعنى أن هذا الكتيب طبعة منذ تسعين عاما، وأن كاتبه السورى لم يجد سوى مطابع مصر لينشر من خلالها أعماله الأدبية، كما لفت نظرى أيضا عنوان الكتاب التراثى «قلادة الذهب فى فرنسا والعرب» الذى حافظ كاتبه على السجع المميز لكتابات العصور السابقة كما عرَّف الكاتب نفسه على غلاف الكتاب بأن هذا الشعر من «نظم الخور فسقفوس جرجس شلحت السريانى الحلبى واضع كتاب النجوى ومنشئ مجلة الزرقاء.. عفى عنه» وما هى إلا دقائق معدودات حتى اكتشفت أن هناك مفاجأة حقيقية تقف خلف هذا الكتيب المجهول، فما هذا الكتاب إلا قصيدة غزلية صريحة لفرنسا والفرنسيين وعلى رأسهم قائد القوات الفرنسية ومنفذ اتفاقية سايكس بيكو التى يعانى العرب منها حتى الآن، فكيف لشاعر عربى أن يتغنى بأوصاف المحتل ومحاسنه، بل كيف تجاهلت كتب الأدب هذه الظاهرة ولم تبرزها وتحللها وتخضعها للبحث والدراسة برغم أن هذه القصائد منشورة منذ وقت طويل؟ بل كيف اختفت مقدمة هذا الكتاب التى تنشر هنا والتى تؤكد قصد الشاعر دون مواربة عن ترجمات الشاعر وما تبقى من تراثه؟
رسم تخيلى لجانب من معركة بين العرب وجنود فرنسا
ويدلنا تاريخ النشر على أنه قد كتب هذا الكتاب بعد احتلال فرنسا لسوريا بثلاثة أعوام، وبعد إقرار عصبة الأمم للانتداب الفرنسى على سوريا ولبنان بعام واحد، لكن المفاجأة الحقيقية تكمن فى نص إهداء هذا الكتاب، الذى وجهه الخورفسقفوس جرجس شلحت إلى الجنرال غورو قائد قوات احتلال سوريا ومهندس تقسيم سوريا الكبرى وواضع خط الفصل بين سوريا ولبنان، وهو ما يعد صدمة كبيرة للمتلقى الذى سرعان ما سيكتشف أن هذا الكتاب عبارة عن قصيدة غزل صريح فى محتل صريح، وليس أدل على وضوح هذا المحتل ومباشرة مما يتناقل عنه من أن حينما احتل سوريا وقف على قبر صلاح الدين واضعا قدمه على رأس القائد الأسطورى قائلا: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.
استعراض عسكرى لقوات الاحتلال الفرنسى فى سوريا
قبيل هذا التصرف الاستعلائى الاحتلالى الصريح كان الجنرال هنرى غورو يتودد إلى الشعب السورى عبر برقيات أسقطتها طائرات العدوان الفرنسية، مصورا جنود الاحتلال وكأنهم ملائكة إذ قال فى نص خطابه: أيها السوريون، فى هذه الساعة التى تقذفكم فيها حكومتكم إلى القتال، وتستهدف بلادكم أخطار الحرب وويلاتها، أوجه إليكم الخطاب لأقول لكم السبب الذى من أجله ستقتتلون: قيل لكم إن فرنسا ترغب فى استعماركم وإنها تريد استعبادكم، وما ذلك إلا إفك مبين! إن فرنسا قبلت الانتداب الذى عهد به إليها مؤتمر السلم على سوريا، وهى ترغب، بل ترى من واجباتها أن تقوم بهذا الانتداب. لكنها، مراعاة لماضيها المجيد، ترمى من القيام بالانتداب إلى مصلحة البلاد وإسعادها مع تأمين استقلال أهالى سوريا الذى سبق الاعتراف به بصورة جهارية»، وما أن هبطت الطائرات واستقر الرصاص فى قلوب السوريين حتى وضع غورو حذاءه على قبر صلاح الدين.
القائد السورى يوسف العظمه
أما الشاعر الذى نحن بصدده فهو الخورفسقفوس جرجس شلحت وهو وإن كان غير معروف على نحو واسع هذه الأيام لكننا من خلال استطلاع الكتابات المعاصرة له، والاطلاع على كتابه محور الدراسة نتأكد من أنه لم يكن شاعرا مجهولا سواء فى مصر أو فى سوريا وإذ طالعنا ترجمته فى كتاب «أدباء حلب ذوى الأثر فى القرن التاسع عشر» سنجد صاحب المصنف وقد أفرد له مساحة وافية شارحا ما يتمتع به من خصال حميدة، غير أنه لم يذكر كتاب «قلادة الذهب» فى هذه الترجمة برغم صدور «أدباء حلب» بعد سنتين من صدور «قلادة الذهب»، وجدير بالذكر أيضا أن نشير إلى أن «قلادة الذهب» قد اختفى من معظم التراجم التى تعرضت لحياة الشاعر.
قبر صلاح الدين الأيوبى الذى وضع غورو قدمه فوقه
ويقول قسطاى الحمصى مؤلف «أدباء حلب» فى صفحة 122 إن شلحت «أديب ولوع بالعلوم، قد ضرب سهما فى المنثور والمنظوم، وهو من العلماء المحققيtن وجهابذة أهل النظر الراسخين، وقد عرفناه فلم نذمم معرفته، وعاشرناه دهرا فحمدنا صحبته وألفته، مهذب العبارة، حسن الإشارة، فصيح اللسان، فسيح البيان، غزير المادة واسع الحفظ جميل الخط صادق العهد جميل الود، مأمون الغيب، رقيق الحاشية مليح النكتة فكه الأخلاق، سريع الفهم ملتهب الذكاء».
الاقتباس السابق يدل على أن الخورفسقفوس جرجس شلحت كان يتمتع بسمعة طيبة بين أقرانه من المثقفين والكتاب، حتى أن كاتب هذا المصنف أوجز ما يمكن أن يقال فى هذا الأمر، مؤكدا أنه كان ممدوحا غير مذموم، قائلاً: «وقد عرفناه فلم نذمم معرفته» وبعد أن يستفيض فى شرح صفات «شلحت» الأخلاقية يسترسل أيضا فى وصف صفاته الخلقية، قائلا: إنه كان «معتدل القامة إلى الطول، ممتلئ الجسم إلى السمن، قوى البنية، وضاح المحيا، صبيح الوجه أسود العينين واسعهما، معتدل الأنف والفم، أسود الشعر وقد خطه الشيب قليلا».
مظاهرة نسائية ضد الاحتلال الفرنسى
وفى ذات الترجمة يطلعنا صاحب «أدباء حلب ذوى الأثر فى القرن التاسع عشر» على نبذة عن حياة «شلحت»، مؤكدا أنه تلقى علومه فى مدرسة الرهاب الفرنسيسكان بحلب ثم أكمل دروسه فى لبنان وقرأ العربية والسريانية فيها، وتعلم اللغتين الفرنسية والإيطالية، ولما رجع إلى حلب خصه عمه البطريرك جرجس شلحت بكتابته أسراره ثم سيم كاهنا ثم ترقى إلى رتبة الخور فسقفوس، ثم أنشأ مدرسة ومجلة وأتى إلى مصر مع بداية الحرب العالمية الأولى ورجع منها إلى حلب فى سنة 1921 وانتخب عضوا فى المجمع العلمى العربى فى الشام، وبحسب معجم شعراء البابطين - الذى لم يذكر «قلادة الذهب» أيضا فى تعريفه بالشاعر - فقد توفى فى حلب سنة 1928.
جنرال هنرى غورو
وقبل الغوص فى أعمال «قلادة الذهب بين فرنسا والعرب» نرى أنه من الواجب أن نلقى نظرة على الأجواء التى ألف فيها الكتاب، فقد عانت سوريا من الاحتلال الفرنسى لعشرات السنين بسبب أفعال الجنرال «غورو» الذى يمدحه «شلحت» فى الديوان، وقد جاء «غورو» إلى سوريا غازيا تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو التى قسمت المشرق العربى إلى دويلات صغيرة معتمدة على تأجيج الصراع الطائفى والمذهبى والدينى، فبموجب الاتفاقية التى وقعت فى العام 1916 منحت سوريا لفرنسا والعراق لإنجلترا، وبرغم أن الجيش الفرنسى كان وقتها من أقوى الجيوش فى العالم، لكن رجال سوريا الأوفياء أبوا أن يتركوا بلادهم لقمة سائغة للمحتل، وأصر القائد العربى الشهير «يوسف العظمة» الذى كان يشغل وقتها منصب وزير الحربية السورية على مقاومة العدوان الفرنسى مرددا قول المتنبى الشهير «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم»، فصمد أمام طائرات المحتل ودباباته وأسلحته الحديثة معتمدا على ثلاثة آلاف مقاتل بينما خصمه مسلح بأحدث الأسلحة وأوفرها، بالإضافة إلى 9 آلاف مقاتل، حتى استشهد فى المعركة مع أربعمائة من جنوده الأوفياء.
جورج بيكو ممثل فرنسا
نعود إلى «قلادة الذهب بين فرنسا والعرب» لنكتشف أن كل هذه الأجواء الوطنية غائبة تماما فى الديوان، وليس هذا فحسب، بل لنكتشف أن هذا الشاعر السورى قد تبنى وجهة نظر متناقضة تماما مع ما كان يفترض به أن يشعر به كل السوريين، فالشاعر لم يتخف ولم يتقنع أثناء مغازلة الاحتلال ورجاله، وصدر صورة للجنرال غورو فى أول صفحة فى الكتاب مذيلا إياها ببيتين من الشعر هما:
هذا الجريحُ الذى داوتْ عزائمهُ
كلومنا بعدَ إذْ عمّت مكارمهُ
بينَ السياسةِ والإقدامِ قد جمعتْ
فعالُ غورو فراعتنا عظائمه
مارك سايكس ممثل إنجلترا
وقد تتملكنا الدهشة حينما نعرف أن غورو المذكور فى البيت الثانى الذى هو القائد العسكرى الفرنسى كان مندوبا ساميا للانتداب الفرنسى على لبنان وسوريا، وهو ذاته من تولى إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 بعد فصله عن سوريا بموجب اتفاقية سايكس - بيكو بين فرنسا وبريطانيا، وهو أيضا من أراق دماء أكثر من أربعمائة جندى سورى فى موقعة ميلسون التى استشهد فيها المحارب الكبير «يوسف العظمة» لكن هذا كله لم يمنع «شلحت» من أن يهدى إليه ديوانه قائلاً: فى مقدمته إلى «الجنرال غورو» ممثل حكومتكم العظيم أهدى قلادة الذهب المزرية باللؤلؤ النظيم يا أيها الفرنسيون السراة الكرام الألى لسانهم لسان الوضوح ومداركهم أسمى من الصروح وهممهم أشمخ من الأعلام وأقوالهم درر فى النحر وأفعالهم غرر فى جبين الدهر وشيمهم أرق من سرى الأنسام.. والسلام.
وفى بداية الديوان المكون بالأساس من قصيدتين، قصيدة بعنوان «فرنسا» وفيها يتغنى الشاعر بأمجاد فرنسا ورجالها وعلمائها وفتوحاتها فيقول:
مسبّحٌ من لهُ فى الخلقِ آياتُ
همُ ملوكُ رقوا العليا بهمّتهم
فى كلِ عصرٍ فرنسا أشرقت بهمِ
أثمّةٌ ذكرهم حيٌّ وإن ماتوا
وسوقةٌ بينَ أهلِ العلمِ ساداتُ
كأنّها فلكٌ فيهِ غزالاتُ
ويمضى الشاعر حتى نهاية القصيدة معددا محاسن فرنسا وشعبها حتى يقول:
وبانتدابِ فرنسا أصحبت حلبٌ
ازدادَ رونقها حسناً بزورةِ
مندوبها الفردُ غورو وهو من نشرت
كأنّها الروضُ زانتهُ خميلاتُ
من عليهِ نم جانبِ العليا وسامات
فى الخافقينِ لهُ فى المدحِ راياتُ
وهنا نلحظ أن الشاعر لم يتفنن فى الغناء لفرنسا ورجالها فحسب، لكنه يمتدح أيضا أفعال الاحتلال مصورا أن فرنسا جعلت من حلب حدائق غناء على يد القائد «غورو» الذى يقول «إنه نشرت له فى المدح رايات» ليس هذا فحسب لكنه يتغنى أيضا بقادة فرنسا السابقين والحاليين وعلى رأسهم نابليون بونابرات الذى لفت أنظار العالم إلى أهمية احتلال العالم العربى، حتى يختم القصيدة بالقول:
أهلاً وسهلاً بهِ مذ زارنا فرجت
لا زالَ من نعمِ الرحمنِ مكتنفاً
كروبنا وبنا حفّت مسرّاتُ
ما غرّدت فى ربى النعمى هزارات
وفى الجزء الثانى من الديوان قصيدة بعنوان «العرب» وهى القصيدة الأكثر شهرة من قصيدته السابقة «فرنسا» وشهرتها تنبع من أنه حاول فيها أن يعدد مزايا العرب وأخلاقهم وخصالهم الحميدة، لكنه لم ينس فى هذه القصيدة فرنسا أيضا فقال:
هذه فرنسا وبالأفرنجِ قد عرفت
ما بيننا قدماً من عهدِ شر لهمِ
الغريب فى الأمر هو أنك لن تجد ما يشير فى ترجمات الشاعر الحديثة ما ينبئ عن توجهاته الاستعمارية بل إنك على العكس تماما تجد الكثير من ثناء البعض عليه، وأشهرهم المفكر الإسلامى الشهير محمد كرد على صاحب كتاب «الإسلام والحضارة العربية» الذى يتحدث فيها عن أسباب الهجوم على تاريخ الإسلام، وجفاء الغربيين ومنازع الناقدين، والشعوبية وأهدافها، وما تثيره حول الإسلام من شبهات، وقد أثبت «شلحت» ما قاله «كرد» فيه فى آخر الكتاب حيث أورد خطاب المجمع العلمى العربى بدمشق مذيلا بتوقيع «كرد» والذى يخبر فيه المجمع «شلحت» باختياره عضوا، وقد جاء فى الخطاب أن المجمع قد اختار «شلحت» بإجماع الآراء راجيا من «شلحت» أن يتفضل بالانضمام إلى نظرائه خاتما خطابه بالقول: «دمت عمادا للأدب سيدى» موقعا باسم رئيس المجمع العلمى محمد على كرد فى آزار /مارس 1923.
هكذا تزداد الصورة غموضا، شاعر عربى يتغزل فى قائد فرنسى قتل المئات من أبناء الشعب السورى واستغل خيرات البلاد لصالح بلده ومفكر إسلامى يمتدح هذا الشاعر العربى ويرجوه من أجل أن يقبل أن يكون عضوا فى المجمع العلمى العربى الذى أنشئ من أجل الحفاظ على لغة القرآن، فكيف يحدث كل هذا ولماذا؟
وقبل أن يظن أحد أن للأمر علاقة بالطائفية، وأن هذا الشاعر تجاهل جرائم الاحتلال وعدد محاسنه لوجود نوازع طائفية يجب هنا أن نؤكد أن التاريخ حافل بوجود مثل هذه الشخصيات التى تزلفت إلى المحتل وعاونته على احتلال أراضيهم واستغلال أهلهم، ولم يؤثر فى هذا انتماؤهم لذات دين المحتل أو غيره، ففى سوريا يبرز اسم المناضل «فارس خورى» كمثال للوحدة الوطنية ضد المحتل فقد كان وهو المسيحى الديانة على درجة كبيرة من الوعى الوطنى وله العديد من المواقف التى تشهد على ذلك، فنقرأ فى كتاب «فارس الخورى: حياته وعصره» الذى ألفه كل من جورج حداد وحنا خباز والصادر عن مطابع صادر/ريحانى، بيروت: فى العام 1952 أنه بعد أسبوعين من دخول الفرنسيين إلى دمشق قام غورو بجولة فى المدينة ووقف أمام «قصر المهاجرين» وفى لحظة انتشاء بالنصر أراد أن يستهزئ بالملك فيصل الذى كان يحكم سوريا قبله، فقال: «أهذا هو القصر الذى سكنه فيصل؟» فأجابه فارس خورى: «نعم، يا صاحب الفخامة، هذا هو القصر الذى سكنه الملك فيصل، وقد بناه والٍ عثمانى اسمه ناظم باشا، ثم حلَّ فيه جمال باشا، ثم الجنرال ألنبى، والآن تحلُّونه فخامتكم. وجميع مَن ذكرتُهم أكلنا معهم فى نفس القاعة، وكلهم رحلوا، وبقى القصر وبقينا نحن»، وحينما لاحظ الحضور أن غورو قد غضب أراد أحدهم أن ينبه «خورى إلى فداحة ما قاله قائلاً: «منذ هذا اليوم انتحرت، ولن تقوم لك قائمة مع الفرنسيين»، فأجابه «خورى»: «وأنا أيضًا لم أرغب أن تقوم لى قائمة، وإنما هى معركة ولن تنتهى حتى يرحلوا». أما المشهد التاريخى الذى حفره ذلك المناضل المسيحى فى تاريخ سوريا وصار أسطورة حية للوحدة الوطنية هو أنه كان يقود المقاومة ضد الفرنسيين وسمع أن الجنرال غورو قد قال إن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيى الشرق، فما كان من فارس الخورى إلا أن قصد الجامع الأموى فى يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعى أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحى من هذا المنبر «أشهد أن لا إله إلا الله».
أما فى مصر فقد شهدنا حالات مماثلة أثناء فترة الاحتلال الفرنسى لمصر، وللأسف فقد نجح نابليون فى استمالة الكثير من المصريين إليه ولدينا مثالان بارزان على هذه الحالة، الأول هو المعلم يعقوب ذلك القبطى الذى كان عونا للاحتلال ورجاله مسخرا نفسه لخدمة المحتل وتنفيذ أبشع أوامره، أما المثال الثانى فهو للأسف شيخ من شيوخ الأزهر هو الشيخ البكرى الذى بذل كل ما فى وسعه من أجل نيل رضا نابليون، لكن للأسف أبرز الطائفيون قصة «المعلم يعقوب» لتأجيج المشاعر الطائفية وتجاهلوا قصة الشيخ البكرى على ما بها من خزى وخذلان.
وليس أدل على استمالة نابليون للشيخ البكرى من ذلك المشهد الذى يحكى المؤرخ الشهير عبدالرحمن الجبرتى فيقول إنه بعد فشل الحملة على عكّا توجَّهَ بونايرت إلى مصر وكى يعوّض فشلَه أمر بترتيب استقبالٍ مهيبٍ لجيشه على أبواب المدينة، فحَضَرَ أشرافُ القاهرة وتجّارُها وكبارُ رجال الدولة وبعضُ الجنرالات الفرنسيين. وكان بين الحضور الشيخ خليل البكرى، الذى قدّم لبونايرت جوادًا عربيّاً أصيلاً أسودَ اللون، يمسك بزمامه المملوكُ رستم رضا، ورجاه أن يتقبّل «الهديّتين» معًا أى الفرس ورستم، ولم يقف الأمر حتى هذا الحد فيقال أيضا إن الشيخ البكرى قد أهدى إلى نابليون ابنته «زينب» فعينه نقيبا للأشراف بعد فرار الشيخ عمر مكرم مع المماليك إلى الشام، ويقال أيضا إن «البكرى» كان يحتسى البراندى والبرجندى الفرنسى كل ليلة ويحلم بأنه يصبح حما السلطان الكبير نابليون، وسارت الشائعات فى القاهرة مؤكدة أن «زينب» أصبحت عشيقة نابليون ولبست الفستانات والمناديل الملونة والطرح الكشمير وخالطت المجتمع الفرنسى، وبعد جلاء قوات الحملة الفرنسية بدأت عملية معاقبة النسوة ومنهن ابنه الشيخ البكرى وبحسب «الجبرتى» فقد طلبت السلطات ابنه الشيخ البكرى فأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله، فقالت إنى تبت من ذلك، فقالوا لوالدها ما تقول أنت ؟ فقال: أقول إنى برىء منها فكسروا رقبتها.
وقبل أن يظن أحد أن المقصود بهذا العرض السريع لهذه القضية الشائكة هو فضح أحد أو تعرية أحد، لكن المقصود هنا هو كشف أن للمخططات الاستعمارية وسائل عدة ومنها أن يستعمر العقل وأن يجند المحتل عقول أبناء البلاد دون أن يشعروا فينساقوا إليه دون تعب أو جهد، وهو الأمر الذى يتكرر دوما فى كل حين، وما أحوجنا للتذكير الآن بأجواء سايكس بيكو القديمة خاصة أننا نعيش بحسب تعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل «سايكس بيكو جديدة» ونرى نتائجها ومخططاتها وعملاءها كل يوم، وغاية القول إن لكل عصر ظروفه وملابساته ووقائعه، لكن على ما يبدو فإن التاريخ لا يمل من تكرار حوادثه مهما اختلفت الصور، غير أن التاريخ ذاته لا ينسى مهما بعد الأجل، فقد نسى «جرجس شلحت» كما نسى «الشيخ البكرى» بينما ظل «فارس الخورى» علما من أعلام التاريخ السورى كما بقى عمر مكرم علما من أعلام تاريخ مصر.
وائل السمرى يكتب: قصائد الحب الحرام.. قراءة تحليلية فى طبعة نادرة من ديوان شاعر سورى يتغنى بأمجاد الجنرال «غورو» الذى دخل دمشق فوضع قدمه على قبر صلاح الدين وقال مستهزئا: «ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين»
السبت، 20 سبتمبر 2014 05:34 م
القائد السورى يوسف العظمه
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة