طارق ناجح يكتب: البابا شنودة الثالث.. شاعراً

الجمعة، 22 أغسطس 2014 10:09 م
طارق ناجح يكتب: البابا شنودة الثالث.. شاعراً البابا شنودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
البابا شنوده الثالث (١٩٢٣-٢٠١٢).. قالوا عنه فيلسوف القرن العشرين.. وأعلنته الكنيسة القبطية قديسا من القديسين.. وهو بحق حبيب الملايين.. مسيحيين ومسلمين.. فالمحبة والتسامح هى أساس كل دين.. إذا استمعت لبعض أحاديثه أو عظاته سيُدهشَك بقوة حُجَتُه وسلامة أفكاره وذهنه اليقظ الحاضر وخفة ظِلِّه (قفشاته الحاضرة) وذاكرته الفولاذية (فهو يحفظ الكتاب المُقَدَّس عن ظهر قلب، بأسْفَارِهِ وأصْحاحاته وأعداده ( آياته ) وأرقامِها، إلى جانب مئات الكتب التى قرأها خلال رحلة حياته سواء دينية، تاريخية، أو أدبية)، وهو دائماً لديه إجابة لأى سؤال، فهو موسوعى المعرفة الدينية والثقافية، فهو بحق مُعَلِّم الأجيال على مدار أكثر من نصف قرن منذ آن ألقى على عاتقه مسئولية الخدمة الدينية أسقفاً للتعليم على يد البابا كيرلس السادس ثُمَّ بطريركاً خلفا له (١٩٧١-٢٠١٢).

ومما يعرفه الكثيرون أن البابا شنودة كان شاعراً قديراً، حفظ آلاف الأبيات من الشعر الجاهلى وحتَّى الحديث، ولكن بسبب نشأته الدينية ثم رهبنَته فى سن الشباب، وانخراطه فى الخدمة الدينية، جعل ما وصل إلينا من شعره هو الدينى والروحى لراهب زاهد فى الدنيا ومُتَعِها يهيم على وجهه فى الصحراء يلهج لسانه بالتسبيح والتراتيل أو قابعاً فى مغارته يقرأ تعاليم وسِيَّر الرهبان الأولين وتَفَاسيرَهُم. يحيا كطيف أو خيال ليس له غرضاً أو هدفاً سوى الحياة مع الله بين الكهوف والجبال، حيث السكون والصمت الرهيب والإحتمال. وهو ما عبًّر عنه فى قصيدة "من تكون"، والتى نظمها فى مغارته سنة ١٩٦٠، حيث قال فيها :
كُلَّ ما هو لك صمت وسكون .. وهدوء يكشف الْسِّر المصون
اعتزلت الناس حَتَّى ما ترى .. غير وجه الله ذى القلب الحنون

وفى عام ١٩٤٦م، وفى سنوات رهبنته الأولى، راح البابا شنودة يُعَبِّر عن الدوافع والأسباب التى دفعته إلى الرهبنة فى قصيدة "غريب" حيث يقول:-
تركت مفاتن الدنيا .. ولم أحْفَل بناديها
ورحت أَجُّر تِرحالى .. بعيداً عن مَلَاهِيها
أطوف ههنا وحدى .. سعيداً فى بواديها
بِقيثارى ومِزمَارى. .. وألحان أُغَنَّيها
وساعات مُقَدَّسةٍ. .. خَلُوت بخالقى فيها

وفى مغارته الكائنة فى صحراء مصر الغربية، والتى تبعد عن الدير ساعة أو بعض ساعة سيرا على الأقدام، وفى عام ١٩٦١م، نَظَمَ قَصيدَّته "همسة حُبٍّ"، والتى قد يظن القارئ للوهلة الأولى من عنوانها، أنها عن العشق والهوى. هى حقاً عن العشق، ولكن ليس عشق الرجل لإمرأة بل عشق يذوب فيها القلب والنفس فى الذات الإلهية، وهى أقصى ما يطمح اليه العابد الزاهد ( فى كل الأديان وعلى مَّر الزمان )، حيث قال :-
قلبى الخفَّاق أضحى مَضجعك .. فى حنايا الصدر أخفى موضعَك
قد تركت الكون فى ضوضائِه .. واعتزلت الكل كى أحيا معك
ليس لى فكر ولا رأى ولا .. شهوة أخرى سوى أن أَتبَعَك

ومن قصيدَّته "تائه فى غربة"، والتى نَظَمَهَا أيضاً فى المغارة عام ١٩٦١م، فيقول بلسان الراهب العابد الزاهد :-
لست أدرى كيف نمضى أو مَتى .. كل ما أدريه أنَّا سوف نمضى
فى طريق الموت نجرى كلنا .. فى سباق، بعضنا فى إثر بعض
كبخار مضمحل عمرنا .. مثل برق سوف يمضى، مثل وَمض

ويكمل قائلاً :-
قُلْ لمن يبنى بيوتاً ههنا .. أيها الضيف، لماذا تبنى؟
قُلْ لمن يزرع أشواكاً كفى. .. هو نفس الشوك أيضاً سوف تجنى

وكما ترى عزيزى الـقارئ، كم كان قداسة البابا شنودة متمكناً من مفرداته اللغوية، وكيف كانت مطية سهلة يجوب بها فى عالم الشعر فى سهولة ويسر.

وهكذا أيضاً عزيزى القارئ، فإن كل الأديان السماوية تؤكد أن كل ما على وجه الأرض فانٍ، ولا يصحب الإنسان معه إلى العالم الآخر سوى عمله الصالح، وإيمانه بالله الواحد الذى يشرق شمسه على الصالحين والطالحين، على الأشرار والطيبين، وحسابه فى المنتهى، يوم قيامة الخلق أجمعين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة