المشاهد المؤلمة لحيوانات نال منها التعذيب تملأ شوارعنا للأسف، بين قطة دهستها سيارة، وكلب نجا بمعجزة من محاولات الأطفال لحرقه أو إغراقه، ودواب يسىء أصحابها معاملتها، وتختلف ردود أفعالنا تجاهها، بين من يشيح ببصره بعيدًا كى "لا يؤذى عينه بهذا المنظر"، وبين من يكتفى بالتأسف لحالها والتصعب عليها، ولكن هناك من يرفضون الاكتفاء بالتعاطف معهم ويأخذون موقفًا أكثر إيجابية، ويأخذون خطوة لإنقاذ هذه الروح التى تتألم من دون أى جريمة أو ذنب.
"ما فيش فرق عند ربنا بين روح الإنسان وروح الحيوان" هكذا تختصر السيدة "أمينة أباظة" ابنة الكاتب والروائى الراحل "ثروت أباظة" الفكرة التى دفعتها إلى إنشاء أول جمعية للرفق بالحيوان فى مصر "S.P.A.R.E".
تقول أمينة لـ"اليوم السابع": "أنا مهتمة بالحيوانات منذ طفولتى، ويؤلمنى كثيرًا ما أراه من سوء معاملتها فى مصر، وبعد سنوات من التفكير قررت أن آخذ خطوة نحو تغيير هذا الوضع، وأنشئ جمعية للرفق بالحيوان، خاصة مع تشجيع ودعم زوجى ووالدى لى لإنشائها، وبالفعل بدأت الخطوات وواجهت صعوبات عدة ولكننى لم استسلم، بدءًا من عقبات تسجيل وإشهار الجمعية التى لم تعترف بها الشئون الاجتماعية، حتى نشاطها لم يكن مدرجًا ضمن تصنيفات الجمعيات الموجودة، واضطررت إلى تصنيفها كجمعية بيئية، كذلك واجهت سخرية من الناس، من مختلف المستويات الاجتماعية"، تضيف "يقولون بسخرية نساعد الإنسان أولاً ثم نساعد الحيوان، ولكنهم لا يساعدون هذا ولا ذاك".
تتابع: "زادنى إصرارًا على موقفى وإيمانًا بأهمية ما أفعل أننى قرأت عن حقوق الحيوانات فى الإسلام، فكيف نخجل من الدفاع عن حقوق الحيوان فى مصر؟ عرفت أن هناك فقهًا لحقوق الحيوان وضعت أسسه فى ظل ظروف الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية وسط الحروب والفقر، فكيف يتحجج البعض بأن ظروفنا السيئة هى سبب انتهاكنا لحقوق الحيوان وعدم اهتمامنا به؟".
"الدفاع عن حقوق الحيوان مش رفاهية.. دا تطبيق لأمر ربنا بالرحمة" تشدد مؤسسة الجمعية أمينة أباظة، مؤكدة أن البعض يستهين بنشاطات جمعيات الرفق بالحيوان وينادى بأن ندافع عن حقوق الإنسان قبل ذلك، "لكن اللى مش هيرحم الحيوان الضعيف مش هيرحم البنى آدم".
يضيف "نور دياب" مدير عام الجمعية "عدم إيمان الناس بأهمية الرفق بالحيوان، والسخرية منه يتسبب فى قلة التبرعات للجمعية، بالتالى يجعلنا نعانى كثيرًا من أجل الاستمرارية، فاضطررنا إلى تقديم خدمات بيطرية لأهالى المنطقة بمقابل رمزى لتوفير دخل ينفق على أنشطة الجمعية فى مساعدة وإنقاذ الحيوانات، خاصة بعد الثورة لغياب تبرعات الأجانب الذين رحلوا عن مصر، وهو وضع مؤسف أن غير المسلمين يرفقون بالحيوان والمسلمون لا يرفقون بهم، بل ويتسببون فى إيذائهم وإفقادهم حياتهم".
تابع: "للأسف سوء معاملة الحيوان فى مصر يعكس صورة سيئة جدًا عن مصر أمام السائحين، وبعضهم يرفض العودة لمصر مرة أخرى لما يراه من انتهاكات للحيوان، مثل القطط والكلاب التى يعذبها الأطفال فى الشوارع، والجمال والأحصنة التى يساء معاملتها فى منطقة الهرم، وكل ما يشاهدونه فى الشوارع".
الجمعية التى تتضمن ملجأً للقطط والكلاب وملجأ آخر منفصل للحمير التى يسىء أصحابها معاملتها، لا تتوقف أنشطتها عند هذا الحد، بل تمتد إلى توفير الخدمات البيطرية إلى سكان منطقة شبرامنت حيث يقع مقر الجمعية، إضافة إلى حماية حقوق الحيوانات العاملة كالحمير والأحصنة والأبقار وغيرها من الدواب، وحيوانات المزارع التى تذبح وتؤكل، وكذلك الحيوانات البرية النادرة المعرضة للانقراض ومحاولات إقرار وتفعيل قوانين تدافع عن حقوق الحيوان فى مصر، ويقول "دياب" "الجمعية تتضمن 60 عنبرًا للكلاب، وغرفة قادرة على استيعاب 25 قطة إضافة إلى ملجأ منفصل للحمير فى سقارة، ونظرًا لطبيعة الجمعية فنحن نوفر للحيوانات الحد الضرورى من الرعاية وهى ما تعرف بالحريات الخمس، الطعام والشراب والعلاج والنوم والأمان".
يتابع: "لا تقتصر أنشطتنا على علاج وحماية واستضافة الحيوانات التى تتعرض لانتهاكات، بل نحاول علاج المشكلة من الأساس، وهى توعية الأطفال بأهمية الرفق بالحيوان، لأننا رصدنا أن أكثر فئة تؤذى الحيوانات هم الأطفال من الذكور فى العمر ما بين 7 إلى 17 عامًا، وهو مؤشر خطير جدًا، حيث أثبتت الدراسات أن غالبية القتلة المتسلسلين والمجرمين الأخطر فى العالم اعتادوا فى طفولتهم على إيذاء الحيوانات واتبعوا سلوكًا عنيفًا تجاههم، فضلاً عن أن زيادة العنف تجاه الحيوانات هو فى الحقيقة مؤشرًا لزيادة العنف فى المجتمع".
ومن أجل توعية الأطفال بضرورة الرفق بالحيوان تنظم الجمعية عدة أنشطة توعوية فى المدارس الحكومية والخاصة، فضلاً عن أنها تتيح للمدارس القريبة من مقرها الفرصة لزيارة الحيوانات فى الملجأ والمشاركة فى رعايتهم والتقرب إليهم، وهو ما يحقق فائدة مزدوجة للأطفال وللحيوانات التى هى بطبيعتها اجتماعية وتحتاج إلى اللعب والاختلاط بالناس، ويقول "دياب" "يوم الجمعة من كل أسبوع مخصص لاستقبال المتطوعين لمساعدة الحيوانات، ليس فقط بتبنيهم ولكن بقضاء الوقت معهم واللعب معهم".
واستنكر "نور دياب" مدير عام الجمعية طريقة تعامل الحكومة مع الحيوانات الضالة ويقول: "لا تتوقف الانتهاكات عند الناس والأطفال، بل الحكومة نفسها تتعامل بطريقة مؤسفة مع الحيوانات الضالة، فتستخدم سمومًا محرمة دوليًا لقتلها فضلاً عن قتلهم بالرصاص وكلا الطريقتين مؤلمتين، وبعيدًا عن الرحمة بالحيوان هى مؤذية للبيئة وللإنسان، بينما من الممكن أن توفر الحكومة الكثير من المال والمجهود إذا عالجت المشكلة بعمليات لتعقيم الحيوانات"، ويضيف "بحسابات بسيطة اكتشفنا أن عملية نزع قدرة قطة واحدة على الإنجاب تعنى إخلاء الشوارع من 400 ألف قطة خلال عام واحد، لأن العقم يمنعها من التكاثر ويمنع عددهم من التضاعف بهذه الدرجة الكبيرة".
13 عامًا مضت على إنشاء الجمعية، نجحوا خلالها فى إنقاذ حياة عشرات الدواب التى أهمل أصحابها فى رعايتها، حتى لو اضطروا لشرائها، إضافة إلى علاج وإعقام العشرات من كلاب وقطط الشوارع، واستضافوها حتى يجدوا الشخص المناسب ليتبناهم فى بيته، ثم متابعته للتأكد من أنه يعيش فى ظروف مناسبة، وسحب الحيوان منه إذا ثبت أن من تبناه لا يوفر له المناخ الملائم والحياة المناسبة، وتقول أمينة أباظة "لم نبحث أبدًا عن البروبوجندا وجذب الأضواء، ولكننا نأمل أن يعرف الجميع بأنشطة الرفق بالحيوان ليساعد الحيوانات على الأقل بألا يسىء معاملتها وأن يتركها فى حالها، صعوبة الظروف التى نعيشها قد تبرر للبعض عدم قدرته على تبنى حيوان أو إطعامه ولكنها لا تبرر أبدًا إيذائه وقتله وسوء معاملته".
"كل كلب هنا له حكاية.. وأنا عارفها" يقول "عم حسن" العامل بالجمعية والذى يهتم بطعام الحيوانات ونظافتهم، ويضيف "أنا أصلاً بحب الكلاب علشان كده اخترت اشتغل هنا، وشغال هنا لسنين، عارف كل حكاية كلب هنا" يشير إلى أحدهم "الكلب دا كان من الزمالك، صاحبته زهقت منه فجأة وسابته"، يشير لآخر "والكلب دا كان بتاع لوا فى الداخلية.. مشى وساب البلد بعد الثورة وسابه هنا"، وغيرها من القصص التى يرويها "عم حسن" كأنها قصص معارف قدامى يهتم لأمرهم كثيرًا، ويبدو حبه للكلاب واضحًا فى نظرته إليهم، وفى إحساسهم به.
ويقول مدير عام الجمعية "يتواجد طبيب بيطرى بالجمعية يشرف على الحالة الصحية للحيوانات هنا، ونستعين بطبيب إضافى من أجل عمليات الإعقام أو العمليات الجراحية للحيوانات المصابة التى تصلنا، مثل حالات الكسر أو الحرق أو بتر أحد أعضاء الحيوانات، وهى حالات تتكرر كثيرًا خاصة بين الكلاب الذين يتعرضون لأذى كبير على أيدى الأطفال".
بالصور.. "سبير" أول جمعية للرفق بالحيوان فى مصر.. تقابل السخرية بالإصرار.. وتنتقد تجاهل فقه حقوق الحيوان فى الإسلام.. وتحذر: سوء معاملة الحيوانات يعكس صورة سلبية عن مصر أمام السائحين
الأحد، 25 مايو 2014 06:05 م
جانب من نشاط الجمعية
كتبت سارة درويش
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة