فى بداية الألفية كان شكل الشارع مختلفا، علامات تجارية حجزت لنفسها مكانا واضحا فى الشارع، بعضها أتى عبر التكنولوجيا الحديثة والبعض الآخر عبر تغيرات فى المجتمع ولكن جميعها لم تتمكن من تثبيت أقدامها بقوة فى الأرض المصرية لتختفى مع الوقت دون أن يشعر بخروجها أحد، لتحل محلها علامات وأدوات أخرى حجزت نفس المكان فى الشارع.
السنترال.. ومين ينسى الدقيقة "بخمسين قرش"
محل صغير، مجموعة كبائن خشبية رخيصة مرصوصة إلى جوار بعضها، هاتفان محمولان طراز قديم مربوطين فى سلسلة بقوة، بهذه التفاصيل البسيطة رسم "السنترال" مشروع العمر بالنسبة لكثير من شباب بداية الألفية، سواء فى الأزقة والحوارى الشعبية أو شوارع المدينة الواسعة انطلقت حمى "السنترال الشعبى" بسعر دقيقة "50 قرش"، هذا السعر كان كافيا لتمتلئ السنترالات فى كل مكان بعشرات الزبائن، فتيات اقتطعن من مصروفهن بضع جنيهات ليتحدثن لحبيبهن قبل الوصول إلى المنزل، وشباب تغلبوا على سعر الدقيقة الذى كان يصل إلى جنيه وجنيه ونصف وعلى المصاريف الإدارية التى كانت تسحب من كارت الهاتف أكثر مما تبقى ومع الوقت تطور بعضها ليواكب العصر ويصبح محل هواتف محمولة حديث أو انقرض بعضها وغير نشاطه إلى مهنة أخرى.
"ميناتل".. ملجأ الحبيبة الذى تحول إلى خردة
فى بداية الألفية انتشرت ثقافة الهواتف المحمولة فى مصر، غير أن ارتفاع أسعار كروت الشحن وثمن الدقيقة فى مكالمات الموبايل شكل مشكلة كبيرة لأبناء هذا الجيل وخصوصا من الحبيبة الذين لا تكفيهم دقيقة أو دقيقتين، وهنا ظهرت كابينة الميناتل كحل سحرى لمن لا يملكون هواتف محمولة فى جانب، ومن يريدون التوفير فى جانب آخر، وتناثرت الكبائن على أرصفة الشوارع وبدأت تظهر إلى جوارها مجموعة أخرى من الشركات المنافسة أبرزها رينجو، وأصبحت كروتها سلعة رئيسية فى كل أكشاك المحروسة، وعلى مدار سنوات طويلة حملت هذه الكبائن ذكريات ومغامرات جيل كامل، على أبواب المدارس الثانوية والجامعات كان يقف الحبيبة بالطوابير فى انتظار دورهم فى كابينة الميناتل، وعلى الرغم من أن الكبائن الحديثة فى ذلك الوقت كانت تترك فى الشوارع بدون رقابة لم يحاول أحد سرقتها، وظلت الكبائن طوال فترة احتياج الشعب لها تحت حماية شعبية، حتى بدأت شركات المحمول فى تخفيض أسعار خدماتها وبدأت الحاجة لهذه الكبائن تخفت يوم خلف الآخر حتى انتهت تماما، وفى هذا الوقت تقريبا بدأت الحماية الشعبية تنتهى هى الأخرى لتتحول الكبائن إلى لقمة صائغة فى أيدى تجار الخردة والسارقين الله ما إلا كبينة أو اثنتين مازالت بقاياهما فى الشوارع شاهدة على ذكريات الميناتل.
بائعو الكاسيت.. يا عينى على الحلو لما تبهدله الأيام
على الرغم من ظهور شرائط الكاسيت فى بداية ستينيات القرن الماضى، إلا أن انتشار صناعة الشرائط فى التسعينيات وبداية الألفية جعلها فرصة ذهبية لانتشار بائعى الكاسيت، ولم يعد الأمر متوقفا على محلات الكاسيت المعروفة، بل ظهر الشريط المضروب "أبو 2.30"، نصبة صغيرة وعلبة خشبية كانت كافية لتدخل فى بزنس "شريط الكاسيت"، الخطورة الوحيدة كانت فى التعامل مع المصنفات التى حجزت لنفسها مكان فى البزنس بعد وقت قصير ليصل ويجول البائعون فى الشوارع ويبدأون فى إطلاق الابتكارات المصرية الفريدة التى جاء أبرزها فى الشريط "الكوكتيل" الذى مثل طفرة بإمكانية وضع أكثر من ثلاثين أغنية عليه فى بعض الأوقات، قبل أن يأخذ البائعون ضربة قوية بظهور السيديهات ومشغلات الموسيقى الرقمية قبل أن تأتى الضربة القاضية فى عصر الفلاشة التى لم تترك سوى بعض البائعين يعدون على أصابع اليد الواحدة فى كل حى أغلبهم واكب التطور واتجه إلى تجارة السى دى.
البوستر.. من المغنيين للمصارعة يا قلبى لا تحزن
مع انتشار مطابع بير السلم بداية من منتصف الثمانينيات بدأت ظاهرة "البوستر" تغذو شوارع أم الدنيا، نجوم مثل عمرو دياب ومحمد فؤاد ومصطفى قمر وهشام عباس ومحمد منير كانوا أبطال هذا العالم إلى جوار بعض الممثلين العالميين أمثال أرنولد شوارزنيجر، وسيلفستر ستالون، وحتى أبطال المصارعة الحرة أمثال ستيف أوستن، والصخرة، وغيرهم، وظلت تجارة البوستر تنتعش مع تزايد الطلب عليها وزيادة عدد المطابع، حتى ظهرت الهواتف المحمولة التى تدعم خاصية الصور، وانتشرت الحواسب الآلية فى كل مكان وامتداد خطوط الإنترنت ليتحول البحث عن صورة فى الشوارع إلى ضرب من ضروب الخيال فمكاتب الصور الرقمية تطرح آلاف الصور لكل النجوم بالمجان ويمكن التنقل بها ووضعها خلفيات للهواتف ولشاشات الكمبيوتر بكل سهولة، لتختفى سريعا أيضا مثلما دخلت سريعا البوسترات التى ملأت شوارع مصر.
نادى الفيديو.. الشريط الذهبى
فى الشوارع الراقية ظهرت نوادى الفيديو على الطراز العالمى، وفى الحوارى والمناطق الشعبية ظهرت نوادى الفيديو معجونة بخلطة الجدعنة، والسماح بتأجير الشريط بالساعة فقط، أو بالنصف يوم، وبشكل عام شكلت ثقافة الفيديو حالة خاصة فى مصر، بدأت فى منازل صفوة المجتمع العائدين من دول الخليج بكاسيت "شريطين" وجهاز فيديو، وانتهت على أرصفة العتبة وشارع عبد العزيز بالأجهزة الصينية الرخيصة، وفى البداية كان فى كل شارع تقريبا جهاز فيديو أو اثنين يتجمع حولهما شباب المنطقة تقريبا، ولكن مع ظهور التكنولوجيا الرقمية وانتشار شبكات الإنترنت اختفت نوادى الفيديو من مصر تدريجيا دون أن يشعر بها أحد.
لو الغرب اخترعوا الدش.. فاحنا اخترعنا وصلة الدش
لو كان الفضل فى اختراع أجهزة استقبال القنوات الفضائية "الدش" يعود إلى الغرب، فإن المصريين كان لهم اختراعهم الخاص فى هذا المجال، اختراع خرج من قلب حوارى مصر ليحول دش واحد إلى مصدر سعادة وترفيه لمنطقة بأكملها تحت عنوان "وصلة الدش"، فى يوم وليلة ظهرت محلات تركيب "وصلة الدش"، باشتراك شهرى رمزى كانت تقدم لك مجموعة لا بأس بها من القنوات الفضائية، آلاف الشباب تحولوا إلى العمل فى هذه المهنة، حملوا بهمه لفات السلوك حول أكتافهم وتنقلوا فوق أسطح العمارات ليربطوا وصلات الدش فوق عشرات الآلاف من المنازل فى مصر، ولكن مع مرور السنوات أصبح سعر الدش كاملا أقل من تكاليف الوصلة فى شهور قليلة، ولذلك بدأت الوصلة هى الأخرى فى الاندثار يوما تلو الآخر، وفى هدوء اختفت من حياتنا بعدما تركت لنا الكثير من الذكريات.
اختفاء شارع بداية الألفية بهدوء.. السنترال ولافتة "بخمسين قرش".. كابينة الميناتل ملجأ الحبيبة.. بائعو شرائط الكاسيت أبو "اتنين ونص".. عالم البوسترات.. ونوادى الفيديو.. ومحلات "وصلة الدش"
الأحد، 07 ديسمبر 2014 05:05 م
كابينة ميناتيل
كتب حسن مجدى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة