البحث عن العالم المفقود، أو الجنة الضائعة، من باب البحث عن الجمال أو من باب الإحساس بالذنب أو حتى من باب أنها مادة ثرية للكتابة تفتح المجال أمام قدر كبير من الكتابات الجيدة التى تتعلق بأحلام لم ترها الأجيال الحالية، ومن ذلك الكتابة عن الأندلس الحلم العربى الإسلامى الذى ضاع وترك غصة فى الحلق.. فكثير من الروايات والدواوين الشعرية خاضت فى هذه المنطقة المشبعة بالحنين فى تاريخنا العربى والإسلامى، وربما كان رحيل رضوى عاشور مناسبة لفتح هذا الباب.
كان رحيل الروائية والناقدة رضوى عاشور ثقيلاً بحجم صخرة على قلب رجل أنهكه التعب فى صحراء، وذلك لأن هذه الأيقونات الجميلة التى كانت تملأ حياتنا بالدفء وتعطى أرواحنا فرصة كى تحلق معتمدة على وجود هذا الجمال الركين وقد أصابها الوهن فجأة بسبب رحيل هذا الجمال، لكن عندما يرحل الندى يظل أثره فى الأرض، وقد تركت رضوى عاشور عددًا من الكتابات الخالدة، ومن ذلك أنها لفتت الأنظار بشدة ناحية الفردوس المفقود "الأندلس" فى "ثلاثية غرناطة.
الكتابة عن الأندلس قديمة ربما كانت البداية مع:
غلاف رواية فتح الأندلس
فتح الأندلس جورجى زيدان
قصة تتضمن تاريخ إسبانيا قبيل الفتح الإسلامى، ووصفًا لأحوالها ومن ثم فتحها على يد طارق بن زياد، ومقتل رودريل ملك القوط، كل تلك المجريات تتابع فى هذه القصة التى تتخللها أحداث تشد القارئ دائمًا إلى متابعتها بشغف ودون ملل، وذلك بأسلوب روائى ذكى، والرواية واحدة من سلسلة الروايات التاريخية التى كان يكتبها جورجى زيدان ويعيد من خلالها إلقاء الضوء على التاريخ العربى.
غلاف رواية ثلاثية غرناطة
ثلاثية غرناطة.. رضوى عاشور
حيث تدور الأحداث فى مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية فى الأندلس، وتبدأ أحداث الثلاثية فى عام 1491 وهو العام الذى سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التى تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه لملكى قشتالة وأراجون وتنتهى بمخالفة آخر أبطالها الأحياء لقرار ترحيل المسلمين حينما يكتشف أن الموت فى الرحيل عن الأندلس وليس فى البقاء.
تحكى فيها رضوى عن بداية التراجع الإسلامى فى الأندلس وتسرد كيف اختلطت الأمور على المسلمين، هناك مع الأحداث التى يتمكن فيها القشتاليون منهم على مدار خمس أجيال من أواخر القرن الخامس عشر حتى بدايات القرن السابع عشر.
وبرزت فى القصة شخصية "مريمة" وهى زوجة حفيد أبى جعفر، التى ظلت متمسكة بالهوية العربية، مقابل زوجها الذى كان يخشى كل شىء إلى أن يصل به الأمر إلى مجافاة أقاربه ويرفض إيوائهم تجنبًا للشبهات فقضى حياته متوجسًا، وتجلت شخصية مريمة بالحركات الذكية والالتفافية وإنقاذ كثير من أبناء الحارة وبناتها من مواقف كانت ستودى بهم جميعًا إلى المحاكم، أحبت غرناطة ورفضت مغادرتها على الرغم من كل أسباب الهجرة، إلى أن جاء مرسوم طرد العرب من إسبانيا على السواء فى العقد الأول من بداية القرن السابع عشر. فجاءتها المنية فى طريق الهجرة وهى محمولة على ظهر حفيدها على.
على كان أيضًا حفيد "سليمة" وهى من الشخصيات البارزة الأخرى التى تفاجئ رضوى بها القراء فى واقعية روايتها وتراجيديتها، فتموت بعد أن جعلت القارئ متعلقًا بها ويتتبع فضولها العلمى إلى أين سيصل، مع انتهاء الفصل الأول من الرواية فقط من أصل ثلاثة فصول، وذلك بعد أن حكمت عليها الكنيسة بالإعدام حرقًا إثر تهمة "ممارسة السحر"، لأنها تقرأ الكتب وتحاول أن تعد خلطات من الأعشاب تداوى بها الناس.
من المفارقات المحزنة فى الراوية هى سعى سليمة الحثيث فى تجميع الكتب بأى ثمن وإخفائها، مقابل حفيدها الوحيد "على" الذى أعد له جده مفاجأة اطلاعه على المخبأ السرى لتلك الكتب، ظنًا منه أنه سيسعد بها إلا أن عليًا لم يلق لها بالاً وجعل يتساءل ألهذا جمعنى جدى؟! فتشعر أن هناك تناغمًا بين تخلى الجيل الجديد عن العلم وعدم تقديره والهزيمة الموعودة التى نالها جيل الأندلس هناك.
عرف العرب فى الأندلس والذين لوحقت هويتهم العربية والإسلامية فى الأندلس باسم الموريسكيين.
غلاف رواية البيت الأندلسى
البيت الأندلسى واسينى الأعرج
تروى هذه الرواية قصة بيت أندلسى قديم عاش فيه العشاق والقتلة، الملائكة والشياطين، النبلاء والسفلة، الشهداء والخونة.. تريد السلطات تهديمه لاستغلال مساحته الأرضية لبناء برج عظيم: برج الأندلس، ساكن البيت (مراد باسطا) المتبقى من السلالة المنقرضة، يرفض فكرة التهديم لأنها فى النهاية محو للذاكرة الجمعية.
البيت شيّده أحد الموريسكيين (غاليلو ألروخو) الفارّين من الأندلس، فى القرن السادس عشر، وفاء لحبيبته (سلطانة بالاثيوس)، وفى فترة الاحتلال الفرنسى يتحوّل البيت إلى أول دار بلدية فى الجزائر المستعمرة؛ بعد الاستقلال يتكالب على البيت الذين تسمّيهم الرواية ورثاء الدم الجدد، فيُحوَّل إلى كباريه، ثم إلى ماخور مقنَّع، ومركز لعقد صفقات تهريب المخدرات والأسلحة وغيرها.
الرواية استعارة مرّة لما يحدث فى كل الوطن العربى من معضلات كبرى تتعلق فى ظل أفق مفتوح على المزيد من الخراب والانكسارات.
غلاف رواية راوى قرطبة
راوى قرطبة عبد الجبار عدوان
"راوى قرطبة" رواية المؤلف الفلسطينى عبد الجبار عدوان، هو عبارة عن رواية تاريخية للقرن الهجرى الرابع عن الأندلس وتاريخه وتعددية مجتمعه، أراد مؤلفها أن تكون مقارنة بين الأمس واليوم، تدور أحداثها فى الأندلس وصقلية ومصر وبلاد الفرنجة: تسترجع التاريخ وظروف الفتوحات الإسلامية.
اعتمد عبد الجبار عدوان أسلوبًا هو أقرب إلى أدبيات ذلك العصر، يوغل الكاتب فى نقل تفاصيل الحياة الاجتماعية فى قرطبة، فتزخر بعض فصول الرواية بحكايات عن عادات الزواج والطهور والضيافة وغيرها، ويروى أيضًا حكايات الفتن الدينية والسياسية.
وهى رواية تاريخية شيقة من القرن الهجرى الرابع، متميزة فى اللغة والمحتوى والأسلوب، تدور أحداثها فى الأندلس وصقلية ومصر وبلاد الفرنجة. تسترجع التاريخ وظروف الفتوحات الإسلامية، وقضايا وخلافات أخرى شغلت الأمم آنذاك وما زال بعضها يرافقنا يروى سليمان قصته وأحداث العالم المحيط بحاضرة الأندلس حتى عام 1024 ميلادية، ويعطينا تفاصيل الحياة والجغرافيا، وكوارث الطبيعة والفتن الدينية والسياسية المتكررة، ومجريات المعارك ونتائج سياسة جمع الغنائم.
الرواية تعكس اليوميات السياسية والمعايشة لزمانها، وتشرح أحوال العالم الغربى والمشرقى فى عصر وصف بالمظلم وبالذهبى أيضًا، وواقع التعايش والتنافر، ودور العبيد والجوارى والمسبيات فى المجتمعات يتجلى فى هذه الرواية، فمنهم جند القصور، وأمهات لغالبية الأمراء.
كما تتطرق الرواية لأحداث العالم الإسلامى فى القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى، سواء كانت خلافات دينية، وفتن طائفية، أو بالطبع الإيجابيات والإنجازات التى ميزت تلك الحقبة فى التاريخ الإسلامى والبشرى.
والراوى "سليمان" يصحبنا عبر حياته الشيقة وأحداث مدينته، قرطبة حاضرة العالم، فنعايش تربيته، ودروس فروسيته، وغزواته ضد ممالك الشمال، ورحلاته عبر البحر لمدن أوروبا والإسكندرية، حيث ما زالت هناك بقايا منارتها الشهيرة، أحد عجائب الدنيا، يفيدنا الراوى من علومه التى تلقاها فى جامع وجامعة قرطبة الذى تخرج فيه مشاهير العلماء والفلاسفة والأطباء على مر العصور، بل تعلم فيه أحد الذين تسلموا منصب البابا فى روما كما يأتى ذكره بالتفصيل الشيق فى الرواية.
غلاف رواية الموريسكى
رواية الموريسكى لحسن أوريد
رواية "الموريسكى" عن للكاتب والباحث المغربى حسن أوريد، تتناول مأساة الموريسكيين، وهم عرب الأندلس الذين نكلت بهم محاكم التفتيش وأبعدتهم عن الأندلس. والرواية تستلهم التاريخ لتستعرض قضايا لا تزال راهنة مثل الاضطهاد الدينى والاندماج الثقافى والتمييز العرقى.
واستقى المفكر والكاتب أوريد مادته "من سيرة أحمد شهاب الدّين أفوقاى، الذى خلّف لنا شهادة عن سيرته فى كتابه "ناصر الدين على القوم الكافرين" بعد فراره من الأندلس خوفًا على حياته وعلى دينه من بطش محاكم التفتيش الكنسية، وانتظم بعد هجرته إلى المغرب فى بلاط السلطان السعدى أحمد المنصور الذهبى.
وهذه الرواية كتابة مأساة الموريسكيين فى بلدهم إسبانيا وما عانوه من قسوة وتطهير عرقى ودينى أو فى المغرب الذى احتوى مأساتهم فقط، وهو ما لا ينفيه الروائى فى مقدمة طبعته العربية، بل الهدف أكبر من ذلك وهو كتابة مأساة الإنسان المعاصر المرحل بالقوة من هويته بصفة عامة أو المثقف الأمازيغى الحامل لوعيه الشقى والذى يعيش ازدواجية ثقافية إحداها غالبة أقحم فيها بالقوة والثانية مغلوبة ومرتبطة بهويته وبذاته الوجودية، وقد عبر عنها الكاتب فى مقدمة الرواية: "فعملى هذا ليس حكيًا لسيرة أفوقاى، ولا هو تأريخ الموريسكيين بالمعنى الدقيق للتاريخ. هو رواية استقيت مادتها من التاريخ ومن مأساة إنسانية، لأعبر عن قضايا راهنة.. فالموريسكي، فى نحو من الأنحاء هو "نحن" المرحّلون من ثقافتنا الأصلية".
روايات تتغنى بالأندلس.. رضوى عاشور ترصد لحظة الانهيار.. واسينى الأعرج يتابع الهروب الكبير.. راوى قرطبة يفند الفتن الدينية والسياسية المتكررة فى بلاد الحلم.. وحسن أوريد يتناول مأساة الموريسكيين
الثلاثاء، 02 ديسمبر 2014 04:50 م
غلاف "ثلاثية غرناطة"
كتب أحمد إبراهيم الشريف
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة