بعد قرابة ثلاثة أشهر من الهجمات الجوية الأمريكية ضد تنظيم داعش فى العراق، وما يقرب من 50 يومًا على ضربات التحالف الدولى فى سوريا، لم تحقق هذه الضربات نتائج على أرض الواقع بل لا يزال التنظيم الإرهابى المعروف بـ"داعش"، يحاصر مدينة كوبانى السورية، الواقعة على الحدود مع تركيا، وتواجه بعض المدن والأقضية العراقية العديد من العمليات الإرهابية التى يلجأ لها التنظيم من خلال السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة.
ومنذ مطلع أكتوبر الماضى قام الجيش الأمريكى وقوات التحالف الدولى، بما يقرب من 800 غارة جوية ضد أهداف تنظيم داعش الإرهابى فى كوبانى، إضافة لمواقع التنظيم فى العراق من قِبل الطائرات العسكرية الأمريكية والفرنسية.
لا طائل من الهجمات الجوية
وفضلاً عن العديد من المسئولين الأمريكيين والبريطانيين وخبراء الأمن، الذين يؤكدون أنه لا يمكن إلحاق هزيمة حقيقية بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا، من خلال الضربات الجوية وحدها، حذر الجنرال ديفيد ريتشاردز، القائد السابق للقوات المسلحة البريطانية، أن "الغارات لن تدمر داعش ونحتاج عملاً بريًا"، وقبل أيام قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكى السيناتور البارز جون كيرى، إن تنظيم داعش ينتظر وقادر على فرض سيطرته على مطار بغداد.
ودعا جون ماكين عضو لجنة القوات المسلحة فى الكونجرس والمرشح السابق للرئاسة، إلى ضرورة إرسال المزيد من القوات البرية على الأرض فى شكل قوات خاصة أو ما شابه، فضلاً عن تسليح القوات الكردية "البيشمرجة"، الذين يستخدمون أسلحة روسية قديمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذى يستخدم أسلحة أمريكية حديثة.
وكانت تصريحات ماكين واضحة لا لبس فيها إذ قال "إن على الجميع أن يفهم جيدًا أنه لا توجد حدود بين العراق وسوريا على الأقل بالنسبة لداعش، فلماذا نقوم نحن بالتفرقة؟ فى كوبانى لا يمكن تنظيم ضربات جوية فى مثل هذه الأحياء.. داعش تمكنت من التأقلم مع هذه الغارات.. علينا فهم أنه كلما أصبح داعش أقوى كلما زاد الخطر على الولايات المتحدة الأمريكية".
ويقول الجمهوريون، أن السبيل الوحيد لهزيمة داعش هو إرسال قوات برية، ويقود السيناتور ليندساى جراهام، الدعوة لإرسال قوات منذ مطلع الشهر الجارى، مؤكدًا على تصريحات زميليه ماكين وجون بونير، المتحدث باسم مجلس النواب الأمريكى، الذى قال إن هناك حاجة لقوات على أرض الواقع، مشددًا "لا وسيلة لعلاج المشكلة فى العراق وسوريا دون قوات أمريكية على الأرض".
نفوذ البنتاجون
لكن ربما التصريح الأهم هو تأكيد رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكى مارتن ديمبسى، بأن الضربات الجوية على مواقع داعش غير كافية لتحقيق المطلوب، وهذه التصريحات هى العامل الأقوى لأن ديمبسى يمثل البنتاجون الذى يعتبر محركًا رئيسيًا للسياسة الأمريكية فى قرارات شن الحرب، وقبل عام بدت الإدارة الأمريكية على وشك اتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكرية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فى سوريا، وتعاقبت التصريحات الملتهبة من قبل أعضاء الإدارة بدءًا من الرئيس باراك أوباما الذى أكد أن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام ضد المعارضة يمثل "خط أحمر"، ثم أتت مذبحة الغوطة نهاية أغسطس 2013، والتى تاهت فيها الحقيقة، وقبلها دعوة وزير الخارجية جون كيرى إلى ضرورة شن هجوم جوى وفورى على المطارات السورية ومخازن الأسلحة الكيميائية، فضلاً عن آراء الكثيرين داخل الكونجرس التى تسير فى الاتجاه ذاته، لكن جاء وقتها رد فعل البنتاجون مخيبًا لهذه التحركات، فما كان من الجنرال "ديمبسى" إلا أنه أبدى رفضًا حاسمًا للهجوم، وذلك بحسب صحيفة نيويورك تايمز، وقال رئيس هيئة الأركان، فى لقائه مع كيرى خلال اجتماع غرفة عمليات البيت الأبيض، أن التدخل العسكرى فى حرب أهلية بسوريا هو أمر غير مرحب به، وتساءل عن رد فعل الجانب السورى والقوى الدولية.
دور ونفوذ وزارة الدفاع الأمريكية فى الأمور العسكرية لا يتلخص فى قرارات الحرب وتوجيه الضربات، فعندما قررت الإدارة الأمريكية تعليق المساعدات العسكرية لمصر، فى أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى، واتخذ الكثير من أعضاء الكونجرس موقفًا مناهضًا لإرسال المساعدات العسكرية بدعوة أن المصريين قاموا بخطوة غير ديمقراطية من خلال الإطاحة برئيس منتخب، فهنا برز نفوذ العسكريين لتقرر الولايات المتحدة فى وقت سابق من هذا العام إرسال الأباتشى للمساعدة فى مكافحة الإرهاب فى سيناء.
ففى أوائل العام الجارى أعربت وزارة الدفاع الأمريكية عن رغبتها فى المضى نحو إرسال طائرات الأباتشى إلى القاهرة، وأعلن البنتاجون والخارجية، فى أبريل، عن استئناف إرسال الطائرات للمساعدة فى مكافحة الإرهاب، وبينما عارض السيناتور باتريك ليهى، رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات الخارجية فى مجلس الشيوخ، بشدة استئناف المساعدات، أكدت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الصيف، أنه يتعرض لضغوط متزايدة، من قبل كبار خبراء الدفاع الأمريكيين، لا سيما بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسى، بنتيجة ساحقة فى الانتخابات الرئاسية.
وحث عدد من الخبراء ومسئولى الدفاع السابقين على رأسهم وزير الدفاع السابق رونالد رامسفيلد فى خطاب للسيناتور الديمقراطى، فى خطاب موجهة للرئيس أوباما، على دعم الحكومة الجديدة فى مصر لأنها تطمح لبناء دولة أكثر ديمقراطية، كل هذه المؤشرات تؤكد نفوذ البنتاجون والمسئولين الأمنيين داخل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بشئون الدفاع والمسائل الأمنية، مما يجعل تصريحات ديمبسى الأهم عند التفكير فى احتمال إرسال قوات برية إلى أى من البلدين.
لكن الرئيس باراك أوباما أكد فى مناسبات عدة عدم نيته إرسال قوات أمريكية برية إلى العراق أو سوريا، كما يجرى خفض ميزانية الدفاع للجيش الأمريكى، ولم يظهر دعم شعبى كبير لإرسال قوات أمريكية إلى الحرب فى العراق بعد الانسحاب عام 2011، ومن ثم قررت الإدارة الأمريكية الاكتفاء بالضربات الجوية ضد داعش بالتعاون مع الهجمات البرية للمقاتلين الأكراد فى البلدين والقوات الحكومية فى العراق.
وباستثناء التطور الذى حدث فى كوبانى مؤخرًا، بعد سماح تركيا لمقاتلين أكراد بالعبور من حدودها لمساعدة نظرائهم، فضلاً عن الأسلحة التى أسقطتها الطائرات الأمريكية على القوات الكردية لدعمهم فى مواجهة عناصر داعش، فإن الضربات الجوية أظهرت عجزها عن تقويض تقدم تنظيم داعش فى العراق وسوريا، حيث تساقطت قرية تلو الأخرى، فضلاً عن القواعد العسكرية فى أيدى التنظيم الجهادى المتطرف.
الرأى العام الأمريكى يتجه لتأييد التدخل البرى
ودفعت وحشية تنظيم داعش، وما ارتكبه من جرائم ذبح طالت اثنين من الصحفيين الأمريكيين، الرأى العام الأمريكى لتغيير رأيه حيال التدخل ثانية فى العراق، فلقد أظهر استطلاع رأى أجرته صحيفة وول ستريت جورنال وشبكة NBC نيوز ومركز أننبرج للسياسة العامة، أواخر سبتمبر الماضى، أن 45% من الشعب الأمريكى يدعمون إرسال قوات برية للمنطقة، بينما عارض 37% الفكرة.
وبحسب موقع إنترناشونال بيزنس تايمز البريطانى، فيبدو أن الرأى العام الأمريكى غير رأيه مع تركيز وسائل الإعلام على جرائم الذبح التى يرتكبها التنظيم وفظائعه الأخرى، فحتى أولئك الذين عارضوا التدخل ثانية فى العراق، باتوا يعتقدون أن هناك حتمية لإرسال قوات قتالية إلى الشرق الأوسط مرة أخرى، فبحسب استطلاع آخر فإن 72% من 1283 شخصًا تم استطلاع آرائهم، يرون ضرورة إرسال قوات للمنطقة.
وعلى الجانب الآخر، تقف الدعوات المكتفية بحل تسليح قوات البيشمرجة الكردية وتعزيز الجيش العراقى، وكذلك تسليح وتدريب المعارضة السورية، لكن هذا غير كافِ بالنظر إلى نتائج هذه الإستراتيجية طيلة الشهرين الماضيين، خاصة مع فشل القوات العراقية فى تقويض داعش من السيطرة على مزيد من المدن العراقية.
وبعيدًا عن الولايات المتحدة، ربما تكون بريطانيا أكثر ميلاً لحل وجود قوات على الأرض، فلقد أكد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون أن الضربات الجوية التى تشنها الدول المشاركة فى التحالف المناوئ لتنظيم "داعش" لن تكون كافية لإلحاق الهزيمة بعناصر التنظيم.
وقد عقد مجلس العموم جلسة طارئة، أواخر سبتمبر، لبحث مشاركة بريطانيا فى الضربات الموجهة إلى داعش، ولكن شهدت الجلسة العديد من المشادات، بعد أن تساءل بعض الأعضاء عن الحكمة من شن غارات جوية على التنظيم، خاصة إذا كانت هناك شكوك فى جدوى هذه الضربات، لكن الأهم أن بعض الأعضاء استفسروا عن الدور الذى يمكن أن تساهم به القوات النظامية فى مواجهة داعش، خلال الفترة التى تستمر فيها الغارات الجوية.
ورغم ذلك يبدو التردد واضحًا لدى القوى الغربية حيال اتخاذ موقف من هذه القوى، فكل من وزيرى الدفاع الأمريكى والبريطانى لا يزالان يتمسكان بحل تسليح الأكراد ودعم قوات الجيش فى العراق والمعارضة فى سوريا.
موضوعات متعلقة:
وزير الدفاع العراقى يعلن إصابة البغدادى فى غارة جوية للتحالف الدولى
الولايات المتحدة وأوروبا يعترفان بعدم جدوى الضربات الجوية فى مواجهة داعش ويخشيان التدخل البرى..البنتاجون اللاعب الرئيسى فى قرارات واشنطن الخارجية.. وديمبسى يلمح بالحاجة لقوات على الأرض لهزيمة التنظيم
الإثنين، 10 نوفمبر 2014 01:41 ص
تنظيم داعش
كتبت إنجى مجدى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين
هههههههه