يستخدم الناس العامية فى أحاديثهم اليومية أكثر من استخدامهم للفصحى، ويتحدثون فى المجتمع الواحد لهجات شتى، جاءت اللهجات كما قيدتها كتب التراث اللغوى فى تسميات مثل الكشلشة والعنعنة والفحفحة والثلثلة والتضجع والفجفجة، استعمل العرب العامية للدلالة على مستوى اللغة العربية الذى يستعمله سواد الناس وعامتهم فى التعبير عن أغراضهم، وما العامية فى رأيهم إلا الوجه الآخر للفصحى محرفاً قليلاً أو كثيراً على ألسن الناس ونطقهم.
على الرغم من أن العامية لا تعتمد على قواعد ثابتة ومنها كثير مشتق من لغات الأعاجم، فإن المشتغلين بالدراسات اللغوية يؤكدون أن اللهجات العامية حافظت على ثروة هائلة من الألفاظ الفصيحة المهملة عند الكتاب والأدباء والمصطلحات العربية الصحيحة التى استنبطت أيام ازدهار المدنية، ولم يصفها معجم ولا سجلها أحد من علماء اللغة إلا فى القليل النادر.
يدرك الغرب الترابط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامى، وعرفوا أن الإسلام لا يُفهم إلا بها، وأنها ركن جوهرى من القرآن الكريم وبذلوا الجهود الكبيرة لإضعافها وتدميرها وصرف الناس عن الفصحى التى تؤدى بها.
يتحدث الشيخ محمد الغزالى بمرارة عن المحاولات الرامية لضرب اللغة العربية وإضعافها والتمكين للهجات، حيث يقول: لا أزال أذكر أياماً كان يتعلم الأزهريون فيها باللغة الفصحى فوضع الاستعمار خطته كى يجعل كلامهم بالنحو مثار السخرية ومبعث الهزؤ فى كل مجلس، ثم يروى حادثة وقعت له نفسه قائلاً: أطلعنى أحد الأصدقاء على مجلة أسبوعية أخرجت لسانها لى لأنى أنطق الجيم جيماً والقاف بلغة العرب!! للقاف والجيم رنين يرتطم بقفاه كأنه صفحة مزعجة.
إن الغريب ليس اضلاع الاستعمار فى خلق هذا المخنث المسخ، ولكن الغريب أن يتسلل هذا المسخ إلى وسائل الإعلام ليكون له حق توجيه الجماهير.. توجيهها إلى أين؟!.
اليوم أمر اللهجات يثير المخاوف ويؤرق الغيارى على العربية العريقة، ويقلق كل من يستشرف بتدبر وأناة أثارها المفزعة فى المستقبل، اللهجات العربية بتنوعها تبدو بحق كأنها حرب معلنة على العربية الفصحى من محطات التلفزة، وخطر هذه اللهجات يجىء من كونها تتعدى المظاهر الصوتية إذ تتضمن كلمات أجنبية دخيلة ومصطلحات ومسميات مرتجلة بغير خبرة بخصائص اللغة العربية، يسوقها معدون أو مذيعون على نحو مغرق فى التسرع ومراعاة الشائع محلياً، ويرى الباحثون أن تغليب العامية فى بعض وسائل الإعلام كان سبباً من أسباب أزمة اللغة العربية المعاصرة، لأنها تخاطب جماهير عريضة ومستويات ثقافية متباينة فتحاول إرضاء كل الأذواق والتحجج بأنها تتوجه إلى فئات غفيرة من غير المتعلمين، إن من ينتصرون للعامية بلهجاتها ويتحمسون لها بحجة مراعاة الأميين ومحدودى المعرفة فإنهم ينتصرون للمزيد من التخلف والجهل وكأنهم يستمرئون الانحطاط.
ظاهرة وجود العامية إلى جانب العربية الفصحى ظاهرة لغوية فى جميع دول العربية، ولكل منهما مجالاته واستعمالاته فهى طريقة الحديث التى يستخدمها السواد الأعظم من الناس وتجرى بها كافة تعاملاتهم الكلامية، وهى عادة لغوية فى بيئة خاصة تكون هذه العادة صوتية فى غالب الأحيان، وتتكون العاميات بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية أو سياسية أو صراع لغوى.
أما اللغة العربية الفصحى فهى لغة الكتابة التى تدون بها المؤلفات والصحف والمجلات وشئون القضاء والتشريع والإدارة ويؤلف بها الشعر والنثر وتستخدم فى الخطابة والتدريس والمحاضرات وفى تفاهم العامة إذا كانوا بصدد موضوع يمت بصلة إلى الآداب والعلوم.
نشأة اللغة العربية:
يقال إنها من الأعراب أو العروبة أو العروبية أى الفصاحة والوضوح والبيان، يرجع البعض أصلها إلى يعرب بن قحطان كان أول من أعرب فى لسانه وتكلم بهذا اللسان العربى، فسميت اللغة باسمه، والبعض الآخر يرد الحديث النبوى الشريف أن نبى الله إسماعيل بن إبراهيم أول من فتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربعة عشر عاماً، بينما نسى لسان أبيه، والبعض الآخر يذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم فى الجنة.. لا يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب.
مميزات اللغة العربية الفصحى:
- هى اللغة القومية لمائة مليون من العرب ولغة الفكر والعقيدة لألف مليون من المسلمين.
- اللغة العربية لغة اشتقاق تقوم فى غالبها على أبواب الفعل الثلاثى والتى لا وجود لها فى جميع اللغات.
- تتميز بتنوع الأساليب والعبارات والقدرة على التعبير عن معانى ثانوية لا تستطيع اللغات الغربية التعبير عنها.
- هى أقرب اللغات إلى قواعد المنطق.
- أعطت العربية حروفها الهجائية لمئات الملايين من الشعوب فى بلاد الفرس والهند والترك.
أوجه التقارب بين العامية والفصحى:
بما أن العامية والفصحى من أصول عربية فلابد من تشابه بينهما، لأنها من صنع مجتمع عربى اللسان غير أن ما نأباه من تلك اللهجات أنها تناتيش لغات تهشمت وهى ترد العربية إلى الوراء.
أوجه الاختلاف بين اللهجات العامية والفصحى:
- العامية هى لغة السواد الأعظم من الناس بينما الفصحى تقتصر على الخاصة.
- تحرر العامية من التعقيدات والأحكام اللغوية لتنطلق على سجيتها الكلامية.
- من يتحدث العامية ولا يقوى على القراءة والكتابة يعانى صعوبة فى فهم واستيعاب ما تعنيه.
- افتقار العامية إلى ما لا يحصى من المصطلحات العلمية والفنية ولا سيما مستلزمات التطور الحضارى والتقدم التكنولوجى.
فلنعتز بلغتنا فهى اللغة الجامعة بين جميع العرب والمسلمين، وكما يقال "if you do not use it، you will lose it" فلنولى لغتنا العربية الجميلة الجامعة لنا جميعاً اهتماماً أكبر كى لا نفقدها ونتفرق وينفرط العقد.
أترك لكم أمثلة قليلة لكلمات عامية من دول عربية أصلها من الفصحى:
بلاش: بلا شىء
معليش: ما على شىء
للحين: إلى هذا الحين
ليش: لأى شىء
شلونك: أى شىء لونك؟ أى كيف حالك؟
مفيش: ما فى شىء
لسّا: للساعة
نيّالو: هنيئاً له
عمنول: العام الأول أى السابق
كرمالك: إكراماً لك
ماكو: ما يكون - ما أداة نفى
الشيخ محمد الغزالى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mizo
مقال جميل ....ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
الحاج / أحمد
لكن بحمد الله
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو
مقال جيد
عدد الردود 0
بواسطة:
الجزائر
مقال جميل جدا
وأسلوب في الكتابة أجمل