دائما ما يصاحب ميلاد فيلم جديد يتناول قصة حياة نبى أو رسول عاصفة من الجدل، بين المبدعين الذين تبنوا نظرية الدفاع عن حرية صناع العمل الفنى، وبين المؤسسات الدينية التى تحرّم من البداية تنفيذ أو عرض أى عمل فنى يتم فيه تجسيد الأنبياء حفاظا على قدسيتهم التى لا يجب المساس بها، وعلى الرغم من أن الأنبياء بشر مثلنا، وسيرتهم الذاتية موثقة فى كتب الدين والتاريخ على حد سواء، إلا أن البعض يرى أن تجسيدهم فى الأعمال الفنية قد يثير الفتن.
أعاد فيلم "Exodus.. Gods and Kings" أو "الخروج..ملوك وآلهة" إخراج ريدلى سكوت، الذى يتناول قصة خروج سيدنا موسى من مصر، للأذهان الجدل الذى صاحب عرض فيلم "نوح" بطولة راسل كرو، والذى لم ير النور من أدراج جهاز الرقابة على المصنفات الفنية إلا عندما تم عرضه على مجموعة من الرقباء للحكم عليه، ولم تشفع بعد ذلك إيجازتهم له، ولم تجد تصريحات جابر عصفور وزير الثقافة بعرض الفيلم فى شىء وظل حبيس الأدراج حتى الآن.
وفى هذا الصدد يؤكد عدد من المبدعين والمثقفين لـ"اليوم السابع" أن تجسيد الأنبياء فى الأعمال ليس حراما، ولا يتم الحكم على الأعمال الفنية إلا من خلال معايير معينة مثل جودة الفيلم والقضية التى يناقشها، وكيف يتم سردها، وأشاروا إلى أن فيلم "نوح" صاحبه جدل وتم إعلان موقف من قبل الجهات الرسمية فى صالح حرية الرأى والتعبير، ورأى آخر غير معلن فى صالح المؤسسات الدينية وهو ما تم تنفيذه، وحاولت الحكومة إرضاء جميع التيارات، حيث قال السيناريست بشير الديك لـ"اليوم السابع" إنه "لا يوجد نص صريح فى القرآن الكريم، أو حديث بالسنة النبوية يمنع تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية، بل على العكس السماح بتجسيدهم وعرض أفلام عنهم يتماشى مع القاعدة الفقهية التى أؤمن بها جيدا والتى تقول: "الأصل فى الأشياء الإباحة ولا تحريم إلا بنص"، إضافة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فى نص صريح: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ" إلى آخر الحديث الشريف، ولا أرى أى داع لادعاء حرمانية تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية".
وأضاف: "إنما جرى العرف على منع الأعمال الفنية التى تجسد الأنبياء لأن الأزهر الشريف يخشى من إساءة استخدام هذا الأمر بما يضر العقيدة الإسلامية، ولكنى أرى أنه من الممكن أن ننتج أعمالا عظيمة من خلال تجسيد الأنبياء ونتحدث عن مراحل تطور الحس الدينى، وفى النهاية كلهم لأدم وأدم من تراب، والرسل ليسوا آلهة".
وتابع: "لا يوجد كهانوت فى الدين الإسلامى، ولا يوجد وصاية من الدين على الناس لأن الدين فى الأساس قائم على إعمال العقل وليس الإجبار، وعندما قام الأجانب بتجسيد السيد المسيح فى الأفلام مثل فيلم آلام المسيح واجهوا معارضة شديدة من المتشددين دينيا فى البداية ولكن سرعان ما تبدد هذا الاعتراض مع زيادة ثقافتهم وحضارتهم وأصبح تجسيد الأنبياء شىء عادى فى أعمالهم".
وأوضح الديك "أنه فى حال وقف عرض فيلم " الخروج..ملوك وآلهة" كما هو متوقع، يستطيع المسئول عن توزيع الفيلم بمصر رفع دعوى قضائية وكسبها على الفور خاصة إذا أرفق تاريخ منع هذه الأفلام وموقف الجهات الحكومية من عرض الفيلم".
فيما أكد الكاتب الكبير يسرى الجندى أن الأهم من الموافقة على تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية أو عدمها هو جودة العمل الفنى نفسه، قائلا: "إذا كان الفيلم جيدا فما المانع من عرضه؟"، لأن الأفلام يجب أن يتم الحكم عليها طبقا للمعايير الفنية وليس لأى اعتبارات أخرى.
بينما قال الكاتب محفوظ عبد الرحمن إن حل هذه المشكلة لن يتم عن طريق مناقشة جوانب هذه القضية لأنها قتلت مناقشة، ولكن يتوجب على المثقفين أن يكون لهم دور ملموس فى حل هذه القضية المعقدة من خلال التعاون مع رجال الدين ورجال القانون للوصول لحل ينصر الأعمال الفنية وحرية الرأى والتعبير، لأن السينما العالمية لن تكف عن تجسيد الأنبياء ولا يجب أن ننعزل عن مشاهدة الأفلام العالمية.
وأضاف "لو لم يتحد المثقفون سيواجه فيلم موسى نفس مصير فيلم نوح، ولا أرى مشكلة من عرض فيلم موسى أو أى فيلم آخر طالما أنها تناقش فكرة جادة ومهمة، ولا أتفق مع من يقول أن مثل هذه الأفلام قد تثير الفتن لأنه كلام مرسل ولا دليل على صحته"، مستشهدا بعرض المسلسل الإيرانى يوسف الصديق الذى كان يتم عرضه على الكثير من القنوات الفضائية وتابعه الملايين من المصريين والعرب دون الالتفات لأى شىء سوى لأحداث العمل الفنى فقط، لم يحدث وقتها فتن ولم تقم الحروب بل وعلى العكس ندم البعض على أنهم لم ينفذوا هذا العمل لأنهم كانوا سينفذوه بطريقة أكثر احترافية من الطريقة التى قُدم بها"، وأضاف قائلا: "أرى أن ازدواجية المعايير فيما أعلنته الجهات الحكومية من فيلم نوح نابع من أن الدولة داخلها اتجاهات كثيرة، والشارع ليس على قدر كبير من التوعية، حيث إن البعض مازال يعتبر أن السينما حرام حتى وقتنا هذا، والحكومة تحاول أن ترضى جميع الأطراف".
ومن ناحيته قال المخرج محمد فاضل: "أنا ضد المنع المطلق للأفلام ومسألة منع فيلم تحتاج تفكير ومناقشة كثيرة ولا يجب أن يتم المنع إلا إذا كان الفيلم يتضمن إهانة مباشرة للأنبياء أو المقدسات الدينية والكثير من الناس تهتم وتحب متابعة ومعرفة سير الأنبياء".
وأضاف: "من الضرورى قبل إجازة فيلم مثل هذا، أن يتم تشكيل لجنة من المثقفين والنقاد وأساتذة التاريخ وليس رجال الدين للحكم على الفيلم من الناحية الفنية والتاريخية وليس الدينية، ويجب أن ينأى الدين بنفسه عن مناقشة أمرين هما السياسة والفنون".
بينما قال المخرج على عبد الخالق أنه ليس مناصرا لتجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية لأن الأنبياء مكلفين من الله لتأدية عمل معين مما وضعهم فى مكانة خاصة لدى الناس، وهذا التجسيد يهز قدسية وهيبة مكانة الأنبياء لدى الناس، ولكن لم يعد باستطاعة أحد أن يمنع عرض فيلم منعا كاملا فى ظل التطور التكنولوجى الكبير لأن بطريقة أو بأخرى سيصل المحتوى الفنى للمتلقى سواء عن طريق الفضائيات التى تبث من الأقمار الأجنبية أو الإنترنت أو نسخ مهربة أو أى شىء.
وأضاف "أن كلمة حرية التعبير كلمة مطاطية ومناقشة المقدسات لا يجب أن تدخل ضمن فكرة حرية الرأى والتعبير، لأن الجدل حول هذه الأشياء لا يفيد، وقد يجرح أصحاب الديانات وليس خفيا على أحد موجة الغضب العارمة التى ألمت بالمسلمين بعد واقعة الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة