32 عاماً على رحيل يوسف وهبى الرائد المسرحى والسينمائى.. الفنان الوحيد الذى عاش ألف عام!.. أسس فرقة «رمسيس» عام 1923 واستمرت حتى عام 1961.. وقدم أول فيلم رعب فى السينما بعنوان «سفير جهنم» عام 1945

الجمعة، 17 أكتوبر 2014 01:34 م
32 عاماً على رحيل يوسف وهبى الرائد المسرحى والسينمائى.. الفنان الوحيد الذى عاش ألف عام!.. أسس فرقة «رمسيس» عام 1923 واستمرت حتى عام 1961.. وقدم أول فيلم رعب فى السينما بعنوان «سفير جهنم» عام 1945 يوسف وهبى
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

لا يمكن الحديث عن فنون المسرح والسينما فى مصر دون أن نضع يوسف وهبى فى أكرم ركن من قلب هذا التاريخ، فالرجل الذى نحتفل اليوم، 17 أكتوبر، بمرور 32 عامًا على رحيله، يعد المؤسس الأهم لمفهوم المسرح الحديث الذى يستلهم المنطق الأوروبى فى الانضباط والتدريب والدعاية، كما كان له السبق فى إنتاج وبطولة أول فيلم مصرى ناطق، والذى حققه محمد كريم تحت اسم «أولاد الذوات» عام 1932.
...

لكن قبل أن نستعرض قبسًا من حياة هذا الفنان الرائد، تعالوا نلقى نظرة سريعة على حياته ونشأته، وتأثيره المدهش على حركتى المسرح والسينما فى مصر والعالم العربى.

ابن الباشا.. المجنون!

أظنك تعرف أن يوسف وهبى ولد بالفيوم فى 17 يوليو عام 1898 لعبدالله وهبى باشا، كبير مفتشى الرى، وكان الرجل مجتهدًا وصبورًا، فحفر ترعة بالفيوم أطلق عليها اسم «ترعة عبدالله وهبى» التى حولت آلاف الأفدنة الصحراوية إلى حقول زراعية تطرح الخيرات، ولعل هذا العمل الرائد لوالده كان يخايل الابن الشاب يوسف وهو يؤسس فرقة «رمسيس» لتؤدى دور إصلاح المسرح المصرى الوليد آنذاك.

تلقى يوسف تعليمه فى مدرسة السعيدية، ثم التحق بالمدرسة الزراعية بمشتهر، ولأن عشق المسرح قد سلب لبه حين شاهد فرقة سليم القرداحى، فقد وهب نفسه لهذا الفن المدهش. وهكذا غادر إلى إيطاليا بنصيحة من صديقه محمد كريم، رائد الإخراج السينمائى، لدراسة فن التمثيل، وعاد عام 1921 إثر وفاة والده ليرث عشرة آلاف جنيه ذهب، وهو رقم فلكى فى ذلك الزمن.

على الفور يشرع ابن الباشا فى تأسيس فرقة مسرحية يطلق عليها اسم «مسرح رمسيس»، ويشدد على أن تلتزم الفرقة بالأصول المرعية فى مسارح أوروبا من انضباط وتقاليد وآداب.

فى كتابه «نجوم السينما العربية.. الجوهر والأقنعة» يصف الناقد الكبير كمال رمزى حالة الطفل يوسف حين شاهد المسرح للمرة الأولى فى حياته فيقول: «فى إحدى الأمسيات ذهب يوسف مع أسرته لمشاهدة عرض «عطيل» لشكسبير الذى تقدمه فرقة سليم القرداحى التى تتجول فى المدن المصرية، وانبهر الطفل بذلك العالم الغريب الذى يتدفق على خشبة المسرح.. قائد وأميرة وحب ومؤامرة ودسيسة وغيرة وصلاة وقتل وندم.. طوفان من العواطف يؤججها القرداحى الساحر».
...

ثم يصف كمال رمزى الأداء المترع بالتهويل للقرداحى، وكيف نفذ إلى عقل ووجدان الطفل يوسف: «الصوت الجهور، والمبالغة فى الإشارة والحركة والأحداث العنيفة والمشاعر الجياشة، والإسراف فى العواطف، هى الدروس الأولى التى تلقاها يوسف وهبى فى السنوات الأولى من القرن العشرين».
لذا لا عجب ولا غرابة أن يظل الرجل وفيًا لهذه الدروس فى جوهرها، بعد أن تخفف قليلًا من التهويل، متخذًا من أداء جورج أبيض «1880/ 1959» دليلًا ومرشدًا وهو أداء باذخ.. عميق.. رصين، ولعل هذا يبدو واضحًا فى أفلامه ومسرحياته التى تحرص الفضائيات على عرضها باستمرار، حتى باتت مقولاته التى يرددها بفخامة جزءًا من الفولكلور الفنى المصرى إذا جاز القول مثل «يا للهول» أو «ما الدنيا إلا مسرح كبير»!

فى 10 مارس من عام 1923 رُفع الستار عن أول عروض فرقة «رمسيس» تحت عنوان «المجنون» من إخراج عزيز عيد، رائد الإخراج المسرحى الواقعى فى ذلك الزمن، وبطولة روز اليوسف، ويوسف وهبى، وقد أنفق صاحب الفرقة ومديرها الأموال الطائلة فى عمل الدعاية اللازمة قبل الافتتاح. ويقول الفنان الرائد فتوح نشاطى الذى تقمص شخصية «عمو عزيز» فى فيلم «شارع الحب» مع عبدالحليم وصباح - يقول فى مذكراته عن أداء يوسف وهبى فى أول ليلة على مسرح رمسيس: «ويدخل يوسف وهبى بقامته الفارعة وشعره المنكوش وعينيه البراقتين الشاردتين وقد ارتدى معطفا أسود، ويأخذ فى تمثيل دور المجنون، وينطلق فى إلقاء مونولوج يعبر فيه عن حبه لفتاة تدعى مادلين، وعن ثورة نفسه وألمه العميق، إذ حرمه أهله منها وزوجوها لرجل آخر.. وما إن انتهى حتى دوت الصالة بعاصفة من التصفيق والتهليل دامت ثلاث دقائق كاملة».
...

انتهى كلام فتوح نشاطى، ويبدو أن يوسف وهبى تمكن من استلهام أفضل الوسائل المتاحة ليجعل فرقته قادرة على العمل والصمود فى أجواء كان المسرح المصرى فيها ابنًا للفوضى والعشوائية، حتى لو كان يقف على خشبته جورج أبيض، ونجيب الريحانى، وعلى الكسار!

الفيلم المصرى يتكلم

تحت هذا العنوان يكتب محمد كريم فصلًا كاملًا فى مذكراته التى حققها الناقد محمود على، وأصدرتها أكاديمية الفنون عام 2006 بإشراف الدكتور مدكور ثابت، ونعرف من خلال هذه المذكرات أن يوسف وهبى هو الذى أنتج فيلم «زينب» الصامت عام 1930، وهو من أنتج أيضًا فيلم «أولاد الذوات»، وهو أول فيلم مصرى وعربى ناطق، وقد أخرجه محمد كريم، ولعب الأدوار الرئيسية فيه كل من يوسف وهبى، وأمينة رزق، ومنسى فهمى، وسراج منير، ودولت أبيض، وممثلة فرنسية تدعى كوليت دارفى، وعرض فى 14 مارس عام 1932 بسينما رويال.

يكتب «كريم» فى مذكراته هذه الفقرة الدالة: «بعد أن عرض فيلم زينب الصامت بدأ يوسف فى بناء استوديو رمسيس بمدينة رمسيس بإمبابة.. وكانت خطوة جريئة من يوسف فى ذلك الوقت لكنه خطا خطوة أكثر جراءة حين قرر أن ينتج فيلم «أولاد الذوات» ناطقًا - عرضت القصة على المسرح قبل ذلك بعدة سنوات - ولم يكن فى برنامج يوسف أن يزود استوديو رمسيس فى بداية إنشائه بأجهزة تسجيل الصوت.. وهكذا فكرنا فى السفر إلى برلين لإخراج الفيلم هناك».

أرأيت عشق يوسف وهبى لفنون التمثيل، وإقدامه على تأسيس استوديو، وإقباله على خوض غمار بحر السينما، ذلك الفن الوليد الذى لم يكن أى أحد يعرف إلى أين سيصل؟
المؤلف والمنتج والمخرج والممثل
...

أجمل ما فى السينما أنها احتفظت بالأفلام التى تم إنتاجها منذ بداية هذه الصناعة الساحرة، بعكس المسرح الذى لم نتمكن من مشاهدة معظم إنتاجه حتى مطلع الستينيات عندما دخل الإرسال التليفزيونى مصر، وهكذا ضاع التراث المسرحى لكل من جورج أبيض، والريحانى، والكسار، ويوسف وهبى الذى فطن إلى هذا الأمر فأقبل على السينما بكل جوارحه.. يؤلف ويمثل وينتج ويخرج، ومعظم هذه الأعمال تعرضها الفضائيات الآن، وإن كان يوسف وهبى لم يجد غضاضة فى أن يضع اسمه بوصفه مؤلفًا لهذه الأفلام، وبرغم أنها قصص مقتبسة من المسرحين الفرنسى والإيطالى، فإنه تمكن بحق من «تمصير» تلك الأعمال لتخاطب الذوق المصرى العام، وهكذا اقتبس قصة «فاوست» لجوته ويقدمها - من تأليفه - فى فيلم «سفير جهنم/ 1945» وهو أول فيلم رعب مصرى حسب علمى، كذلك استعان بليلى مراد فى أكثر من فيلم، واكتشف نور الهدى، ومنحها البطولة أمامه للمرة الأولى فى فيلم «جوهرة/ 1943»، وأسند بطولة فيلم «غرام وانتقام/ 1944» لأسمهان، وهو ثانى وآخر أفلامها. لقد ظل يوسف وهبى وفيًا لفن التمثيل حتى عندما ذهب الشباب وبلغ من العمر عتيًا، فلعب الأدوار الكوميدية بامتياز كما فى «إشاعة حب» و«اعترافات زوج»، ولما شعر أنه صال وجال فى دنيا الفنون قرر كتابة مذكراته ونشرها بالفعل فى ثلاثة أجزاء تحت عنوان بالغ الدلالة هو «عشت ألف عام»، وهذه المذكرات تعد قطعة حية مشرقة من تاريخنا الفنى والسياسى والاجتماعى.

فى ذكرى رحيل عميد المسرح العربى وجب علينا الاحتفاء به وبدوره، وبالألف عام التى عاشها، ولو من خلال ألف وتسعين كلمة فقط هى عدد كلمات هذا الموضوع!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة