قوة الدولة وهيبتها ليست فى السيارات المصفحة وتشكيلات الأمن المركزى والطوارئ وحظر التجوال، ولكن فى التفاف الناس حولها وتأييدهم لها، فلن تستطيع تخصيص عسكرى لكل مواطن ولا مصفحة لكل شارع ولا تشكيل لكل قرية ومدينة، ومهما كان مخزون القنابل المسيلة للدموع فلن يكفى الاستهلاك إلا لفترة محدودة، وستجد الشرطة نفسها فى حرب استنزاف طويلة تصيبها بالتوتر العصبى والانهيار، فتتم الاستعانة بالجيش خط الدفاع الأخير، وبقية المسلسل معروفة وعاشتها البلاد على أرض الواقع بعد 25 يناير، ورغم ذلك فقد أعادت الرئاسة استخدام نفس الأدوات التى كانت تصفها بالقمعية، وأغرقت النظام السابق وعجلت بنهايته.
أبطل أهالى مدن القناة مفعول حظر التجوال بالنكت، ويا لها من سلاح سحرى يلجأ اليه المصريون فى أوقات المحن والأزمات للتخفيف من قسوتها ومرارتها، وفعلوا ذلك فى الأيام الأخيرة لمواجهة تأثير القنابل التى تمطرهم بالدخان والرصاص الذى يخترق الرءوس والصدور، ومن أظرف النكت التى قيلت، إن أحد العساكر أطلق الرصاص على مواطن فى الشارع الساعة الثامنة والنصف، ولما عنفه الضابط، لأن موعد حظر التجوال التاسعة، رد عليه "أصل ده ابن عمى وبيته بعيد ومش حيلحق يرجع فى نص ساعة"، غير النكت على بلدياتنا الذين ذهبوا لمدن القناة للفرجة على حظر التجول، أو القبض على مواطن بورسعيدى ضبط فى منزله أثناء الحظر، وواجه أهالى مدن القناة عودة الطوارئ بالتظاهرات السلمية والاحتفالات والرقص والأغانى الوطنية فى الشوارع على غرار كرنفالات النصر، وإقامة دورات كرة القدم الليلية أثناء الحظر، وكان مستحيلا تطبيق الطوارئ بإطلاق الرصاص على الآلاف، فالقوة المفرطة لا تحمى نظاما ولا تحقق أمنا واستقرارا، والاحتماء بالشعب هو أقصر الطرق لاسترجاع هيبة الدولة واستعادة قوتها، ولو أحس الناس أن الطوارئ وحظر التجوال تستهدف صالحهم وليس تأديبهم، لأذعنوا لها عن طيب خاطر وساعدوا على تنفيذها، ولكنهم شعروا أن الهدف هو إخضاعهم وترويضهم وحبسهم فى بيوتهم، لأن المجرمين والبلطجية لا يحترمون الطوارئ ويرتكبون جرائمهم ليلا ونهارا، وتحت سمع وبصر حظر التجوال، ومسئولية أجهزة الأمن هى ملاحقتهم والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، وليس تأديب مدن بأكملها وإرغام سكانها على النوم مبكراً، أو الاستعانة بنظرية المؤامرة لتمرير إجراءات استثنائية عفا عليها الزمن.
قانون الطوارئ كان السبب الرئيسى فى حالة العداء المزمنة بين الشرطة والناس، بسبب تجاوزات تطبيقه فى فترات الحكم السابقة، وقبل أن تسترد الشرطة أنفاسها وتستعيد ثقتها فى نفسها، انتكست وعادت إلى نقطة الصفر من جديد، وأضيف إلى رصيدها دماء جديدة وشهداء جدد سقطوا فى تظاهرات الذكرى الثانية لـ 25 يناير، فلا طوارئ دون تجاوزات ومهما أقسمت أنظمة الحكم على قصر تطبيقه على جرائم تروييع الآمنين، إلا أنه يروع المجتمع كله ولا يفرق عند اللزوم بين مجرم محترف وضحايا أبرياء، ولا أدرى كيف يعيده الإخوان مهما كانت مبرراتهم، وقد ذاقوا مرارته وعانوا من قسوته، وكانوا أشدد المنددين به والمطالبين بزواله، المواجهة السليمة تحتاج نظرية جديدة فى حكم الشعوب، بالرضا والقبول والحوار والتوافق والإقناع والإذعان لإرادة الجماهير، فالشعوب تعرف مصلحتها أكثر من حكامها، ولا يصح اعتبارها قاصراً تُفرض عليه الوصاية وبالطوارئ وقنابل الدخان، ولا بتخصيص عسكرى لكل مواطن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حاتم جمال علي
دعوة للتسامح