ياسر أيوب

مسجد وغياب وحجاب وجلباب.. وأشياء أخرى

الأربعاء، 25 أغسطس 2010 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على الرغم من نجاحنا بكل همة ونشاط من تفريغ الشهر الفضيل من أى فروض للفكر والتأمل ورصد أحوال الإسلام واستشراف مستقبله، فإنه يبقى ممكنا اللوم والعتب على مصر الرسمية والإعلامية والإسلامية لأنها مع انشغالها فى رمضان بمسلسلات وبرامج رمضان، لم تلتفت بالشكل الكافى واللائق لمعركة تجرى حوادثها حالياً بعيداً عن حدودنا، وبالتحديد فى مدينة نيويورك، وبالتحديد أكثر على بعد مائة وخمسين متراً فقط من برجى التجارة العالميين اللذين تم تفجيرهما عام 2001.

فعلى هذه الأرض، يريد ثلاثة مسلمين بناء مسجد، وغالبية الأمريكيين تعارض الفكرة من أساسها لأنها تعتبرها إهانة أن يقام مسجد كرمز للإسلام فى نفس المكان الذى امتلأ منذ تسعة أعوام بدماء وأشلاء ضحايا الإرهاب الإسلامى، ولم ينصف هؤلاء الثلاثة ويمنحهم الحق فى الحلم والتخطيط والشروع فى بناء المسجد الذى يريدونه أكثر من الرئيس الأمريكى نفسه، باراك أوباما.

وقد تابعت بدقة واهتمام واحترام جهود هؤلاء الثلاثة فى معركتهم الضارية التى يخوضونها هناك، الشيخ فيصل عبدالرؤوف، ابن مدينة سمنود بالغربية المولود فى الكويت والذى هاجر للولايات المتحدة بصحبة والده الإمام الإسلامى واستقر به الحال هناك داعية إسلاميا وإماما لمسجد الفرح وباحثا ومفكرا، له العديد من الكتابات ومحاولات تقديم الصورة الصحيحة للإسلام رغم دراسته الفيزياء فى جامعة كولومبيا وشهادة الماجستير من نيوجيرسى، والماليزية ديزى خان، الهندية المولودة فى كشمير قبل الهجرة للولايات المتحدة وزواجها من الشيخ عبدالرؤوف منذ ثلاثة وعشرين عاما، والتى باتت أما لأطفاله الثلاثة والمديرة التنفيذية لمنظمة مبادرة قرطبة التى أسسها الشيخ بعد انفجارات سبتمبر فى نيويورك بعد أن قضت نصف حياتها مهندسة تخصصت فى العمارة والديكور الداخلى.

أما الثالث فهو شريف الجمال، المولود فى نيويورك من أب مصرى وأم بولندية، وأصبح المالك والمدير التنفيذى لشركة سوهو مالكة العقار الذى سيتم تحويله إلى مسجد ضمن مشروع إسلامى ضخم، ولا أحد بإمكانه تخيل حجم المواجهات والصراعات التى خاضها والضغوط التى تحملها والتهديدات التى تلقاها هؤلاء الثلاثة منذ أعلنوا عن مبادرتهم ورغبتهم فى بناء هذا المسجد فى نيويورك، يهود الولايات المتحدة والعالم والسياسيون وأعضاء الكونجرس الأمريكى والإعلام وقادته هناك وحتى الأمريكيين العاديين، اعتبروا الثلاثة أعداء للأمة الأمريكية، لأنهم يملكون مخططا سريا لأسلمة الولايات المتحدة ولأنهم يريدون إهانة الجميع ببناء هذا المسجد فى نفس مكان سيبقى فى رأيهم شاهدا على العنف الإسلامى، ولم يستسلم الثلاثة ونجحوا، بلدية نيويورك وافقت، أعضاء الكونجرس من الأعداء لم ينجحوا فى سعيهم لإفساد المشروع، كل الحملات الإعلامية والإعلانية المعلنة والسرية لم تجبر الرئيس الأمريكى على تغيير قناعته بأنه من حق المسلم الأمريكى أن يبنى مسجداً تماماً مثلما هو للمسيحى بناء كنيسته ولليهودى حق بناء معبده.

وافقت نيويورك أخيراً على السماح ببناء هذا المسجد، 19 من أعضاء مجلس المدينة وافقوا واعترض واحد فقط، وامتنع عشرة أعضاء عن التصويت، وبالفعل بدأ الثلاثة حملة جديدة لجمع مائة مليون دولار لبناء هذا المشروع الذى سيضم عدة طوابق، الأرضى والأخير سيضم كل منهما مسجداً إلى جانب قاعة للفنون وحمام سباحة وملعب لكرة السلة ومكتبة ضخمة ومدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية لخدمة مليون مسلم يعيشون فى نيويورك وحدها، والسؤال الملح الآن ليس هو كيف نجح هؤلاء الثلاثة أولاً فى مقاومة حملات الرفض والكراهية والغضب على كل ما هو إسلامى؟ وليس هو هل سينجح هؤلاء الثلاثة بالفعل فى إتمام هذا المشروع الضخم فى قلب نيويورك؟ وإنما هو أين نحن كلنا من كل هذا، فالرئيس أوباما منذ جاء للقاهرة ليطرح مبادرته لسلام ووفاق جديد ودائم وحقيقى بين الغرب والإسلام، ونحن نكتفى بالفرجة ومتابعة تلك المبادرات التى تعددت وتوالت دون أى مبادرة إسلامية، لا الأزهر ولا المؤسسات السعودية ولا أى هيئة إسلامية اهتمت بطرح رؤية إسلامية لهذا الوفاق.

وإذا كان الأزهر هو المكان الذى قصده أوباما واعتبره رمزاً للإسلام، فالأزهر نفسه كان آخر من يفكر فى التضامن مع أوباما وهو يقف ضد كل الضغوط السياسية والإعلامية ليسمح لثلاثة أمريكان مسلمين ببناء مسجد فى نيويورك، ومصر التى انشغلت كثيراً وجداً بزيارة أوباما وخطابه الشهير فى جامعة القاهرة، لم تفكر، حتى الآن، فى استثمار تلك المكانة التى منحها أوباما قاصداً القاهرة معترفاً، والغرب كله من ورائه، بأن القاهرة مرشحة دائمة لأن تكون عاصمة الإسلام فى العالم وقلعته وقائدته، وبالتالى، كانت القاهرة أيضا، بمؤسساتها الدبلوماسية والدينية، غائبة من جديد عن كل هذه المعركة التى دارت طيلة الأشهر الست الأخيرة فى نيويورك والولايات المتحدة بأسرها.

أما الإعلام المصرى، وأقصد به إعلاما رسمياً وخاصاً ومباشراً وموازياً عبر مواقع الإنترنت والفيس بوك وباقى المواقع الأخرى، فقد كان غائباً تماماً عن كل هذه الحكاية. صحيح أن هذا الإعلام الرسمى والخاص تنازل من عليائه مشكوراً ليكتب عن مأدبة الإفطار التى أقامها الرئيس أوباما بالبيت الأبيض احتفالاً بشهر رمضان، لكنه كان إعلاماً يكتب عن رئيس الولايات المتحدة وتصريحاته أكثر مما يكتب عن حرب أخرى طويلة ومزعجة بسبب بناء هذا المسجد فى نيويورك.

أما الإعلام الموازى، الذى يقلب الدنيا، دنياه هو وليست الدنيا الحقيقية التى نعرفها ونعيش فيها، كلما منعت مدرسة أو شركة دخول تلميذة أو موظفة محجبة، أو إن ظهر رسم أو مشهد فيه سخرية من الجلباب باعتباره بات أحد رموز الإسلام، وخرج أصحاب هذا الإعلام الموازى يصرخون واإسلاماه، هؤلاء لم يحفلوا على الإطلاق بما جرى فى نيويورك وبهذه القضية التى تصدرت الصفحات الأولى للصحافة الأمريكية أياما طويلة، نحن فقط لا نحفل إلا بمن يهاجمنا ويشتمنا ويهيننا نحن وديننا وقرآننا ورسولنا عليه الصلاة والسلام.

أما الذى يقول عنا كلمة طيبة أو يقف معنا مؤيداً ومتفهماً ومقتنعاً، أو يحترم عقائدنا وثقافتنا وقواعد ديننا وأحكامه، فهؤلاء لا نريد أن نراهم أو نسمعهم أو حتى نعرفهم أصلاً، وكأننا حريصون جداً على رسالة نريد أن يقرأها العالم كله، من ينتصر لديننا أو من يحترمنا فلا مكان له بيننا وفى اهتمامنا وإعلامنا، أما الذى يسخر منا ويشتمنا فهو الذى فى القلب والعقل والذاكرة، ويبدو أنه يريحنا أكثر أن يبقى شهر رمضان فى حياتنا شهراً خاصاً ومقدسا للدراما وبرامج النجوم، فهذا أفضل وأسلم لنا وللجميع من حولنا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة