جمال أسعد

ماذا تريد الكنيسة من عدم تنفيذ حكم الإدارية العليا؟

الخميس، 10 يونيو 2010 04:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ سر الزواج الذى يعتبره البابا مقدساً لم يكن موجوداً من الأساس
◄◄ هل كل الآباء ورجال الدين المسيحيين على مدى مئات السنين لا يعلمون الإنجيل ولا يحافظون عليه ولا يوجد فى الكنيسة منذ نشأتها سوى البابا شنودة هو العارف والحافظ؟


قضت المحكمة الإدارية العليا يوم 29/5/2010 بأحقية المطلقين فى الزواج الثانى، ورفضت طعن البابا شنودة الثالث لإلغاء حكم القضاء الإدارى الصادر لصالح أحد المطلقين الأقباط فى الوقت الذى أعلن فيه البابا شنودة الثالث عدم تنفيذ حكم الإدارية العليا تحت أى سبب، وقال إن هذا الحكم لا يخص الكنيسة حيث إنها تحكم بالكتاب المقدس وبقوانين الكنيسة لا بالقانون العادى. وأكد أنه مستعد لمواجهة ما يحدث فى سبيل الحفاظ على العقيدة الأرثوذكسية والتعاليم المسيحية. فما سبب هذا التصادم؟ وماذا ستكون النتائج؟

أما سبب هذا التصادم فهو طلاق المسيحيين وليس زواجهم الثانى. حيث إن الكنيسة فى عهد شنودة الثالث حددت الطلاق فى علة الزنى فقط! فى الوقت الذى كانت فيه الكنيسة تعتمد حالات تعطى على أساسها الموافقة بالطلاق، وعليه تقوم الكنيسة بعقد الزواج الثانى للمطلقين الأقباط. وأسباب الطلاق هذه كان العمل بها منذ العصور الأولى، حيث إن سر الزواج هذا الذى تعتبره الكنيسة من الأسرار المقدسة والتى تحل فيها الروح القدس على الزوجين ويصيران جسدا واحدا، ولم يكن سر الزواج هذا موجودا من الأساس، لذا فقد كانت هناك أسباب وحالات كثيرة تعطى صك الطلاق، وقد تم جمع تلك الحالات المتعددة عن طريق قوانين أولاد العال فى القرن الثالث عشر الميلادى. وظل معمولا بها فى الكنيسة، حتى قام المجلس الملى للأقباط برئاسة البابا شنودة فى ذلك الوقت بتقنين عشر حالات للطلاق فيما يسمى بلائحة سنة 38، وأهم تلك الحالات: الزنى - المرض المعدى - العنة - الرهبنة - الخلاف والانفصال لمدة خمس سنوات - السجن لمدة سبع سنوات- الجنون، وقد كان المجلس الملى فى ذلك الوقت من اختصاصه تلك التشريعات الخاصة بالملة، بل كان يقوم بالفصل فى حالات الطلاق والتصريح بالزواج الثانى عن طريق المحاكم الملية الخاصة بالمسيحيين، يقابلها المحاكم الشرعية الخاصة بالمسلمين. وبعد الثورة تم إلغاء تلك المحاكم وأصبح ما يخص الأحوال الشخصية للمصريين مسلمين ومسيحيين عن طريق المحاكم المدنية، وكان ذلك عام 1955 حيث تم اختصار الحالات العشر للطلاق إلى ثمانى حالات، وظلت المحاكم المدنية تعطى الطلاق للمسيحيين الذين تنطبق عليهم تلك الحالات الثمانى.

وبالتالى كانت الكنيسة بناء على تلك الأحكام تعطى وتقوم بالتصريح بالزواج الثانى. ولكن بعد مجىء البابا شنودة أعلن أنه لا طلاق إلا لعلة الزنى فقط، وبالتالى فقد أصبحت كل حالات الطلاق التى تتم عن طريق المحاكم وبناء على لائحة 38 لا يعترف بها البابا شنودة، وبالتالى لا يعطى ولا يوافق على التصريح بالزواج الثانى مما راكم حالات الطلاق ومشاكله إلى آلاف الحالات، زاعما أن لائحة 38 غير كنسية وتتناقض مع الإنجيل وأنه يحافظ على تعاليم الإنجيل. وهنا نسأل البابا: هل كانت الكنيسة تقبل حالات الطلاق منذ العصور الأولى مرورا بقوانين أولاد العال وحتى لائحة 38، وهل كل الآباء وكل رجال الدين وكل المسيحيين فى الكنيسة وعلى مدى آلاف السنين لا يعلمون الإنجيل ولا يحافظون عليه، ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة منذ نشأتها سواك هو العارف والمحافظ؟!

ويقول البابا إن الإنجيل يقول لا طلاق إلا لعلة الزنى. ونقول نعم الإنجيل يقول ذلك. ولكن ماذا قال الإنجيل لتعريف الزنى؟ لم يؤكد الإنجيل سوى نص واحد لتعريف الزنى، وهو «من نظر لامرأة وقد اشتهاها بقلبه فقد زنى بها». وهنا لو تم تفسير النص حرفيا نجد أن الجميع زناة بقلوبهم. ولذا فهذا النص لا يجب أن يُفسر حرفيا، ولكن يجب النظر إليه بشكل روحى، فالإنجيل يقول «الحرف يقتل أما الروح فتحيى» ويقول الإنجيل عندما وجد اليهود يتشددون فى احترام يوم السبت ومازالوا، فيقول السيد المسيح «إن السبت جُعل من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل السبت» بمعنى أن الشريعة والدين جاءا لأجل الإنسان وراحته وليس لأجل شقائه. كما أن التنطع فى الإصرار على أن يكون الطلاق لعلة الزنى فقط يخلق مشاكل لا تنتهى، فهذا لا يتناسب مع المقاصد العليا للمسيحية.

ففى حالات شاذة تستحيل فيها الحياة بين الزوجين ولا يحصلان على الطلاق فعندئذ تحدث ثلاث حالات، إما الزنى لكلا الطرفين لاستحالة الطلاق والزواج الثانى حيث إنهم بشر، فيمكن الانحراف، إما أن يتخلص كل طرف من الآخر جسديا حتى يحصل على زواج ثان. إما أن يقوم بالتحول للإسلام وهنا ندخل فى مشاكل طائفية لا قبل لنا بها، فهل الدين يستهدف هذا ويريد هذا؟ ولإصرار البابا على رأيه ولتصوره أنه الوحيد فى تاريخ الكنيسة الذى يحافظ على تعاليمها، فقد تشدد فى عمليات الطلاق والأهم أنه قام بتعديل لائحة 38 والمعمول بها حتى الآن فى المحاكم عن طريق المجلس الملى، ناسيا ومتناسيا أن المجلس الملى عام 1938 ومنذ إعداد الائحة كان هذا من اختصاصه ولكن بعد إلغاء المحاكم الشرعية والملية عام 1955لم يصبح هذا التعديل من اختصاص الملى بل من اختصاص مجلس الشعب المصرى، ولذا لم تتعامل المحاكم مع تلك التعديلات غير القانونية، بل تتعامل مع اللائحة قبل التعديل، أى يتم الحكم بالطلاق على أساس الحالات الثمانى لحالة الزنى فقط. وهذا هو اللبس الحادث الآن فى الحكم الأخير للإدارية العليا. فهى قد حكمت بالزواج الثانى لشخص قامت زوجته بخلعه بعد تغيير الملة. وبعد حصولها على الخلع عادت مرة أخرى للأرثوذكسية، فقامت الكنيسة بزواجها مرة ثانية فى الوقت الذى لم تصرح فيها بالزواج، مع العلم بأن الزوج لم يطلق من الأساس ولم يزن حتى تتعنت معه الكنيسة.. وهذا يعنى أن الحكم لا علاقة له بالإنجيل ولا بأحكامه ولا بسر الزواج فى الكنيسة. فالحكم صحيح بناء على لائحة 38 ولكن البابا يريد أن تكون آراؤه وتعديلاته بديلة عن السلطة التشريعية.

وهنا ونحن أمام تلك المعضلة القانونية.. القضائية والسياسية بحق.. فهذا الحكم وعدم تنفيذه سيكون لهذا نتائج لا تحمد عقباها، حتى ولو كان ذلك فى إطار الشحن الطائفى والاستقواء ضد الدولة والقانون عن طريق ما يسمى المتاجرة بالدين وحمايته. ولذا نقول: هل الحكم بالطلاق بناء على أحكام الإنجيل لابد أن يكون عن طريق رجال الدين، فيقول لا يوجد نص إنجليلى ولا يوجد فى التاريخ ما يقول ذلك. فالمعروف كنسيا أن كلمة كنيسة لا تعنى رجال الدين أو البابا، بل كنيسة جماعة المؤمنين، أى رجال الدين والعلمانيين أى المسيحيين من غير رجال الدين. ولما كان المجمع المقدس الذى يشرع من الرهبان غير المتزوجين فلذلك هؤلاء لم يمارسوا حياة الزيجة ولم يذوقوا طعم المشاكل الزوجية ولم يعانوا من ذلك. ولذا فلا يجب أن يشرع غير المتزوج للمتزوج، بل هؤلاء بلا شك تكوينهم ضد الزواج أصلا، فما بالك بالزواج الثانى. ولذا فكلمة كنيسة تعنى أن يكون هناك حوار مجتمعى مسيحى لكل المسيحيين حول تلك القضية الشائكة واضعين فى الاعتبار أن النص الدينى لصالح البشر وليس لتعذيبهم.. وللمتزوجين وليس للرهبان. كما أن الدين والالتزام به وبقيمه وأخلاقياته هو عملية إيمانية بكل الجدية. ولن يكون فرضا أو قيدا حديديا من قبل البابا أو رجال الدين.

والأهم، حلا لتلك المشاكل، هو الإسراع لإصدار قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين بعد مناقشة وحوار مجتمعى حتى يكون هناك توازن بين النص الدينى ومقاصده العليا. ومشاكل البشر الذين جاء الدين لمصالحهم ولسعادتهم فى الدنيا والآخرة. وأخيرا وهو ما يعنينى كسياسى مصرى، هو رد الفعل لعدم تطبيق الكنيسة لهذا الحكم النهائى للإدارية العليا.

فبلاشك أن جموع المسلمين سيقابلون عدم تنفيذ الحكم من الكنيسة بأنها أقوى من الدولة ومن القانون والقضاء، حيث إن الحكم هو عنوان الحقيقة. وهذا يعنى أن هناك استقواء إما بالطائفية أو بالدين أو بالخارج. الشىء الذى سيشعر معه المسلم بأنه هو الذى ينفذ الأحكام، ويوجد غيره أكبر من الأحكام، الشىء الذى سيجعل الأقباط تنتابهم حالة استقواء خيالى مغلوط متصورين ومتوهمين أن الكنيسة أكبر من القانون والدولة، الشىء الذى سيراكم المناخ الطائفى والفرز الطائفى، الشىء الذى يفجر الأحداث الطائفية، فكل هذا لصالح من؟ وأين مصر والمصريون من كل هذا؟ نرجو أن نخرج من هذا المأزق بحل يجعل مصر لكل المصريين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة