الأتراك قادمون، يدقون الباب ولا ينتظرون منا أن نفتح لهم، هم قادرون على الاقتحام عنوة.. مع ابتسامة مفتعلة.
فى أوراقه الخاصة، ، يتنبأ الراحل د.جمال حمدان، بأنه فى وقتٍ قريب، ستشهد منطقتنا صراعاً ما بين إيران وتركيا، على وراثة الدور المصرى، هذا فى حالة انسحاب مصر من لعب أدوارها التاريخية، وانكفائها على نفسها.
وكأنه رأى المستقبل، فها هى تركيا وريثة الدولة العثمانية، تلعب الآن دور البطولة فى الصراع العربى الإسرائيلى، وتحمل لواء المقاومة، بل ترويه بدماء الشهداء.
ليس من قبيل الصدفة، ولو أنها (الصدفة) لعبت دوراً درامياً فى تصاعد الأحداث، أن تأتى مذبحة أسطول الحرية، بعد فترة وجيزة، من إطلاق قناة «التركية» التى تحمل بثاً موجهاً للمرة الأولى باللغة العربية، من تركيا «الدولة» إلى الشعب العربى. القناة الوليدة أطلقتها الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون التركية «ت ر ت»، وأشرف على انطلاقها رئيس الوزراء التركى «رجب طيب أردوغان» بنفسه، ووصف المنسق العام للقناة «سفر توران» (فى أحد أحاديثه الإعلامية) الدور الذى ستلعبه القناة قائلاً «سوف نقدم القهوة التركية لكل بيت عربى من الخليج إلى المحيط».
هكذا وبكل وضوح، تعلن تركيا عن نيتها فى اختراق كل بيت عربى بلطف ومودة ودون صدامات ثقافية، وبمناسبة الثقافة، فقد أعلن القائمون على القناة أنها سترتب نقاشات بين مثقفين عرب وأتراك، كما أن القناة عامة تستهدف جميع المشاهدين العرب، حتى الأطفال ستكون لهم برامجهم، لكن لن يتم إهمال الأخبار، حتى أن القناة (وعلى لسان منسقها) تعتبر أن القضية الفلسطينية «ستكون حاضرة»، أى أن القناة ستجعل تركيا موجودة فى كل بيت عربى، تخلق حواراً نخبوياً ثقافياً عربياً تركياً، لها موقف واضح ومعلن ومحدد من القضية الفلسطينية.
وبمناسبة هذا، فقد أورد أحد المواقع الإخبارية التركية، فى مورد حديثه عن خبر إطلاق التركية، معلومات عن «التجربة التركية» ذكر فيها بعض الأرقام مقارنة بنظيرتها المصرية، المقارنة خلصت أن التجربة التركية متفوقة بالطبع على المصرية، من حيث الناتج القومى، وعدد السائحين، واحتياطى العملات الأجنبية.. وغيرها، وطبعاً الحدق يفهم!
ما الذى تبقى لنا إذن؟ ها هى تركيا تتسلل إلى قضايانا المصيرية، تتولى قياد الملف الفلسطينى وبالأحرى المقاومة ضد المحتل، وتسعى للتمركز والانتشار فى فضاءنا، مع كل الدعم الرسمى والموجه من الدولة التركية لهذا التوغل السريع المدروس الذى يسعى لتحويل ذكرى ماض أليم مشترك، إلى مجرد ماض صالح لخلق مستقبل مشترك.
دار الزمان دورته، لتصبح مصر هى «رجل المنطقة المريض»، مثلما كانت الدولة العثمانية يوماً ما أوان احتضارها، لكن السؤال لم تحسمه إجابة بعد: هل انتهى زماننا؟ وهل سنجلس فى انتظار ما تمليه علينا الإرادة التركية؟ أم أن إرادة وطنية وسياسية مخلصة ستكتب مستقبلاً نكون فيه سادة الفضاء العربى.. والأرض أيضاً؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة