كتب أحد النقاد الأمريكيين فى مجلة «فرايتى» الشهيرة إن أغلب من يذهبون إلى السينما يبحثون عن الفرار المريح من مشكلاتهم، والغالبية يكرهون من يذكرهم بأخطائهم.. لذا فالجماهير فى أمريكا لن يسعدهم مشاهدة فيلم جرين زوون green zone حتى لو كان فيلما جيدا.
انتهى كلام ناقد أمريكى عن فيلم جرين زوون الذى يعرض حاليا فى أمريكا ومصر، وهو مأخوذ عن رواية لراچيف شاندراسيكران مراسل جريدة الواشنطون بوست الشهيرة فى العراق إبان ح=رب الخليج، وقام ببطولة الفيلم مات ديمون، وجريج كنير، وإيمى ريان، وإيجال ناعور، أما المخرج فهو بول جرين جراسى.
وأما الناقد الذى كتب الكلمات التى بدأت بها حديثنا، فله كل الحق بشكل عام، فيما قال، فمن يحب أن يذكره أحد بأخطائه وخطاياه. وإن كان جرين زوون يذكر أمريكا بأخطائها فهو للأسف أيضا يصفعنا آلاف الصفعات ويصرخ بأخطائنا كعرب أولا ومصريين ثانيا.
ولنبدأ بخطايا أمريكا التى يحكى عنها الفيلم، فهو يخط بداية قصة الغزو الأمريكى للعراق ووصول القوات الأمريكية مدعومة برجال المخابرات ورجال السياسة، ويصور الفيلم حالة الفوضى العارمة التى حدثت فى العراق، وعملية البحث الدءوبة من القوات الخاصة عن أماكن أسلحة الدمار الشامل، وبالتحديد من خلال فرقة يقودها مات ديمون، ولكن كلما تذهب إلى مكان حددته المخابرات كبؤرة سلاح دمار تكتشف السراب فلا شىء فيه.
وتتوالى الأحداث لتصل بنا كجمهور وأبطال الفيلم فى الوقت ذاته إلى الخدعة التى تعرض لها الجميع.. لا وجود لأسلحة الدمار الشامل فى العراق، وأن القيادة الأمريكية ممثلة فى أسماء بعينها خدعت الجميع بمن فيهم الجيش الأمريكى بهذه الحجة لغزو العراق، وأن المسألة لا تعدو أن تكون إلا مصالح أشخاص دفعت أمة إلى الهاوية والفوضى.
إذن أمريكا تدين نفسها فى هذا الفيلم، والأهم أن إدانتها بشكل فنى وبصرى وعقلى رائع، وحين يدين الإنسان نفسه يتخلص من خطاياه بالاعتراف، وهل من اعتراف أكبر وأعلى صوتا من أفلام السينما!! السينما الأمريكية من خلال فيلم «المنطقة الخضراء» أو «جرين زوون» وأفلام أخرى تنقى أخطاءها وتُخرج ما فى جعبتها من خطايا، فكأن السينما الأمريكية نيابة عن أمة بأسرها تقوم بالاعتراف والخلاص للشعب.
وعودة إلى حديث الناقد الأمريكى فى مجلة «فرايتى» فلا أظن أن فيلم «المنطقة الخضراء» أو ما على شاكلته يمثل أزمة للمشاهد الأمريكى لأنه يذكره بخطاياه، بقدر ما يمثل مصدرا للراحة لأنه وجد من يعترف نيابة عنه بالخطأ.
ولكن بحسب منطق ذاك الناقد فإن مثل هذه الأفلام يجب أن تدمى قلوبنا نحن العرب والمصريين، ليس فقط لأنها تذكرنا بعجزنا وهواننا على الناس، ولكن الأهم أنها تؤكد خيبتنا الثقيلة فنيا وفكريا.. فلا نحن نستفيد من انتصاراتنا ولا هزائمنا.. لم نستطع أن نقدم مثلا فيلما واحدا عن انتصار أكتوبر الذى تُدرسه كل معاهد تعليم فنون الحرب حتى الآن، قدمنا أفلاما مثل «بدور» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» و«أختى».. و«كسة فنية» وحتى إنسانية فيما يشبه أغانينا الوطنية التى تقام فى المناسبات وتموت قبل ولادتها.. مجرد سبوبة لصناعها.. هذا فى حالة الانتصار أما فى الهزيمة فحدث ولا حرج.. ماذا فعلنا بهزيمة 67 فى السينما؟ قدمنا مجموعة أفلام لم تخرج عن نفس شكل «أختى» و«بدور» ويوم أن شمرنا سواعدنا قدمنا فيلم «العصفور» أو «عودة الابن الضال» أفلام رمزية لا تحمل وضوحا وصوتا يسمح لآخرين غيرنا بفهمها.
وهل من مثل أسطع من أن فيلم «المشير والرئيس» يعانى من رفض الرقابة له منذ سنوات، خوفا من أن يتعرض من قريب أو بعيد للمؤسسة العسكرية فى زمن مضى ولم يتم الإفراج عنه إلا بحكم محكمة، ورغم أنى لم أقرأ السيناريو ولم يتم بعد تنفيذ الفيلم فإننى على ثقة بأنه سيأتى مثل غيره من الأفلام التى تتحدث عن هذه الفترة ليس لأنى أضرب الودع، ولكن لأن صناع الفيلم كاتب السيناريو ممدوح الليثى ومخرجه خالد يوسف فى لقاءاتهما بعد الحكم ذهبا يدافعان عن الجيش وصورته وأن هذا الفيلم تحية إعزاز وليس نقدا لتلك المؤسسة على الأقل تاريخيا.
ومن العبث الحديث طبعا عن أفلام تتحدث عن حرب لبنان أو العراق أو إيران أو اليمن أو السودان، فإن لم نستطع أن نقدم ونتخطى خطايانا وهزائمنا وانتصاراتنا كمصريين نمتلك ناصية السينما أكثر من غيرنا فى المنطقة.. فكيف نفعل بقضايا عامة.
ودعونى أزيدكم من الخيبة حكايات مجرد أمثلة.. تركيا تصنع حاليا فيلما اسمه «وادى الذئاب.. القدس» عن القضية الفلسطينية كما قدمت من قبل «وادى الذئاب.. العراق» والأفلام تحصد اهتماما عالميا على المستوى العالمى والمادى.. تربح تركيا من قضايانا كما ربحت بمسلسل «صرخة حجر» الذى باعته لقنواتنا بأموال وأجبرت إسرائيل على الاعتذار بسبب تهجمها على تركيا بعد هذا المسلسل.
إذن أمريكا وتركيا وآخرون يربحون أموالا ومكانة من خطاياهم وهزائمنا وأحزاننا، حتى أفراحنا، بينما نحن نكتفى بالمشاهدة ومصمصة الشفاة.
شاهدوا المنطقة الخضراء ومصمصوا شفاهكم حتى نقوم بدورنا، فالجنة لهم والنار لنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة