أحياناً.. تعرض قناة الجزيرة، ما يغفر لها افتراءات كثيرة على مصر، واللافت أن القناة التى تمارس تحاملاً على مصر فى برامجها الإخبارية، هى نفسها التى تقدم وجهًا آخر لمصر، لا يعرفه كثير من أبنائها وربما نكون نحن أنفسنا قد نسيناه فى زحام ظروف أصعب من أن تترك لنا فرصة لنرى فيها الوطن من زوايا يستحقها.
«مين اللى يقدر ساعة يحبس مصر؟»، هو اسم الفيلم الذى عرضته القناة الأسبوع الماضى، والذى عرض فى خمسين دقيقة، حياة الشاعر المصرى الرائع «زين العابدين فؤاد»، فى فيلم رغم وثائقيته، جاء فى إيقاع روائى. الزاوية التى جاءت متميزة، هى التعرف إلى أغنيات «الشيخ إمام» والتى كتبها «زين العابدين»، والتى قد ينسبها البعض إلى الشاعر الكبير «أحمد فؤاد نجم»، باعتباره الشريك الأشهر لإمام، ورفيق رحلته الطويلة.
أشهر تلك الأغنيات، هى «اتجمعوا العشاق فى سجن القلعة»، والتى حمل الفيلم اسم أحد مقاطعها «مين اللى يقدر ساعة يحبس مصر؟» وهو التساؤل الذى يختم الفيلم مشاهده بإجابة له قبل نزول التيتر «ولا حد».
ربما أن عرض الفيلم فى هذا التوقيت، يخلق حالة من الشجن الوطنى، ففى نشرات الأخبار التى تسبق وتلى الفيلم، تأتى تغطيات الحركات الاحتجاجية الأخيرة، وكأن الزمن يعيد نفسه، وكأن مصر «ولادة»، لا يتوقف نضال أبنائها أبداً. وهى حالة تتقن «الجزيرة» خلقها، فهى نفسها القناة التى عرضت منذ أقل من عام فيلمها عن البطل الراحل «سعد حلاوة»، وكان من إنتاجها وتنفيذها؛ لكنه أيضاً كان من إخراج مراسلها المصرى «سمير عمر»، فالمصريون هم أفضل من يتحدث عن مصر بلغة الصورة إذا أتيحت الفرصة، أما فى الفيلم عن «زين العابدين»، فالسيناريو والإخراج للمخرج المصرى «عمرو بيومى»، والمنتج المنفذ شركة «هوت سبوت» والتى يملكها ويعمل فيها مصريون، من هنا فإن حالة الدفء والحميمية، لم تكن صدفة، وإنما انعكاس لرؤية عن شاعر مصرى، ارتبط اسمه بمرحلة خصبة فى تاريخ مصر، ورغم أن شخصية شبيهة قد تذهب خيوط صناعة فيلم عنه إلى منطقة خاصة بالنخبة؛ فإن المعادلة الصعبة تحققت، بحديث عن النخبة بلغة أبسط ما تكون، تم توظيف الصورة والموسيقى التصويرية فيها، ليبدو الأمر وكأن حياةً تدور فى حارة مصرية مجاورة لأىٍ منا.
تحاول «الجزيرة» أن تظهر بأن فجوةً كبيرةً، بين النظام الذى يجنح إلى التطبيع، والإرادة الشعبية التى ترفضه، وأن نظاماً يمارس قمعاً ضد معارضيه؛ لكنه غير قادر على التخلص منهم، إلا أن «رُبَ ضارةٍ نافعة» فهذه الشاشة - الأعلى مشاهدةً إخباريًا - هى نفسها التى تقدم خدمة كبيرة لنا بالحفاظ على جزء من تاريخنا، ما كان ليظهر بدونها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة