نعم بلدنا محشورة بين خيارين كلاهما مر، معارضة ليس لها «رجلين على الأرض»، ونخبة حاكمة تحتكر وحدها السلطة، ومع ذلك لا تديرها بكفاءة، بل وربما بسبب ذلك لا تدير بكفاءة، البلد يعانى من أزمات عجيبة وغريبة، مواطنون يموتون فى أزمات مثل السولار والأنابيب والخبز.
أضف عليها أزمات معروفة قبلها، مثل السيول، الأمطار التى أغرقت القاهرة وبعض المدن، والتى كشفت بدون شك أن جهاز الدولة (عدد العاملين فيه 7 ملايين موظف) مترهل، وقياداته لا تستحق مواقعها، ناهيك عن كونها مؤشرا على مبالغة فى «إنجازات البنية التحتية» التى يرددها النظام الحاكم.
لا أظن أن القارئ الكريم بحاجة لأن أذكره بكل ذلك، ولا أن أذكره بالاختناق السياسى، الذى تعانى منه البلد، فلا توجد حرية تأسيس أحزاب، فالذى يمنح ويمنع هو الحزب الحاكم نفسه، أى أنه الخصم والحكم.. ولا توجد حرية تأسيس نقابات ولا جمعيات، ولا غيرها من الوسائل التى ابتكرتها البشرية لكى يدير المجتمع نفسه بنفسه.
أما قوى المعارضة، فدعنى أقول أن مصيبتها أكبر، ففى الجوهر ربما تكون أكثر استبدادا من الحزب الحاكم، فخطابها المعلن ليل نهار هو العدل والحرية، فى حين أن ممارساتها على الأرض تخلو تقريبا من هذه المقولات، فلم تصنع للأسف مؤسسات ديمقراطية قادرة على إدارة الاختلاف، ولذلك من الطبيعى أن تشهد كل هذه الانشقاقات، ولا تشهد تجددا للدماء والأفكار، ولكنها لا تفعل أكثر من إعادة إنتاج ذات المقولات الجاهزة كل يوم. كما أنها لم تستطع بناء مؤسسات تحترم العاملين فيها، بل إنها الأسوأ حالا فى البلد، مقارنة حتى بالعاملين لدى أجهزة الدولة ومؤسساتها الصحفية التى تسيطر عليها.
إنها الازدواجية المقيتة التى جعلتهم يفقدون مصداقيتهم، ودعنى أقول تأثيرهم على الأرض، فليس لهم جماهير حقيقية، ولكنهم مجرد حلقات معزولة عن بعضها ومتصارعة على فتات تافه. ولذلك من الطبيعى أن ينشغلوا بقضايا أكثر جاذبية للصحافة والإعلام، وليس الناس، فلن ينشغلوا بانتخابات المحليات، ولن تجدهم فى الاحتجاجات الشعبية التى تزرع مصر من أسوان إلى إسكندرية، بل هم يحتقرونها. لكنهم مشغولون بالرئاسة، فى حين أنهم فى الحقيقة ليس وراءهم قوى اجتماعية، فهل سمعت عن تغيير فى بلد بلا جماهير؟!
أظن أنك توافقنى أن الأمل الوحيد ليس فى هذه النخبة الحاكمة ولا فى معارضتها، ولكن فى هؤلاء الذين يغيرون الواقع على الأرض وليس فى الفضائيات، هؤلاء الذين يحتجون أمام مجلسى الشعب والشورى وكل مؤسسات الدولة، فهم الذين يعيدون توزيع الثروة فى البلد، وينتقلون تدريجيا إلى النضال من أجل إعادة توزيع السلطة، ربما يأخذون وقتا طويلا وجهدا أكبر.. ولكنهم حتما سيصلون إلى دولة العدل والحرية ويرحموننا من حشرة «السلطة ومعارضتها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة