منذ شهور وأنا أرصد ما يحدث فى جامعة عين شمس بعين فاحصة وقد كتبت فى أكثر من موضع معلقة على سيل التكريمات التى حظى بها عدد من الفنانين مؤخراً من جامعة عين شمس.
ولنبدأ الحكاية منذ البداية، فعلى مدار التاريخ القريب حين كان التعليم العالى منحصرا فى أحضان الدولة كان هناك دائماً نشاط فنى داخل الجامعة يتمثل فى نشاط الطلبة أنفسهم من مسرح وغناء وغيره من النشاطات، ولكى منذ أن دخل المال الخاص فى تمويل التعليم العالى تغيرت أشكال النشاطات الفنية فى الجامعات وأصبحت صور وأخبار نشاطات الجامعات الفنية فى صدارة صفحات المجتمع وإن اقتصرت أغلبها على حفلات فنية لمطربين وراقصات، حتى بدا وكأن نشاط الجامعات الفنى مقتصر على غناء شباب المطربين وتبارت الجامعات الخاصة فيما بينها على من هى الجامعة التى تحظى بالمطرب الأكثر كنجم فى أرجائها.. ولم نعد نسمع على نشاط فنى يخرج طلبة من الجامعات يصيرون نجوما أو حتى أنصاف نجوم كما كان الحال فى أجيال سابقة مثل جيل عادل إمام خريج الزراعة ورفاقه أو جيل الفخرانى خريج الطب وعشرات من الأمثلة.
والخلاصة أن القانون الفنى للجامعات الخاصة استشرى وتفحل فوصل إلى المدارس أيضاً حتى تحولت بعض الحفلات الفنية المدرسية إلى فضائح وتحرشات وحالة من التدنى الفنى.
هذه الحالة كانت حتى وقت قريب تبدو خاصة بالجامعات والمدارس الخاصة ولكن مؤخراً دخلت جامعة عين شمس منذ أن تولى رئاستها الدكتور ماجد الديب خلفاً لرئيسها السابق أحمد زكى بدر.
ولم تكتف جامعة عين شمس بالحفلات الفنية فلا اعتراض على الإطلاق أن تقيم الجامعات حفلات فنية، بل يجب أن تقام كثير من الحفلات فى الجامعة ولكن السؤال أى نوع من الحفلات والفن الذى يجب أن تؤسس له الجامعة فى عقول ونفوس طلابها؟! بالتأكيد ليس فن الهمجية والردائة.
ولم تتوقف مصيبة جامعة عين شمس عند نوعية الحفلات والنجوم المدعومة لنشاطهم الفنى لكن المسألة صارت حالة انفجار إعلامى، فلا يمر يوم أو أسبوع إلا وتطالعنا الأخبار بأن جامعة عين شمس استضافت الفنان الفلانى لندوة ومنحته تكريماً خاصاً.. يا سلام تخيلوا مصطفى شعبان تكرمه الجامعة عن مسلسل «العار» وسامح حسين عن مسلسل «اللص والكتاب» وحماقى عن غنائه وأخيراً حكيم الذى هز وسط جامعة عين شمس بأغانى «بينى وبينك خطوة ونص!!» وخرجت الأخبار بتحرشات وضرب وفضائح فى تلك الحفلات، ولو صمتت إدارة الجامعة إزاء تلك الأخبار لقلت عادى ولكنى قرأت تصريحاً للدكتور ماجد الديب منذ حوالى أسبوعين فى صحيفة «الشروق» أصاب ضغط دمى بارتفاع مفاجئ برغم أنى من أصحاب الضغط المنخفض عادة.
الأستاذ الدكتور ماجد الديب رئيس جامعة عين شمس لا فض فوه صرح فى الجريدة بأنه سعيد بهذا التكريم للنجوم وحفلاتهم لأن «أى والله هكذا قال» هذه المناسبات تؤثر فى تفاعل الطلبة مع المجتمع وفهمهم لدورهم الاجتماعى.. يا سلام م م!!
أحترم الفن والفنانين وأفهم أن تكرم الجامعات بعضهم، ولكن على أسس لها علاقة بالعلم أو العمل القيم، ولكن أن يكون التكريم الجامعى مرتبطا بالفجاجة فهذا إرساء لقواعد غير أخلاقية أو مهنية والأكبر أنه كارثة تضاف لكثير من أخلاق الأجيال الجديدة والوكسة أن الجامعة هى التى تؤصل لها. ولذا لم أكن من بين هؤلاء الذين فاجأهم ما حدث فى جامعة عين شمس منذ أيام، وأطلقت عليه الصحف والفضائيات بلطجة وكارثة أو فضيحة أو جريمة، فصور الطلبة الذين يعتدون على الأساتذة والجنازير والألفاظ، ما هى إلا تداعيات طبيعية ومنطقية جداً لصرح تعليمى يكرم أبطال «العار» و«اللص والكتاب» و«بينى وبينك خطوة ونص» و«أحلى حاجة بحبها فيكى».
كل من كتب أو علق على حادث جامعة عين شمس الأخير ربط القصة بهدف عودة الحرس الجامعى وبأهداف سياسية ولا أنكر على هذا التحليل صحته، ولكنى أرى ما حدث فى جامعة عين شمس نتيجة أو ظاهرة مكملة لصورة حرم جامعى يترك أبوابه مفتوحة للفجاجة بداية من الفن مروراً بالأخلاق لنصل إلى سياسة البلطجة والتحرش، إنها الصورة مكتملة والحادث الأخير مجرد تفصيلة من تفاصيل كثيرة هزلية وكارثية فى حرم الجامعة من المفروض أن تخرج أجيال متعلمة تقود إلى النور لا إلى التحرش والبلطجة.
جامعة عين شمس بدأت بفجاجة الفن لتصل إلى فجاجة السياسة والأخلاق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة