أدعو الله ألا يكون عام 2010 امتدادا لعام 2009 الأغبر الذى كان فيه دعاة التطرف والمغالاة والظلاميون هم الأكثرية والأغلبية فى تلويث الرأى العام المصرى، ودغدغة مشاعر الجماهير الغفيرة، التى كاد الإحباط العام أن يفتك بها، نظرا لشعورها بالمهانة عقب أحداث مباراة مصر والجزائر.. وعلى ما يبدو أن تلك التراكمات التى عششت فى نفوس جماهير الكرة باتت تبحث عن فرصة للانفجار أو التفريغ، بعدما أكد لها الإعلام بضرورة عودة حقوقها الضائعة.. وفى الحقيقة لا أعرف بالضبط ما هى هذه الحقوق التى دعا إليها دعاة تلك الفضائيات، والذين لا يفكرون إلا فى كيفية تفجير تلك الجماهيرو وزيادة أوجاعها، ولكن الفرصة الذهبية لهؤلاء عندما استبعد حسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب الوطنى النجم الكبير أحمد حسام «ميدو» من صفوف فريقه قبل كأس الأمم الأفريقية بأنجولا.. وانتهزها غلاة التطرف والذين يملكون ميكروفونات توجه الرأى العام، فقدموا كل قواميس النفاق والتهييج العام.
فعلى سبيل المثال فقط.. هذا مذيع فضائى أكد فى حوار تليفزيونى مهم أن ميدو قد ترك إنجلترا من أجل تراب مصر وعيون الزمالك.. ويبدو أن هذا المذيع الجاهل لا يعلم أن مصر المحروسة كانت سعيدة وفخورة عندما كان ميدو محترفا أكثر من وجوده فى ترابها، لأنه كان ممثلا شرعيا وحقيقيا عنها فى بلاد الفرنجة، غير أن قيمة الاحتراف نفسها مهمة للدول سواء على المستوى الحضارى أو المادى أو الثقافى، وأغرب ما لفت انتباهى لتلك الانحيازات المتطرفة لصالح ميدو ضد شحاتة وأعوانه أننى لا أدرى أين كان هؤلاء وقتما لم يختر شحاتة اللاعب رغم أنه كان محترفا حقيقيا، وكان يستحق الانضمام لصفوف المنتخب.. لا أعلم لماذا لم يدافع وقتها أحد عن ميدو، ولم تأتِ سيرته وانكمش الجميع تحت أقدام انتصارات المدير الفنى.. وإذا كان رجال ميدو الذى طفوا على السطح فجأة يرون حقوقا للاعب فى الانضمام، فهناك أساليب وأسانيد وطرق فى طرح القضية أكثر إقناعا مما ادعوه.. فمثلا كنت أنتظر أن يسأل أحد حسن شحاتة مثلا: هل الـ45 دقيقة التى شارك فيها ميدو أمام مالاوى هى سبب إزاحته من الانضمام للمنتخب.. هل يمكن أن نقيم لاعبا دوليا محترفا فى معسكر لمدة 72 ساعة فقط، أم هناك خبايا وأسرار أو فوازير لم نعرفها ويحتفظ بها الجهاز الفنى، فحقنا وحق الجماهير أن نعرف، ولكن ليس صحيحا كما يروج البعض أن الجهاز الفنى مسئول مسئولية كاملة عن اختياره، فهذا خطأ جسيم ومقولة كاذبة تجعل المتربصين دائما تساورهم الشكوك فى نظرية المؤامرة التى تؤكد أن المدير الفنى يكره اللاعب، وأنه ضمه ثلاثة أيام وطرده للتنكيل به وكسر أنفه، وأن كابتن الفريق أحمد حسن أيضا ساهم بشكل كبير فى مؤامرة استبعاد ميدو.. وأؤكد أنه كان واجبا حتميا أن يخرج شحاتة وجهازه المعاون ليشرحوا أسباب استبعاد اللاعب.. وذلك لأن الضعفاء والباحثين عن أدوار البطولة الخادعة ظهرت أصواتهم فجأة وهللوا وأقاموا الدنيا وما عليها وأعجبتهم الأفكار الجهنمية، وهى دفع الجماهير للمظاهرات وتأجج غضبهم لضرب وتهديد اتحاد الكرة، وإلا بماذا نفسر الهوس الجماهيرى الذى تم تربيته ودعمه فى مباراة الجزائر، وتم شحنه بشكل غير مسبوق حتى بات هذا الغضب الجماهيرى وهذا الهوس الماجن هو الموازى للهوس الدينى والتطرف الدينى، الذى عاشت فيه مصر أسود أيامها منذ عام 81 حتى أواخر القرن الماضى.
ويبدو أننا دوما نملك القدرة على تحضير العفريت ولا نعرف كيف نصرفه.. الحكومات المتعاقبة كانت دوما تغذى ساحة كرة القدم وتساهم فى زيادة التعصب وساعدهم جهلاء ميكروفونات الفضائيات، حتى باتت تلك الجماهير الغاضبة قوة يمكن أن تنفجر فى وجه هذا النظام.. وبالطبع ستكون أشد ضراوة فى الوقفات الاحتجاجية للموظفين الذين يبحثون فقط عن زيادة رواتبهم ثم ينصرفون سريعا.. أما تلك القوة الكروية المتطرفة الحديثة، فأزعم أن تعدادها الأكثر وجرأتها الأفضل تتكون من مجموعات شبابية تبحث عن دور بعدما ضاع حلمها، سواء فى الوظيفة أو فى تحقيق الآمال المرجوة فى الحياة، وأزعم أن نموذج الغضب التى أثار جماهير الزمالك عقب احتساب نتيجة مباراة فريقهم وحرس الحدود لصالح الأخير، أو استبعاد ميدو، بإلقاء الطوب والحجارة على مبنى اتحاد الكرة وموظفيه هو بداية، وانتظروا عندما تهدأ المباريات وانتظروا أن تشعل جماهير الزمالك رايات الغضب الكبرى.. ولها أسبابها المتعددة، أولها حالة الاحتقان والقهر والإحباط من تردى نتائج الفريق على مدار السنوات الخمس الماضية.. وأيضا الأفكار الضعيفة المتردية التى يصدرها ممدوح عباس، رئيس الزمالك، للجماهير بتبريره أن أسباب التردى طوال التاريخ الطويل للزمالك تقع على كاهل الظلم الكبير الذى لاقاه النادى والجماهير معا، ونسى عباس أن يعترف بأخطائه فى الشهور الستة الماضية ليعرف أسباب التردى فى الدور الأول لمسابقة الدورى فقط.
والعجيب أن تلك الأمور المتشابكة أن الجماهير الغفيرة التى خرجت للشوارع دفاعا عن وهم ثرثرة الإهانة فى الجزائر أو لرفض قرارات اتحاد الكرة أو لخروج ميدو من تشكيلات المنتخب، لم نسمع عنها أنها وقفت أو خرجت للدفاع عن حقوقها الأساسية وكرامتها المهدورة.
وعموما لا نملك إلا أن ندعو لتكاتف القوى العاقلة فى الأوساط الرياضية، ليقدموا فهما عقلانيا لمفهوم التشجيع الرياضى، حتى يتم إيقاف أهل التأويلات المتزمتة والمتطرفة التى تطل علينا يوميا من نوافذ الفضائيات الكروية، ونطالب أيضا المسئولين عن كرة القدم بالعدل والمساواة والشفافية واحترام الجماهير بشرح أسباب القرارات التى يتخذونها حتى لا يتركوا تلك الجماهير فريسة للشعور بالاضطهاد، ولتوجيهات الضعفاء سواء كانوا مسئولين أو إعلاميين أو أدعياء البطولات الوهمية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة