إذا كانت السيدة العذراء هى بطلة برامج التوك شو لأمسياتٍ طويلة، فإن المسافة التى كانت تبعدها عن جماعة الإخوان المسلمين على القنوات الفضائية نفسها؛ لم تكن أبعد من تلك التى يقطعها مؤشر الريموت كونترول فى ثوانٍ.
المصريون.. هم أنفسهم الذى يبحثون عن الخلاص: لا فرق بين من كانوا يحتشدون رغم البرد أمام كنائس العذراء أملاً فى رؤيتها، وبين هؤلاء الذين يعتبرون أن من يرفع شعار الدين حين يتحدث فى السياسة هو بالفعل من يحمل الخلاص من ظلم واقعٍ يبدو ممتداً بلا نهاية.
وإذا كان الفرق يبدو كبيراً من حيث الشكل بين حوارٍ يستضيف قساً يؤيد صحة ظهور العذراء أو ينكره، وآخر يستضيف متحدثاً يرفع شعار الإسلام هو الحل ؛ فإن المؤكد أن كل من تابعوا ساحات التوك شو خلال الأيام الأخيرة من ديسمبر الماضى، تأكدوا أن المصريين شعب يبحث عن حل مشاكله فى السماء لا على أرض الواقع.. وطوبى لمن يحكمه.
فى حلقة «الحياة اليوم» التى استضافت القمص «عبدالمسيح بسيط» راعى كنيسة العذراء بمسطرد والقس «رفعت فكرى» راعى الكنيسة الإنجيلية فى شبرا، كان الحوار جديداً بالنسبة لأغلب المشاهدين، فهو يتحدث فى متن العقيدة المسيحية التى لم تحظ حتى الآن بمساحة تقدمها إعلامياً كما ينبغى لعقيدة هى الثانية لدى المصريين، وكان الظاهر أن الحرية لدى الإعلام الآن هى وحدها ما منحت مناقشة حول حقيقة ظهور العذراء الفرصة للظهور، ولأن طرفى النقاش كانا من رجال الدين المسيحى؛ فقد اكتسب الحوار جاذبية لم تكن لتتحقق لو أن أحد طرفيها مسلم أو علمانى.
هذا من الظاهر..
لكن المؤلم أن حديثاً جدلياً كالذى دار بين القسين، واتسم بالعنف والعناد فى رفض كلٍ منهما لرأى الآخر، لم يكن حول قضايا هى الأكثر أهمية لدى المسيحيين فى مصر: سواء بصفتهم يمثلون أقلية دينية، أو بصفتهم مواطنين مصريين. لو أن المساحة نفسها تناولت هجرة خيرة شباب الأقباط مثلاً، أسبابها، والبحث عن وسيلة تبقى على ارتباطهم بالوطن... إلخ ؛ لكان ذلك أجدى للوطن ولنا، ولصورتنا أمام العالم. لو أن برامج التوك شو، تولى مشاكل الأقباط الأهمية نفسها؛ لكانت المسألة أكثر منطقية، بدلاً من التعامل معهم كـ«شو» إعلامى يظهر عند اللزوم.
فى الليلة نفسها، وعلى برنامج «بلدنا» فى قناة «O tv»، تم تخصيص الفقرة الرئيسية للحديث عن انتخابات مكتب إرشاد جماعة الإخوان، واستضاف «عبدالمنعم محمود» كصحفى متخصص فى شئون الجماعة، وفى الحقيقة هو يمثل جيلاً يفرض نفسه بقوة فى الجماعة منذ سنين قليلة، صحيح أن مؤشر قوة أصوات هذا الجيل (الذى ينادى بالتجديد تحت دعوى الاصلاح) لا تساوى كثيراً فى صندوق انتخابات الجماعة؛ إلا أنه يعكس فراغاً حقيقياً لدى قطاع كبير من الشباب المصرى، البعض منه اختار الجماعة السياسية الأكثر شهرة لينضوى تحت جناحها، هو شباب لا يختلف كثيراً عن هؤلاء الذين شاهدناهم فى تقرير «الحياة اليوم» مسلمين ومسيحيين يؤكدون أنهم شاهدوا «العذراء» أو طيفا من نورها.
كلهم يبحثون عن الخلاص، وكلهم عاملتهم البرامج كـ«حدث» يستحق الاهتمام، لأنه قادر على رفع نسب المشاهدة.. والاعلانات، وليس كواقع يحتاج الكثير من الاهتمام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة