كان المشهد لافتاً ومثيراً للانتباه والتأمل والاهتمام.. إذ إنه بعد أربع وعشرين ساعة فقط على إقصاء وزير التعليم عن منصبه.. كان رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان يشيد بالوزير المطرود من وزارته، بينما يقاطعه أعضاء الحزب الوطنى تحت القبة بمجرد أن ذكر رئيس الحكومة اسم الوزير، لينشغل النواب بالتصفيق الحار، دلالة على منتهى الحب والاعتزاز والتقدير والاحترام.. ولابد لمن يعاود تأمل هذا المشهد أن تؤرقه تساؤلات عديدة جداً.. فلو كان رئيس الحكومة صادقاً هكذا فى الإشادة بإنجازات أحد وزرائه.. فلماذا تمت إقالة الوزير.. ولو كان نواب البرلمان يحترمون الوزير المقال إلى هذا الحد.. فلماذا لم نر أى نائب منهم غاضباً لإقالة الوزير، ساعيا لأن يتقدم باستجواب رسمى لرئيس الحكومة طالباً أن يعرف سبب إبعاد وزير ناجح ورائع وقدير للتعليم.. ولو كان رئيس الحكومة سيقول إن الوزير المقال نجح فى مهمته وأدى ما كان مطلوبا منه، ولكن حان أوان التغيير لأنها سنة الحياة.. فهل يعنى ذلك أن بقية الوزراء لم ينجحوا بعد فى مهامهم ولا يزالون يحتاجون لمزيد من الوقت لإنجازها.. وأنا واثق أن رئيس الحكومة يعرف لماذا أقيل الوزير.. ولكنه لا يملك كشف حساب حقيقى سواء للوزير الراحل أو للوزراء الذين احتفظوا بمناصبهم.. فكل الوزراء فى بلادنا لا يمكن محاسبتهم بشكل حقيقى وجاد، لأن الحساب يتطلب مهام وتكليفات محددة عند الاختيار والتعيين، ثم انتظار أن ينجح الوزير فى أدائها أو يفشل.. وغالبا لا يكون هذا الحساب مفاجئا أو صادما للناس ولا حتى للوزراء أنفسهم.. ولكنه يتسق مع ما يشعر به الناس فى حياتهم اليومية.. فمن المؤكد أن هناك من سينجح، وهناك من سيخفق ويفشل.. فهذا هو الواقع والمنطق والطبيعى.. لكنه لم يكن طبيعيا على الإطلاق أن يكتشف وزير، أنه أصبح فجأة وفى لحظة قاسية، وزيراً سابقاً وهو لا يعرف السبب.. ولا أن يكتشف محافظ أنه بات مطرودا من محافظته، وهو لم يكن يتوقع أو ينتظر ذلك.. وعلى سبيل المثال.. وقبل يوم واحد فقط من الإقالة المفاجئة.. كانت جريدة الأخبار تنشر حواراً على صفحة كاملة مع الدكتور يسرى الجمل وزير التعليم، بينما كانت جريدة الجمهورية تنشر فى نفس اليوم وعبر صفحة كاملة أيضاً حواراً مع اللواء هانى متولى محافظ جنوب سيناء.. ومن الممتع قراءة هذين الحوارين الآن.. فوزير التعليم قبل أربعة وعشرين ساعة فقط من إقالته كان يتحدث عن استراتيجية تطوير التعليم التى يجرى تنفيذها بنجاح، وعن سعادته واعتزازه بأسلوب التطوير، وكان من الواضح أنه حديث لوزير باق فى مكانه، مستمر فى سياساته، سعيد بنجاحه وواثق فى قدراته.. أما محافظ جنوب سيناء.. فقد أعلن بمنتهى الثقة أن العام الجديد 2010 هو الذى سيشهد الطفرة الهائلة فى كل مدن جنوب سيناء.. وكنت أتمنى لو قررت جريدة الأخبار أن تشعر بالضيق، أو تقرر جريدة الجمهورية أن تمارس الغضب.. فجريدة الأخبار لابد أنها شعرت بالإهانة وهى تحاور وزيرا عن مستقبل التعليم، وتنشر الحوار قبل ساعات من إقالة الوزير.. أما الإهانة لأنها كصحيفة عجزت عن توقع إقالة وزير، وبدلا من أن تسبق فتنشر توقعات إبعاده، كانت تحتفى بالوزير وبسياسته التعليمية الناجحة.. وهو ما يعنى أنها فشلت فى نصف مهمتها وهى التوقع.. وفشلت فى النصف الآخر وهو التفسير.. وأنا بالمناسبة لا أقصد جريدة الأخبار بعينها.. ولا الجمهورية أو الأهرام.. ولا المصرى اليوم أو الدستور أو الشروق أو اليوم السابع.. أقصد كل الصحف وكل الصحفيين بمن فيهم أنا.. فقد كان من الممكن أن أكون أنا صاحب حوار وزير التعليم، وصاحب كل هذا الحرج بعد إقالته بساعات من نشر هذا الحوار المستقبلى.. وأشعر الآن أنه قد آن أوان أن نغضب كلنا من أجل كرامتنا المهنية.. من حقنا أن نسأل وأن نعرف ونفهم.. وبهذه المناسبة.. أود أن ألتمس العذر لبعض أساتذتى وزملائى الذين أربك حساباتهم هذا التغيير المفاجئ.. فهناك منهم من كان ضد وزير التعليم، ورافضا لسياساته، وشاهدا على فشله وإخفاقاته.. لكنه من فرط الضيق بالحكومة والغضب منها وعليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة