على الرغم من مئات المقالات التى تمت صياغتها استناداً إلى صورة أوباما أو اسمه.. وآلاف الكلمات التى قيلت أو كتبت تعليقا على خطاب أوباما وزيارته وسياسته وحكايته.. فإن أحدا لم يهتم بالخطوة التى من المفترض أن تقوم بها القاهرة.. لم يلتفت أحد إلى خطوة واحدة جديدة وحقيقية.. أو ألف خطوة.. ممكن أو ضرورى أن تقوم بها القاهرة بعد زيارة أوباما ورسالته إلى المسلمين.. وهكذا مضت أيام وتوالت أسابيع ولم تقم القاهرة بأى خطوة حقيقية للرد على زيارة أوباما.. أو استثمارها.. بشكل واجب وضرورى وصحيح.. وأرجو ألا يتخيل بعضهم أن رد القاهرة الذى أقصده أو أريده وأفتش عنه هو زيارة الرئيس مبارك للعاصمة الأمريكية واشنطن مهما قيل بالصدق أو التحليل أو الكذب والادعاء عن أهمية وقيمة وضرورة وجدوى هذه الزيارة.. فأوباما فى القاهرة.. لم يكن مجرد رئيس للولايات المتحدة يزور القاهرة فى زيارة رسمية أو ودية.. وإنما كان الرئيس الأمريكى يفتتح فى القاهرة.. حوارا جاداً وجديداً وضرورياً.. بين الغرب والإسلام.. بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى بمعتدليه ومتطرفيه وحكامه ومحكوميه.. وكانت زيارة أو خطوة غير عادية وبالتالى فإن الرد عليها كان - ولا يزال - ينبغى أن يكون من نفس القيمة والرؤية ودرجة الفكر والابتكار والإبداع السياسى والإعلامى أيضاً.
وقد انتظرت طويلاً.. كثيراً.. جداً.. مثل هذا الإبداع.. ولكننى كنت كمن جلس وحده ينتظر ما لا يأتى أو يتحقق أبداً.. ولهذا.. أو بهذا.. وقررت أن أتقدم للرئيس مبارك بهذا المشروع والذى يتمثل فى خطوة جديدة تقوم بها القاهرة ردا على خطوة أوباما وإدارته.. وسأحاول إقناع الرئيس.. من ناحية المبدأ.. بضرورة أن تكون له هو الآخر كلمته التى يقولها للغرب.. كلمة المسلمين الذين جاءهم أوباما ليخاطبهم من القاهرة.. فالإدارة الأمريكية اختارت القاهرة مكانا صالحا ومناسبا وواقعيا وضروريا لمخاطبة مسلمى العالم.. وهى شهادة لابد من التعامل معها بذكاء وسرعة والاستفادة منها وتأكيدها واستثمارها أيضا.. ولست أقصد بالاستثمار مثل هذا اللغو المكرر والساذج عن مكانة القاهرة وقيمتها وعمق العلاقات المصرية الأمريكية وثقة الإدارة الأمريكية فى النظام المصرى.. وإنما أقصد استثمار ما جرى فى تأكيد زعامة القاهرة لمسلمى العالم.. وإذا كانت الإدارة الأمريكية لم تجد غير القاهرة منبرا تخاطب مسلمى العالم من خلاله.. فرد المسلمين وكلمتهم لابد أن يأتى أيضا من القاهرة.. ومثلما لم يشأ الرئيس أوباما أن يقول كلمته أو يوجه رسالته من البيت الأبيض أو الكونجرس.. فإننى سأقترح على الرئيس مبارك ألا يقول كلمته - بالنيابة عن كل مسلمى العالم- فى القاهرة أو مجلس الشعب أو على شاشة التليفزيون المصرى.. وإنما سأقترح على الرئيس أن نجرى كلنا اتصالاتنا.. ليصبح الفاتيكان هو المكان المناسب الذى يتوجه له الرئيس مبارك ليلقى كلمته والتى سيخاطب بها الغرب والعالم كله بالنيابة عن كل المسلمين.. فإذا كانت القاهرة هى المكان المثالى والمناسب لتوجيه رسالة لمسلمى العالم.. فإن الفاتيكان هو المعادل الواقعى والموضوعى لمكان ومنبر يصلح لرسالة يقدمها المسلمون للغرب وبالتأكيد.
سأظل ألح على الرئيس مبارك بقبول هذه الفكرة أو هذا المشروع.. وعلى استعداد لمناقشته فى كل تحفظاته واعتراضاته.. وإن كنت أثق فى أن المشكلة ليست هى الرئيس وإنما هى فى كثيرين محيطين بالرئيس.. واذ افترضنا أنه تمت الاستجابة لهذا الاقتراح.. تبقى النقطة الرئيسية والفاصلة.. والمشكلة الحقيقية.. وهى ما الذى يمكن أن يقوله الرئيس مبارك فى الفاتيكان بالنيابة عن كل مسلمى العالم.. نقطة لابد من مناقشتها ولكن ليس مع الرئيس وحده.. وإنما مع كثيرين.. تختلف مواقفهم ورؤاهم وقناعاتهم ولا يتفقون إلا فى مصريتهم وانتمائهم لهذا الوطن.. وسأكتب ورقة سرية لن أعرضها إلا على الرئيس فقط.. أقترح عليه فيها تشكيل هذا الفريق الذى سيصيغ خطابه الذى سيصغى له العالم كله فى الفاتيكان.. فلابد أن يضم هذا الفريق خبيراً حقيقياً فى الشئون الأمريكية.. وخبيراً متابعا عن قرب ووعى وفهم للعلاقات المصرية الأمريكية.. وأكثر من خبير بالعوالم الإسلامية.. من أفغانستان والصين إلى إيران إلى السعودية إلى المغرب العربى والوسط الأفريقى إلى مسلمى أوروبا والولايات المتحدة.. وخبيراً فى الدين المسيحى بعقائده وطوائفه وقضاياه وفلسفته.. وعالما بشئون الفاتيكان ودواخله وملفاته ومكاتبه وأروقته.. وخبيرا فى الميديا الأمريكية وما يؤثر بشكل حقيقى فى المواطن الأمريكى.. وخبيراً مماثلاً فى الميديا الأوروبية.. واثنين من الصحفيين المصريين متابعين بشكل حقيقى لمسيرة حياة وفكر وسياسة كل من الرئيس أوباما وبابا الفاتيكان.. وسفيرى مصر فى واشنطن وروما.. إلى جانب أعضاء فى الفريق بحكم وظائفهم السياسية ومناصبهم الرسمية.
رئيس المخابرات ووزير الخارجية ورئيس الديوان الجمهورى ووزير الأوقاف وشيخ الأزهر والبابا شنودة والدكتور عبدالمنعم سعيد ووزير الإعلام ووزير الثقافة.. وأعضاء آخرين ليس بحكم الوظيفة وإنما بحكم الاهتمام بهذا الشأن والنجاح الجماهيرى والإعلامى سواء داخل مصر أو فى العالم كله.. مثل الدكتور أحمد زويل ومحمد حسنين هيكل والدكتور بطرس غالى وعمرو خالد والدكتور علاء الأسوانى والدكتور محمد سليم العوا وعمر الشريف وأحد قادة أقباط المهجر وأيمن نور.. وإلى جانب كل هؤلاء.. فلابد أن يضم الفريق بعض الوجوه غير المصرية.. مثل الباكستانى صاحب جائزة نوبل الدكتور محمد يونس.. والماليزى الحكيم مهاتير محمد.. وشخوصا أخرى من أفغانستان والسعودية والبوسنة وإندونيسيا والعراق ولبنان.
وأنا أثق أن الرئيس مبارك سيقبل كل هذه الاجتهادات أو على الأقل سيقبل مبدأ مناقشتها والتفكير الطويل والعميق بشأنها.. فهناك قواعد مصرية سياسية ودبلوماسية بات من الضرورى تكسيرها والتمرد عليها.. أولها أننا فى مصر الثلاثين سنة الماضية لم نشهد تجمعا فكريا بصدد مساندة الرئيس فى مشروع قومى أو اتخاذ قرار سياسى هام وفاصل.. وإنما هم نفس الوجوه ونفس الأسماء فى كل مرة وكأن الذين حول الرئيس هم الخبراء وحدهم الصالحون للبحث والتشاور أيا كانت القضية أو كان مجال البحث والحوار.. وأظن أن ذلك كان أحد الأخطاء الفادحة للسياسة المصرية طيلة هذه السنين.. والقاعدة الثانية التى لابد أن تنكسر أيضاً هى مبدأ أن يكون هناك فريق أصلاً بجوار الرئيس.. فريق ليس من الضرورى أن يكون دائماً.. وإنما هو فريق مؤقت تتغير وجوهه وأسماؤه حسب كل حالة أو طريق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة