ياسر أيوب

انظروا داخل أنفسكم

الجمعة، 18 سبتمبر 2009 12:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نكتب اليوم ما سبق أن كتبه كثيرون قبلنا، وعلى أوراق الصحف وعبر شاشات التليفزيون يقرأ الناس ويسمعون الكلام نفسه.. نفس صرخات الشكوى والغضب والمرارة والإحباط، فلا شىء فى بلدنا يتغير، ولن يتغير الحال أبدا لأننا نحن الذين نرفض أصلا أن نتغير، إنها طبيعتنا نحن المصريين فى كل وقت وطوال الوقت، لا نملك إلا أن ننتظر، ننتظر أن يأتينا أحد بوظيفة أو فرصة للحياة.

ننتظر أن يأتى أحدهم ويحقق لنا حلما من أحلامنا، ننتظر أن يمنحنا أحدهم أمانا أو فرحة، ننتظر أى صحيفة أو برنامج تليفزيونى لحل أى من مشكلاتنا وأزماتنا المستعصية سواء الخاصة أو العامة، ننتظر أن تتغير الحكومة فتصبح من واقعنا الحقيقى أكثر اقترابا، وتغدو لكل حقوقنا أشد احتراما، ننتظر أن يفاجئنا الرئيس بمزيد من الديمقراطية وحرية الفكر والتغيير وتداول السلطة والقيادة.

ننتظر كل شىء وأى شىء لكننا لن نقوم بأى شىء بأنفسنا إلا الانتظار، هكذا اعتدنا ممارسة حياتنا وعشناها جيلاً بعد جيل ويوما بعد يوم، والسر فى ذلك أننا نريد كل شىء ولكننا أبدا لسنا على استعداد لأن ندفع ثمنا لأى شىء.. نريد الحرية الأمريكية ولكن بدون الحرب الأهلية الأمريكية وما خلفته من دمار وتخريب ودماء، نريد الحياة الناعمة الأوروبية ولكن بدون حروب وصراعات كثيرة سبقتها مآسٍ ودموع لا أول لها ولا آخر، نريد عسل الدنيا ولكن بدون قرصة نحلة واحدة، والنتيجة بالطبع هى أنه لم يحدث مرة واحدة أن ذقنا حلاوة العسل، لكننا عشنا طوال الوقت أوجاعا غير مكتملة وعشنا أعمارنا فى عذابات لا تقتلنا، ولكن لا تسمح لنا فى المقابل بأن نحيا أو نعيش أو نحلم.

وليست هذه هى مشكلتنا الوحيدة، فلدينا مشكلات أخرى وكثيرة وموجعة أيضا، أهمها على الإطلاق هو إعلامنا سواء المكتوب أو المرئى، إعلام قرر التظاهر، وأجاد وأتقن تمثيل أنه إعلام غاضب وثائر، والحقيقة هى أنه إعلام مسالم ووديع جدا، إعلام قرر أن يحارب الذى لا ضرر منه ولا خوف.. الرئيس والحكومة والوزراء وكبار المسئولين، بينما يتحول إلى إعلام مستأنس جدا مع الذى من الضرورى محاربته.. أى الناس وصمتهم وعجزهم وبلادتهم، فكل من يكتب فى الصحافة أو يتكلم فى التليفزيون أصبح قادرا على انتقاد الجميع من الرئيس وحتى أصغر وزير أو محافظ، لكن أحدا لا يجرؤ على انتقاد الناس ومصارحتهم بعيوبهم وضعفهم وقلة حيلتهم وهوانهم على أنفسهم.

وفى مثل هذا المناخ، وبهذا الفكر والمنطق، أصبح من الضرورى أن يبدو كل الكلام مكررا ومعادا ومتشابها وبدون أى تأثير أو نفع حقيقى، وسيبقى الإعلام يتحدث ولا يقبل ولو حتى بالصمت العاجز عن قضية نائب الرئيس الذى لم ينجح الرئيس حتى الآن فى اختياره من بين عشرين مليون رجل مصرى تخطوا سن الأربعين، بينما هذا الإعلام نفسه لا يضيره أن أى مسئول آخر فى مصر لا يقبل بوجود نائب له.

فى الحكومة لن تعرف أبدا من هو الوزير الذى يمكن أن يكون رئيسا لحكومة مقبلة، ولن تعرف من هو الرجل الثانى الحقيقى فى أى حزب سياسى، وفى أى شركة كبرى مستحيل أن تعرف من هو الرجل الثانى فيها، فى أى صحيفة لن تعرف إلا رئيس التحرير فقط ولكنك أبدا لن تتوقع من هو رئيس التحرير القادم، وكأننا أمام ظاهرة مصرية صميمة تتلخص فى أن أى مسئول، سواء كان رئيسا للجمهورية أو صاحب محل أو ورشة لتصليح السيارات لا يقبل ولن يقبل أبدا أن يكون هناك رجل ثان حاضر وجاهز ومستعد لأن يخلفه فى مكانه، وبالتالى يصعب جداً أن نلوم الرئيس مبارك وحده على ذلك، إنما هو العيب فينا كلنا، وكلنا مسئولون عنه.. يصعب أيضا الحديث عن التوريث ونبقى نصر بشكل فاضح وفادح على أنها قضية تخص جمال مبارك فقط، بينما الحقيقة تبقى واضحة تماما لكل من يريد أن يعرف ويرى، وهى أننا كلنا حسنى مبارك وكلنا أيضاجمال مبارك.. أستاذ الجامعة الذى يرى ويقتنع بأن ابنه هو الأولى والأحق بمقعده.. المستشار الذى يريد ابنه فى سلك النيابة أيا كانت مؤهلاته.. النجم الذى يريد ابنه ممثلا.

وتبقى القضية الأهم والأعمق والأخطر.. قضية الديمقراطية، التى لا نريدها إلا كهبة يقدمها حاكم لمحكومين، ولم نتوقف مرة واحدة لنسأل أنفسنا: هل نحن فعلا نؤمن بالديمقراطية كأفراد قبل أن نطالب بها كمجتمع؟.. هل هناك بيننا من يؤمن حقيقة بالآخر وحقوقه.. يؤمن بتداول الآراء وبالحوار وبتعدد وجهات النظر؟.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة