لم تكن مفاجأة كبيرة أن يتضمن تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان كل هذه الانتقادات على الحكومة، فالذى أشرف عليه هو الدكتور حسام بدراوى، والرجل لا يمكن أن يخالف ضميره ويقول ما لا يؤمن به، ولذلك تجده ينتقد بعنف الأخطاء سواء جاءت من الحكومة أو الحزب الوطنى، وهو أحد قياداته الكبيرة، أو جاءت من أية قوى سياسية أخرى.
فآراء بدراوى ليست تعبيرا عن توازنات قوى داخل الحزب الحاكم، ولكنها فى الحقيقة تعبير عن رأيه الشخصى الذى يعتقد أنه لصالح البلد، حتى لو كان على النقيض من رأى الحزب الذى ينتمى إليه. فهو مثلا يطالب برقابة دولية على الانتخابات ولا يرى فيها أى مشكلة، بل ويراها ضمانة للنزاهة، رغم أن هناك كثيرين فى الحزب الوطنى لا يرفضون فقط هذا الرأى، ولكنهم يلمحون إلى أنه عمالة وخيانة. كما أن بدراوى طالب مؤخرا فى تصريح لجريدة لوس أنجلوس تايمز باستئصال ثقافة التعذيب،ناهيك عن آرائه الجريئة والشهيرة فى التعليم ومنها أن التعليم فى بلدنا للأغنياء فقط.
التقرير الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان انتقد على سبيل المثال تحصين المادة 179 الخاصة بمكافحة الإرهاب ضد الطعن وعدم الدستورية، كما انتقد صلاحيات الرئيس التى تتيح له إحالة مواطنين مدنيين للمحاكم العسكرية، لأن هذا يخل بمبادئ المحاكمة العادلة.
كما طالب التقرير الذى شاركت فيه دكتورة منى ذوالفقار ودكتور صلاح عامر بنقل التفتيش القضائى من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يعنى تدعيما حقيقيا لاستقلال القضاء، الأساس القوى لأى ديمقراطية حقيقية. وانتقد أيضا قصور تشريعات التعذيب، وطالب بإنهاء العقوبات السالبة للحريات فى قضايا النشر.. كما انتقد بشراسة معدلات الفقر والبطالة التى تعد انتهاكا فاضحا لحقوق الإنسان، فكيف يمكن الحديث عن حريات فى ظل الفقر. وإذا تأملت هذه المطالب ستجد أنها مطالب الكثير من عقلاء الحزب الحاكم والكثير من قوى المعارضة، بل ومطالب كل من يريد أن تكون مصر دولة الحرية والعدل. ولأن الدكتور بدراوى هكذا، فكان من الطبيعى أن تجد من يسميه بالحالم، ومن يحاربه، ومن يساهم بشكل أو آخر فى هزيمته فى انتخابات النادى الأهلى أو فى الانتخابات البرلمانية، أو عدم حصوله حتى الآن على وزارة التعليم حتى يبدأ مشروعه لنهضة تعليمية حقيقية.
ولكن الحقيقة أيضا أن هناك قلة مثل دكتور بدراوى داخل الحزب الحاكم، لم يلتحقوا به تحقيقا لمصلحة أو منفعة، بل بعضهم دفع ثمنا غاليا بسبب آرائه، فكل ما فى الأمر أنهم يرون صعوبة، إن لم يكن استحالة، إصلاح مصر من خارج نظامها الحاكم، فهناك تراث ضخم لدولة مركزية عريقة، ولذلك فالأكثر فعالية وتأثيرا هو الإصلاح من الداخل.
دعك من الاختلاف أو الاتفاق حول صحة هذا المنطق.. ففى كل الأحوال علينا أن نحترمه ونحترم المخلصين من أصحابه. فالمهم ليس أين تقف ولكن المهم ماذا تفعل.. وبهذا المعيار فمن هم مثل الدكتور بدراوى يخدمون البلد أكثر بكثير من غيرهم داخل الحزب الوطنى وخارجه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة