المؤكد أن الاتفاق الذى توصل إليه وزراء مياه دول حوض النيل بالإسكندرية فى ختام اجتماعهم الأسبوع الماضى، باستمرار الحوار حول النقاط الخلافية الثلاث بينهم لمدة ستة أشهر، هو مجرد تأجيل للخلافات المعلقة، ولكنه فى الوقت نفسه أطفأ النيران التى كادت تشتعل، رغم بقاء النقاط الثلاث بدون حل، الاجتماع كان محط اهتمام عدد من الدوائر الاستخباراتية العالمية التى كانت تتطلع إلى فشله، كما ذكر الدكتور مغاورى شحاتة دياب خبير المياه فى الدستور، والذى حذر من خطورة الوجود الحالى للشركات متعددة الجنسيات التى تقف وراءها إسرائيل، وتنتشر هذه الشركات فى دول الحوض بشكل متزايد، وتقوم بشراء مساحات كبيرة من الأراضى وتقيم عليها مشروعات مائية تؤثر على حصة مصر، وكان لكلام رئيس الوزراء المصرى (وحضوره) أكبر الأثر فى تهدئة الاحتقان، وتأكيده «أنه يجب علينا وعلى باقى دول حوض النيل تخطى حاجز الحساسيات والخلافات، وتحويل مبادرة حوض النيل من منظورها الضيق لإدارة المياه، لمشروعات صناعية وزراعية وسياسية وتبادل خبرات»، والإعلان عن سفره إلى أثيوبيا على رأس وفد من الوزراء ورجال الأعمال بعد عيد الفطر، الاهتمام المصرى بالموضوع تأخر كثيرا، ربما منذ حادث محاولة اغتيال السيد الرئيس فى أديس أبابا عام 1995، الذى أحدث جفوة، وفتح الباب أمام الإسرائيليين والصينيين وإحدى الدول العربية «الشقيقة» للعب فى باب حياة المصريين، ببناء سدود كان ينبغى أن نبنيها نحن، خلاف التحريض وتصويرنا على أننا ظالمون، تأخرت الحكومة المصرية كثيرا، وعليها أن تتحمل المسئولية كاملة، وتعمل على إذابة «الجلطة» التى تسببت فيها، وأن تدفع المستثمرين (الذين تم تدليعهم وتسمينهم على يديها) إلى الاتجاه جنوبا من أجل مستقبل المصريين، وتتذكر أن امبراطور الحبشة هيلاسلاسى كان يأتى القاهرة ضيفا عزيزا، ويمشى فى شوارعها فى سيارة مكشوفة يحيى الجماهير مع عبدالناصر، رغم وجوده على يمين السياسة الناصرية، والمرة الأولى التى ظهرت فيها السيدة حرم الرئيس الراحل، كانت على عشاء رسمى أقيم على شرفه، وعندما تغير النظام السياسى هناك، وجاء منجستو هريا مريام، وحاولت موسكو من خلاله اللعب فى المنبع نكاية فى مصر، هدد السادات بضربهم بالطائرات فى عقر دارهم، وساعد المتمردين فى الصومال الغربى ليظلوا شوكة فى قلب أديس أبابا، متناسيا أن 85 % من ماء النيل يأتى من الهضبة الأثيوبية، ومن هنا بدأت الفتنة، التى أصبح لها تاريخ وعمقتها الجفوة الأخيرة، هناك من يقول أن أغلب السدود التى أنشأتها أثيوبيا ومنها سد «تيكيزى» الهدف الرئيسى منها هو توليد الكهرباء، وأنه لن يؤثر على حصتنا، وأنها تمت بموافقة مصر، وأن دور الحكومة حاليا ينبغى أن يكون من أجل التفاوض على زيادة حصة مصر، وخصوصا بعد تشغيل سد مروى السودانى، والذى سيحرمنا من 8 مليارات متر مكعب، وبعد تراجع نصيب الفرد فى مصر طبقا لتقرير مركز معلومات مجلس الوزراء من 2604 أمتار مكعبة سنة 1947 إلى 860 مترا حاليا، أى بنسبة انخفاض 67 %، وتوقع التقرير أن يصل نصيب الفرد إلى 582 مترا عام 2025، أى أننا نتحدث عن مستقبل بلد ارتبط تاريخه بهذا الشريان، وعلى وشك الدخول فى مرحلة المجاعة المائية، والحكومة مطالبة بالتحرك قبل أن تحدث الكارثة، وأن يبدأ السفراء المصريون فى دول حوض النيل فى دراسة فرص الاستثمار هناك وتقديمها للحكومة المصرية، والعمل على «اختراع» نظام مصرفى مستقر كما تمنى مصطفى السلاب وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب فى أخبار اليوم، والاهتمام بدول المنبع كأصدقاء حقيقيين يربطنا بهم مصير مشترك، علينا مضاعفة البعثات الأزهرية، وأن تعود الكنيسة الأرثوذكسية إلى سابق عهدها فى الحبشة، واستصلاح الأراضى، واستيراد اللحوم لأن أثيوبيا أقرب من البرازيل بكل تأكيد، وفتح الجامعات المصرية أمام مبعوثى دول الحوض، وما إلى ذلك، والشهور الستة القادمة بالطبع غير كافية لترميم العلاقات، ولكن النوايا الطيبة والتواضع واتخاذ خطوات جادة وصادقة سيعجل فى حل المشكلة، لأننا لانريد فقط الحفاظ على حصتنا، ولكننا نطمح فى زيادتها، والنقاط الخلافية ستظل خلافية، لأن مصر لن تتراجع عن الاتفاقيات التى وقعتها فى 1902، و1906، و1929، و1959، ولأن أحدا لا يستطيع أن يتراجع، وقد أعجبنى رد نائب السفير السودانى بالقاهرة إدريس سليمان والذى مثل بلاده فى لقاء الإسكندرية عندما تم التطرق إلى الاتفاقيات التى وقعت أيام الاستعمار وتساءل «أليست دول الاحتلال الأوروبى هى التى وضعت الحدود الحالية بين الدول الأفريقية وتقبلتها هذه الدول بعد ذلك، فلم لم تعترض عليها وتشكك فيها أو تحرص على تغييرها؟».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة