نادرا ما يتوفر للواحد منا أكثر من موضوع للكتابة، ولكن الأيام الفائتة كان بها وفرة، القمح الروسى الفاسد مثلا، موضوع يستحق، وخصوصا بعد رفض موسكو شحنة برتقال مصرية بسبب «ذبابة الفاكهة»، ولكن ماذا يمكن أن يقال فى موضوع كهذا؟، هل نتحدث عن الفساد أم عن انعدام الضمير والاستهانة بالمواطنين؟، أيمن نور أيضا موضوع، لأنه، ومنذ خروجه من السجن لا يكف عن التطجين، ووصل به الأمر إلى الزعم بأن الذى حرق وجهه قبل يومين بلهب مبيد حشرى، له علاقة ببورسعيد، التى أعلن فيها عزمه الترشح لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة المناخ ضد النائب الوفدى محمد مصطفى شردى، وأيضا لانتخابات الرئاسة «تانى»، وقراره بعدم إبلاغ الشرطة عن الواقعة «لأنه مفيش فايدة»، ورغبته فى تولى جمال مبارك رئاسة الوزراء «بأى شكل»!
نور تحول إلى حالة ميئوس منها، ومضحكة فى الوقت نفسه، لأنه لم يفطن بعد أن الدنيا تغيرت فى السنوات الثلاث الأخيرة، وكنت أتمنى أن أكتب عن حوار وزير الصحة السيريالى فى «المصرى اليوم»، وعن المقابر الجماعية التى أعدها للمصريين، الذين سيتم دفنهم بدون «تغسيل»، إذا - لا قدر الله - وصلت أنفلونزا الخنازير، وعن الحكم التاريخى بإعدام هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى، ولكنى وجدت الأفق ضيقا، لأنك ستتحدث مثل كل الناس عن زواج السلطة بالثورة الذى أنجب كل هذا العبث، وعن انتخابات الزمالك، وانتخابات نقابة المحامين، وعن مباراة الأهلى والإسماعيلى، التى جاءت فى وقتها لتؤكد على الازدهار والانقسام الذى تشهده الملاعب والنفوس.
كنت أمشى فى الشارع «وأقلب» الموضوع فى رأسى، إلى أن حسمت أمرى وأنا أختصر الطريق فى وسط البلد، بالكتابة عن أحوال «السكة الحديد»، واحتجاجات سائقيها ومراقبى أبراجها وعمال ورشها، وكوارثها، والحالة المتردية التى آلت إليها، ولأننى أشم رائحة خصخصة قادمة، وذكرتنى «الشروق» «السبت» بكلام السيد رئيس الوزراء فى أغسطس 2006 بعد كارثة قليوب التى مات فيها 55 راكبا بعد تصادم قطارين، والذى أعلن أن هناك خطة لتطوير هيئة السكة الحديد بتكلفة 8 مليارات ونصف المليار جنيه، وقال إن المبلغ ليس مشكلة بعد حصول الدولة على 17 مليارا من الرخصة الثالثة للمحمول، ورغم مرور ثلاث سنوات على هذه التصريحات، التى اختص الإذاعة - وقتها - بها، لم يتم الإعلان عن خطط التطوير، ولكن عملوا خطة إعادة هيكلة فى العام الماضى قسمت الهيئة إلى أربعة قطاعات وهى «المسافات القصيرة، المسافات الطويلة، والبضائع، والبنية الأساسية»!.. ورحت أقلب الموضوع فى رأسى، وقلت أبدأ بالتاريخ، ثم أتحدث عن التقاليد التى كانت متبعة، وخططت لمقال أسميته - بينى وبين نفسى - «يا وابور قوللى»، ولكن حدثا بسيطا فى الشارع، غير كل خططى.
رجل على مشارف الستين، يلبس ثيابا بسيطة وأنيقة، أمسك بيدى، وقال «احضرنا»، فتوقفت، وعرفت الموضوع، الرجل فى اليوم السابق اشترى لابنه «بنطلونين للبيت»، يباع الواحد منهما «بعد الفصال» بعشرين جنيها وقال للبائع وهو يشتريهما، إن مقاس ابنه هو مقاسه، واختار لونين وأخذهما وانصرف، فى البيت اكتشف أن البضاعة «ضيقة» جدا، وأن البائع خدعه، قال له، وأنا بينهما، ألم أقل لك إن مقاس ابنى هو مقاسك؟، قس أحدهما لتعرف أنك «نصبت» على، فتدخلت وقلت له بسيطة، من السهل أن يبدلهما بمقاس أكبر وينتهى الموضوع، رد الرجل بعصبية «أنا مابرجعش بضاعة»، «مش أنا اللى يرجع البضاعة»، ثم قال بنبرة واثقة وهو ينظر إلى، سأشترى الاثنين جديدين ولن أدفع فيهما سوى عشرين جنيها، وتدخل آخرون فى النقاش، والرجل مصر على رأيه، وهدد بحرق «البنطلونين» أو إهدائهم لأى شخص، وقال إن الموضوع ليس فى الفلوس، وأخرج من جيبه مبلغا لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه، وعندما يدخل أى طرف جديد فى الحوار، يحكى له الحكاية، وأنه لن يقبل أن يخدعه أحد، ويطالب البائع - الذى يفرش فى الشارع - أن يقيس «البنطلونين» لكى يعرف أنه أخطأ، ويؤكد كل ثلاث دقائق أنه «مش من النوع اللى يرجع البضاعة» وقفت ربع ساعة تقريبا، وانصرفت.. لأننى اكتشفت أنه لا توجد بشائر حل.. للمشكلة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة