ببساطة الماء، وعفوية الندى، وانسجام الموسيقى، ورشاقة الفراشة، وانسياب البسمة، تمضى أحداث فيلم «المليونير المتشرد»
كل ما فى هذا الفيلم فاتن، ومبهج ومؤلم وموجع فى آن واحد، فى مشاهده المفصلية يمتزج الحب بالحزن، والدمعة بالبسمة، والإحباط بالأمل، و«البساطة» هى كلمة السر فى هذا الفيلم، ودليل عبقرية صانعيه الذين حصدوا ثمانى جوائز «أوسكار» متفوقين بذلك على أفلام كبيرة قام ببطولتها نجوم عظام.
تبدأ أحداث الفيلم بتعذيب البطل «جمال مالك» فى أحد أقسام الشرطة لاتهامه بالاحتيال والغش أثناء ظهوره فى برنامج «من سيربح المليون» فى نسخته الهندية، يعذبه أحد أفراد الشرطة لأن «الكبار» لا يتخيلون أن شاباً فقيراً وصل إلى مرحلة متقدمة فى السباق واستحوذ على عشرة ملايين ليرة هندية، وليس بينه والعشرين مليون روبية إلا سؤال واحد، وحينما لا يجد الشرطى لدى جمال ما يسره، يفوض أمره إلى الضابط المسئول الذى يأمر بصعقه بالكهرباء؛ حتى ينتزع منه الاعتراف، فيفشل هو الآخر ويقرر الضابط أن يصدقه شرط أن يقول له كيف؟ فيبدأ بسرد قصة حياته وما بها من تفاصيل متشابكة مكنته من معرفة الإجابات الصحيحة.
كان السؤال الأول هو: من قام ببطولة فيلم «زانجير»؟ فاستدعى جمال من ذاكرته أيام الطفولة مشهداً عبقرياً ليدلل على معرفة الإجابة، كان «سالم» أخو «جمال» يعمل كمحصل رسوم، فى أحد حمامات حيهم الفقير البائس، وكان الحمام بدائيا ومقززاً، أربع حوائط خشبية متهالكة، ليس به صرف أو مياه، ليس إلا مكان «مستور» يقضى فيه الإنسان حاجته، من خلال فتحة فى الأرضية الخشبية تتجمع فيها القاذورات، يدخل «جمال» الحمام الذى يقف أخوه على بابه، ويغيب فيخسر سالم «المحب للمال» أجر الزبائن نتيجة تأخر أخيه، ولهذا يغلق سالم باب الحمام على أخيه ليحرمه من رؤية الممثل الهندى الأشهر أميتاب بتشان الذى كان يمر مصادفة فى هذا الحى الفقير، ولأن «جمال» لا يكترث بالمعوقات التى تقف أمام ما يحب، يقرر أن يخرج من الحمام عن طريق الفتحة الضيقة التى تسقط القاذورات من خلالها، بعد أن يستخرج صورة «أميتاب» من جيبه ويرفعها بيده الصغيرة عالياً لكى لا تتسخ مما سوف يغرق فيه، يخرج «جمال» من الحمام فى حالة اتساخ شديدة، يخترق صفوف المعجبين الذين يهربون من رائحته الكريهة، ويشق كوردون الحرس ويصل إلى «أميتاب» مادا يديه ليوقع على الصورة، فيكون هو الوحيد من أهل قريته الذى يفوز بتوقيع النجم الأشهر.
تآمر «سالم» والباب والقاذورات، والحشود الواقفة أمام النجم، لكى لا ينال «جمال» ما يحب، لكنه بذكائه الفطرى أيقن أن الاستسلام لهذه الأشياء هو الموت بعينه، فقرر أن يستغلها لصالحه، ويتحداها، فكان له ما أراد.
تمر حياة «جمال» من خلال الأسئلة، ولكل سؤال حادثة ومشهد مؤثر من مشاهد حياته، موت أمه، وخطفه هو وأخيه وحبيبته الصغيرة من قبل عصابة للاتجار بالأطفال وإجبارهم على التسول والدعارة، ثم هربه هو وأخيه من العصابة ملتحقين بقطار متهالك، مبتعدين عن «لاتيكا» الحبيبة الصغيرة التى يقضى جمال عمره كله بحثا عنها، يكبر الطفل الصغير ويصير «عامل بوفيه» فى شركة اتصالات، ويصير أخوه الساعد الأيمن لرئيس عصابة استحوذ على «لاتيكا» التى من أجلها يحاول جمال أن يظهر فى برنامج «من سيربح المليون» لأنه يعرف أنها تحب مشاهدته، يصبح «جمال» نجماً شعبياً، بعد تخطيه حاجز المليون، ومن أجله تهرب حبيبته بمساعدة أخيه لتتحقق فى النهاية أمنية جمال بالرقص معها فى محطة القطار.
شىء ما جعل كل تفاصيل حياة جمال البائسة إلى الأفضل والأجمل والأبهى، الذكريات المؤلمة أصبحت سببا لكسب المال فى البرنامج، الفقر الذى كان حائطا كبيراً تتحطم أمامه الرغبات والأمنيات أصبح دافعا للتمسك بالحبيب، عمله فى بوفيه شركة الاتصالات الذى كان مدعاة للسخرية هو الذى مكنه من الوصول إلى أخيه «سالم» ومن ثم إلى حبيبته «لاتيكا» وإلى برنامج من سيربح المليون الذى ينقله من حال إلى حال، حتى هذا البرنامج الذى قالت عنه لاتيكا إنه أداة للهرب أصبح أداة للقاء، وتحولت كل ضغوط المجتمع من معوقات تحرم جمال مما يحب إلى وسائل لتجمع بينه وبينها، شىء ما فعل كل هذا، ولم يجد صانعو الفيلم اسما لهذا الشىء إلا القدر، بينما لم أجد لهذا الشىء اسماً إلا الحب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة