بعد حديث شيّق، انتابنى خلاله شعور لا إرادى بأن رأسى مرفوع، سألت اللواء محسن حمدى عضو الوفد المصرى فى مفاوضات السلام إن كان قد كتب مذكراته للنشر.
كان جوابه للأسف الشديد بالنفى. ما أسرده هذا الرجل العظيم من تفاصيل أقيَم وأثرى من أى درس فى مناهج التاريخ الصماء التى أصبحت تنتج مراهقين تسأل أحدهم: «فى أى عام كانت حرب أكتوبر؟» فيجاوب بابتسامة وشك: «سنة 67؟» اللواء أركان محسن حمدى خاض ثلاثة حروب متتالية وشرسة.
حرب عسكرية فى 73 وحرب مفاوضات وحرب التصدى للمراوغات الإسرائيلية عندما كان رئيس اللجنة العسكرية المشرفة على استلام سيناء من الاسرائيليين.
الحديث يُذّكر من يحتاج للتذكير بأن القضية الفلسطينية تبقى فى الضمير السياسى والمصلحة الاستراتجية لمصر شئنا أم أبينا. فالورقة الأولى من كامب ديفيد لم تكن بخصوص سيناء بل تحدثت عن القضية الفلسطينية أما تفاصيل المفاوضات فياليتها تُدّرس بمدارسنا. المهم فى المفاوضات ليس فقط أنها تمت فى واشنطن أو فى أى عام أو أنها أعادت الأرض.
والأهم هو بعض الحقائق التى ترفع معدلات النخوة والوطنية والفخر فى الشخصية المصرية لعلها تستشعرها مجدداً وتتصرف انطلاقاً من قاعدتها. على سبيل المثال لا الحصر، أن هناك مجموعة صغيرة من العظماء المصريين، بعد أن كان ما يشغل بالهم كيف سيلقون التحية على أعدائهم فى أول مقابلة مع اسرائيليين، استطاعوا أن يقولوا لا وبقوة لكل مطلب استفزازى.
الشروط الإسرائيلية بأن تكون سيناء منزوعة السلاح بالكامل، ووضع أجهزة رادار وإنذار على قمم الجبال وكاميرات على قناة السويس رُفضت حتى وإن كان الثمن وقف المفاوضات. عدم تنازل المصريين عن مطالبهم أمام الغطرسة الإسرائيلية فى مفاوضات استمرت سبعين يوماً متتالية أثمرت إصرارا من الراعى الأمريكى على التدخل لصالح مصر.
الموقف المصرى كان منطلقاً من قوة؛ عندما طلب مناحم بيجن إبقاء أربعين أسرة مستوطنة والسماح للإسرائيليين بدخول سيناء للاطمئنان عليهم قام السادات، بحركته المعهودة عند ضرورة إظهار الثقة، فأمسك بغليونه ونظر عالياً وقال: «اسمع يا مناحم 25 أبريل اللى جاى لا عسكرى ولا مدنى هيقعد فى سيناء.. المقابلة انتهت».
آلاف مثل هذه التفاصيل المهمة، من حق مَن شارك فيها أن تبقى حيّة ومن حق مَن لم يعشها أن يعلمها. من حق مصر على حكومتها أن تجمع بشكل منهجى ما تستطيع من مذكرات وفد المفاوضات، الفريق كمال حسن على، د.بطرس غالى، د.أسامة الباز، اللواء طه المجدوب وغيرهم لتدريسها ونشرها وعرضها فى المتاحف وتحويلها لروايات ودراما ليعرف الصغار الفرق بين ما بعد 67 وما بعد 73.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة