وائل السمرى

متعة العبد

الخميس، 23 أبريل 2009 10:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن نظر إليك فمن طرف عينه، اختلاسا وحيطة، وإن كلمك ترى لسانه يقدم كلمة ويؤخر كلمة، وإن سمعك يبدو كمن استجابت جوارحه لكلامك وكأنه وحى مقدس، وإن لمسك اقشعرت حواسك من أثر لمسته المقززة المرتعشة، إن تملك منك أجهز عليك، بينما ليس لتملكك منه فائدة تذكر، ابتسامته إما تملق أو تشفى، ودمعته إما جوع أو استعطاف، لا يحب من الحياة إلا «حياة» وإن صارع الأغيار على منازلهم؛ فمكابدته لا ليكون مالكا أمره، بل ليكون مالكا أمرهم، تحسبه بشرا، لكنه «كالبشر»، سمته لا يختلف عنهم كثيرا، لكن الناس قلوب، ولا يعمر القلوب الخربة إحسان، ولا ينفعها نصح، ولا يأسرها مبادلة الحسنة بالسيئة.

لا لون معين ليميزه، أبيض، أسود، ملون، لا فرق، لم تكفه ألف ثورة لإقناعه بأنه «إنسان»، متعته أن يكون تابعا ورديفا، إن أردت أن تؤلمه قل له: أنت حر، وقتها سيشعر بالكمد والتشرد والضياع، فأمر شىء على من اعتاد السلاسل والقيود أن تتركه مواجها مصيره واحدا فردا، ظن البشر أنهم تخلصوا من العبودية والعبيد منذ عشرات السنين، لكن ويا للأسف «لا جديد تحت الشمس» ورذائل البشرية التى اغتيلت عنوة، تجد لها فى الضمائر الخانعة، والنفوس العفنة منفذا وملاذا.

إن اختلى بنفسه، كفاه من الأكل لقمة، ومن الملبس «هدمة» ومن العيش أهونه، وإن واجه الناس، تجده يجاهد فى إقناعهم بأنه مثلهم فى كل شيء، ولا ينقص عنهم شيئا، لكنه فى كل حال يخشى المواجهة ويفر منها كما يفر السليم من المجذوم، يستأنس بالظلام ولا يكلمك إلا من وراء حجاب، خشية أن تكشف عنه غطاءه؛ فلا تجد إلا العفن، لا يتورع عن إذلال من هم دونه، ليقنع نفسه «سدا» بأنه فوقهم جميعا، لكن صوتا هامسا عميقا يأتيه قائلا «إلعب غيرها» لا يحب التغيير ولا التسامى، ويحسد جميع المخلوقات على ما هم فيه، حتى ثيران السواقى لم تسلم من حسده وكيده، لأن عملهم موفور، وطعامهم وفير، ومأواهم موجود.قل له: جرب أن تكون «إنسانا» كافح، فكر، اجتهد، تعلم، وستجده أبكم أصم، لا يعرف ماذا يقول لك، لأنك طلبت منه ما لا يجد إليه سبيلا، إن فعل ما قلته له فسيتغير، ووقتها لن يضمن أن يجد ما يجده الآن، لذا فهو يعادى التغيير لأنه لا تستوعبه، ولا يقدر عليه، وإن تغيرت الأحوال من حوله رغما عنه تجده أول المستفيدين، وأول المتأقلمين، وأول المنتفعين، وأول الشاكرين الحامدين المصفقين.

يحب أشياءه كثيرا ويحافظ عليها، لا وفاء لها ولا تعلقا بها، لكن لأنها دليل على أنه يمتلك شيئا ما، بعد أن كان هو ذاته مملوكا، يحبها بقدر ما ينتفع بها، وخسارتها بالنسبة له تعنى خسارة وجودها لا خسارة ما تمثله من قيم وذكريات انحفرت فى الوجدان، فلا وجدان له حتى وإن اجتهد فى التظاهر به.

الأصفياء أعداؤه الألداء، لأنهم لا يجتهدون فى الظهور بما ليس فيهم، ولأنهم يفضحون خواءه وخراب روحه، لسان حالهم يقول له: يا فارغ، كلما يراهم ترن فى أذنيه هذه الكلمة، فيجرى مطاردا سراب الامتلاء الذى لن يقبض عليه أبدا، وحتى إن أمسكه ينسرب من بين يده كالماء، تاركه جائعا ظمآنا.

يهرب من كل القيم الحقيقية، ويتجاهلها، وإن وجدها فى يد غيره يجحدها، وينكرها، لا حب فى حياته، ولا عدل، ولا حرية، يرتدى الزيف قناعا ورداء، و«التظاهر» عنده عقيدة وإيمان، يجيد الإعلان عن مظاهره ناسيا أن الذهب لا يحتاج إلى أن يقول للناس: أنا ذهب، لكى يقدروه ويعظموه، يظن أن كل ما يلمع ذهبا، فيلمع نفسه، حتى تنبرى أصابعه، وما إن يطلع عليه الصباح حتى ينكشف زيفه، ويسقط قناعه، ويعود إلى أصله الوضيع.

متعة العبد هى الغرق فى العبودية، والسعى المحموم لاستعباد الغير، لا ليكون سيدا، بل ليكون «كالسيد» تجده «يحسد الصادق على صدقه، ويقف بين العاشق وبين عشقه، يهرب من الصافين إذا بكوا، ويحسد الباكين إذا ضحكوا. هل أدلك على «تعويذة» لتطرد بها سمومه من داخلك ومن حولك، تلك التعويذة كتبها الخبير العالم عبدالرحمن الأبنودى الذى أعتذر له عن تحريف تعويذته المدهشة، إن قابلك تمتم قائلا: متمنعوش الصادقين عن صدقهم/ ولا تحرموش العاشقين من عشقهم/ كل اللى عايشين البشر من حقهم/ يقفوا ويكملوا/ يمشوا ويتكعبلوا/ ويتوهوا أو يوصلوا/ وإذا «كنت« مش قادر تكون زيهم/ أتأمل الأحوال/ أو أوزن الأفعال/ يمكن إذا صدقت «تمشى» فى صفهم«، لكنه للأسف لن يصدق أبدا، وإن صدق مات، من هول ما فى نفسه من هوان وابتذال.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة