رغم إعجابى بإصراره ودأبه الشديد حتى أصبح نائبا ببرلمان ولاية شمال الراين فى ألمانيا، ورغم أننى أقدر تماما أنه لم ينس قضايا المنطقة العربية، إلا أننى لم أستطع إخفاء اندهاشى من آراء جمال قارصلى، التى يدافع فيها عن استبداد الحكام العرب، ليس لأنه يؤمن بالاستبداد، ولكن لأنه يرى أن البديل هو الفوضى، ويضرب مثلا بما حدث فى العراق، فى تلميح واضح إلى أن بقاء الديكتاتور صدام حسين كان أفضل ألف مرة مما يحدث الآن.. فهل هو محق؟
النائب قارصلى كان فى زيارة لـ«اليوم السابع» بصحبة الزميل العزيز محمد ثروت، وتناقشنا كثيرا، وكانت خلاصة آرائه أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية واللوبى الصهيونى لا يهمهم محاكمة البشير، ولكن الهدف هو ثروات السودان، وأن الخطة الموضوعة منذ زمن هى تفكيك هذا البلد بأية وسيلة، محكمة جنائية أو حرب أهلية أو غيرها.. مثلما يهدفون إلى تفكيك وإضعاف كل المنطقة العربية، وفى مرحلة أخرى من المناقشة تحدث الرجل كثيرا حول تذويب الهوية العربية الإسلامية سواء هناك فى أوروبا وأمريكا، أو فى منطقتنا العربية ذاتها.
أليس غريبا أن يدافع الرجل عن الاستبداد وتجويع الشعوب، وهو السورى الأصل الذى أصبح نائبا فى بلد مثل ألمانيا بفضل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فلماذا لا يحارب أن نعيش مثله فى بلد حر ومحترم؟
والحقيقة أن قارصلى ليس استثناء، فمثله القوى السياسية العربية التى دعمت أنظمة حكم دكتاتورية، صدام وبشار والقذافى وغيرهم، رغم أن خطابها ينطلق من الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، ومع ذلك بذلوا الغالى والرخيص للدفاع عن أعداء مبادئهم.. أليس هذا غريبا؟!
ثم من قال أنه لا يوجد خيار ثالث بين الاستبداد أو الفوضى، يحمينا من توحش الحكام المستبدين ومن احتمالية تفكيك الأوطان، ثم إذا لم نفعل ذلك، ونكون إما فى ذيل حكام ديكتاتوريين أو فى ذيل مؤامرات هيمنة وتفكيك.. هل يصبح لنا قيمة فى الحياة؟
لا أظن.
ولا أظن أن منطق لا صوت يعلو فوق صوت المعركة أصبح صالحا فى زماننا.. فمعركتنا الأولى، وأرجو أن يوافقنى النائب اللامع، مع الداخل، مع الاستبداد والفقر، وليس مع احتمال، قد يحدث أو لا يحدث، للتفكيك والفوضى.
ثم يا صديقى ما قيمة وطن لا تنعم فيه بالحرية واحترام حقوقك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة